العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ

تبدَّلت الأزمنة فلتتبدَّل الحلول

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

امتداد التجمُّع الاقتصادي العولمي في دافوس، الذي انعقد كمؤتمر إقليمي على ضفاف البحر الميٍّت، غابت عنه كالعادة الجوانب التي لا يريد قادته أن يتعامل معها لأنّها ستصطدم مع تحفظات هذه الجهة أو غضب تلك. فاجتماعات دافوس واجتماعات مواليدها يجب أن تبدو غير منقسمة ولا متحاربة حتى يقتنع العالم بأنها مصدر الحكمة ومحطًّ السموِّ الاجتماعي.

لقد ركزت مداخلات البحر الميٍّت، وهي تنظر إلى المشهد الاقتصادي العربي إبَّان ثورات ربيع العرب، ركزت على جانب تراجع النشاط الاقتصادي العربي المصاحب للأحداث العربية الهائلة، وعلى نتائج ذلك التراجع المتمثّل في ارتفاع نسب البطالة بين الشباب إلى حدود الإنذار باضطرابات مجتمعية قادمة في غالبية بلدان العرب، وبالطبع فالهدف الخفي وراء ذلك التحليل هو غمز ولمز الحركات السياسية الجماهيرية العربية.

وكالعادة قدًّم الكثيرون، من المستمتعين بدفء وهدوء أمواج البحر الميت، الحلَّ السحري الشافي لهذه المشكلة، وهو أن يسعى الجميع إلى اجتذاب الاستثمارات الأجنبية من أجل تنشيط الاقتصاد العربي وبالتالي خفض نسب البطالة، ولما كان الصباح قد حلَّ فإن شهرزاد توقفت عن الكلام المباح إلى حين مناسبة أخرى. لكن دعنا نقوم نحن بمحاولة تكملة القصة وتعريتها.

أولاً - لم تقم في تاريخ البشرية ثورات لم يصاحبها اضطراب وركود اقتصادي مؤقت، وهذا ثمن مقبول دفعته كل المجتمعات التي قررت ونفذَّت المواجهة الجذرية الشاملة لما اعترى حياتها من ظلم وفساد واستبداد من قبل أقلية لا رحمