العدد 3343 - الثلثاء 01 نوفمبر 2011م الموافق 05 ذي الحجة 1432هـ

تونس تنتخب... إعلان الطلاق مع العهد البائد

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هل تمثل نسبة «90 في المئة» من المقترعين التونسيين رغبة ملحة بـ «القطيعة» وخيار «طلاق بالثلاث» مع عهد الرئيس المخلوع ونظامه السياسي؟ يبدو الأمر هكذا، بل وبالتأكيد.

ثمة دلالات كشفتها نتائج انتخابات «المجلس التأسيسي» حديثا وما أعقبها من تصريحات، فالحدث تاريخي استثنائي بامتياز، شارك فيه «100 حزب» وراقبه «15000 مراقب» دولي ومحلي، تميز بالإقبال الكثيف لدرجة أن اختصره المراقبون بثلاث كلمات «سليمة، حرة وشفافة» وخصوصاً أنها - أي الانتخابات - تنظم لأول مرة من هيئة عليا مستقلة بدلاً من وزارة الداخلية، ما يطرح على قوى الحراك التونسي تحديات جوهرية. كيف؟ ولماذا؟ الأسباب كثيرة.

فمن جهة يمثل «المجلس» أعلى هيئة سيادية سيعنى بتأليف حكومة جديدة مؤقتة ويحدد مواعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ويشرف عليها، الأهم سيضع دستورا جديدا يشرح فيه طبيعة النظام السياسي والانتخابات التي ستضفي الشرعية على مؤسسات الدولة ومنهجها القانوني والاقتصادي وضمان حيادية القضاء عن السلطة التنفيذية والتشريعية وتعيين الأولويات الاجتماعية، لكن وعلى رغم ارتفاع نسبة الاقتراع فذلك لا يخفي الخلافات المتوقع أن يعج بها «المجلس»، وهي بالمناسبة لن تقتصر على صياغة الدستور بحد ذاته بل في قضايا تشريعية تقع خارجه ولها علاقة به وسيكون لزاماً على المجلس صياغتها، إضافة إلى نقاشات حتماً ستدور حول طبيعة النظام السياسي وما إذا كان نظاماً برلمانياً يشجع على المحاصصة وغير ديناميكي كما يرى البعض، أم نظاما بديلا «شبه رئاسي برلماني» كما هو معمول به في فرنسا.

ثم إنه وفي عشية الإعلان عن فوز «حركة النهضة الإسلامية» بأعلى المقاعد «90 مقعدا من أصل 217»، جاءت رسالة الطمأنة من رئيسها راشد الغنوشي فاقعة ولافتة للنظر مفادها بأن «الثورة حدثت لتدمير النظام لا الدولة التي نصمم على حمايتها، الديمقراطية للجميع وقلوبنا مفتوحة لهم، نسعى لإقامة مؤسسات سياسية تنتخب دورياً انتخاباً نزيهاً، كما نسعى لمشاركة إخواننا في كتابة الدستور ونظام ديمقراطي وحكومة ائتلاف وطني مهما اختلفت توجهاتهم، لا نغفل جهاد المناضلين ومن اعتقلوا منذ الاستقلال من قوميين واشتراكيين ونقابيين وليبراليين وشيوعيين، التغيير في السياسات والوجوه هو أصل الثورة، نجدد التزامنا لنساء تونس بتقوية وتفعيل دورهن في صناعة القرار السياسي وبما يمنع الارتداد عن مكاسبهن، لن نفرض الحجاب وستشارك المرأة في الحكومة الائتلافية به أو من دونه، لن نغير نمط حياة الناس وسنترك لهم حقوقهم فيما يلبسون ويأكلون ويشربون فهذا ليس شأن الدولة، نحترم إرادة الشعب وكل قائمة فازت مستقلة كانت أو تابعة، ملتزمون بالاقتصاد الحر المشجع على الاستثمار ونشدد على العمق الحضاري لتونس مغاربياً وعربياً وإسلامياً وعلى الانفتاح مع أوروبا وخارجها وصداقتنا بأميركا تاريخية، نلتزم بالأمن والسلم العالمي ونحترم المواثيق والمعاهدات الدولية التونسية».

كذلك تابع الجبالي مرشح الحكومة المتوقع استكمال ما أفاد به الغنوشي قائلاً إن حزبه «لن يفرض قيوداً على ملابس السائحات الأجنبيات على الشواطئ التونسية فالقطاع السياحي يعدّ من المكتسبات التي لا مجال للمساس بها متسائلاً وهل من المعقول أن نصيب قطاعاً حيوياً كالسياحة بالشلل بمنع الخمور وارتداء لباس البحر وغيرها من الممارسات؟ هي حريات شخصية مكفولة للأجانب وللتونسيين أنفسهم، لن يجري تعميم المصارف الإسلامية وإلغاء النظام المصرفي التونسي، ولا تحديد لنشاط أصحاب الأعمال بل دعمهم في جلب الاستثمارات العربية والأجنبية». وماذا أيضاً؟

بدوره أكد رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المنصف المرزوقي، والمصنف «بأنه يسار عروبي» والحائز على المرتبة الثانية بـ «30 معقدا» أثناء الانتخابات وبعد ظهور النتائج، أن «حركة النهضة ليست الشيطان ولا طالبان تونس، متمسكون بهويتنا العربية والإسلامية، لكننا نرفض استغلال الدين كوسيلة استبدادية، إن معركة تونس المستقبلية لن تكون عقائدية أو أيديولوجية بل هي ضد الفقر والإقصاء، ومن منحوا أصواتهم للنهضة وغيرها لم يفعلوا ذلك بوازع ديني أو أيديولوجي بقدر ما جاء تلبية لحاجاتهم اليومية في ظل العزة والكرامة»، ومثله أعلن التكتل من أجل العمل والحريات، وهو مجموعة نشطاء تقدميين منفتحين على الاتجاهات القومية والإسلامية، وحاصل على «21 مقعدا» أن مشاورته بدأت مع الشركاء بمن فيهم «النهضة» معرباً عن استعداده لتحمل أعلى المسئوليات في حال التوافق.

لكن هذا ليس كل شيء؟ «فإسلاموفوبيا» المعروفين بارتيابهم عامة من التيار الديني وبمخاوفهم إزاء الحقوق والحريات الشخصية، دفعتهم إلى رفع بطاقات الاحتجاج في وجه نتائج الفوز وطرح علامات الاستفهام حول تزوير وانتهاكات انتخابية مزعومة وعن تحالفات أبرمت أو ستتم في إطار «المجلس التأسيسي» والحكومة المنبثقة ولاسيما بين «حركة النهضة» و «المؤتمر من أجل الجمهورية». صحيح انهم قبلوا بالنتائج وأعلنوا هزيمتهم، إلا انهم أعلنوا عن أنفسهم مسبقاً كـ «معارضة» قادمة متوقع أن تمثل «25 في المئة» من المجلس، وهو ما أفصح عنه رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي الحائز على «17 مقعدا» حين أعلن أنه لن يشارك في ائتلاف مع «النهضة» وسيعارض بهدف المحافظة على مكتسبات تونس في حقوق الإنسان والمرأة.

في السياق، شهدت مدينة «سيدي بوزيد» مهد انطلاق الثورة مواجهات وفوضى بعد انسحاب «حزب العريضة الشعبية» إثر احتجاجه على رفض حركة النهضة التحالف معه في الائتلاف المقبل وإبطال نتائجه في «6 دوائر»، بسبب الاشتباه باستخدامه للمال السياسي الذي قيل إنه من بقايا أموال عهد «بن علي» الذي كان يشتري به الذمم الإعلامية والأقلام والأفواه لتلميع وتجميل نظامه في الخارج، ومع ذلك فهناك من رأى أن هذا الحزب شكل ظاهرة سياسية بطابع اجتماعي من خلال ظهوره كقوة سياسية متوسطة حققت «19 مقعدا» حتى وإن أثار لغطاً بشأن نتائجه والدعاية السياسية التي اتبعها.

ثمة معطى آخر له دلالته عن العملية الانتخابية التي عدها المحللون انتصاراً مضافاً لانتصارات الشعب التونسي، لمَ لا وارتفاع أعداد المقترعين أعلنت مجدداً عن شرعية الثورة وخيار توجه الشعب لممارسة ديمقراطية حقيقية لا زائفة أو مزيفة، ولاسيما بعد أن وضع الناخب ثقل أصواته في صناديق الأحزاب التي تميزت بتاريخ نضالي وذيلت بياناتها الانتخابية بحماية الهوية العربية والإسلامية كهوية لتونس، ما يعني تقويضها لوضع اليسار الذي لايزال - من أسف - يتصارع على تنظيرات الهوية وتعاني من التباس حولها بل وحتى حول خيارات الشارع الشعبي ومزاجه.

أضف لما سبق ثلاث ظواهر سجالية رصدها المحللون أيضاً تتلخص في التالي:

أولاً: المعارضون المتوجسون من فوز حركة النهضة، يأخذون عليها ازدواجية اللغة، يجدونها تطمئن في المنابر العامة لكنها تتشدّد في المساجد، وعلى رغم وجاهة ورونق تصريحات رئيسها فإن لديه استعدادا للارتداد عن الوعود والتعهدات بحجة «قواعد الحزب المتطرقة»، بل إنها متهمة بممارسة التقية، ومع ذلك فهم يعجزون عن التدليل على ذلك من خلال برنامج الحركة، ولا يملكون الاستعداد لمراجعة مواقفهم تجاه الآخر المختلف بسبب الجمود والتعالي.

ثانياً: على رغم ما يشكله مجموع مقاعد قوى اليسار والليبراليين المعارضين مجتمعة من غالبية، فإنهم خاضوا الانتخابات متشرذمين في اللوائح والأصوات متغافلين ومتجاهلين المزاج الشعبي ومتمسكين كعادتهم بخطاب الارتياب والتشكيك التقليدي في نقدهم للتيار الديني ولخيارات الجماهير.

ثالثاً: مع أن نصف المرشحين من النساء المنخرطات بنشاط أثناء العملية الانتخابية وفي المنتديات والإعلام فإنه تم الالتفاف على مبدأ المناصفة في اللوائح بينهن وبين الرجال، فلم تتضمن اللوائح إلا نسبة «7 في المئة» فقط وبمعدل «105»من اللوائح الـ «1500» ترأسها امرأة، ما دفع الكثيرين للتوجس بشأن التأثيرات السلبية على تركيبة المجلس باعتبار انه يعتمد النظام النسبي.

في كل الأحوال، القطيعة والطلاق مع العهد البائد على الأرجح ستشكل تحديات تواجه حركة النهضة الإسلامية، بصفتها حاصلة لوحدها على نسبة «41.47 في المئة»، منها ما يتعلق بمعالجة المشكلات الاقتصادية وآثارها الاجتماعية من فقر وبطالة، فضلاً عن تحدي عقد تحالفات براغماتية استراتيجية في إطار التكتلات الوفاقية داخل المجلس بين مختلف التيارات السياسية الإسلامية المحافظة والمعتدلة والليبرالية والعلمانية، إلى جانب مشكلة الاختيار بين نماذج من الإسلام السياسي تقليدي متشدد، أو نموذج شبيه بنموذج تركيا قادر على تشكيل قاطرة للتحول الديمقراطي العربي.

حقاً، إنه اختبار عسير؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3343 - الثلثاء 01 نوفمبر 2011م الموافق 05 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً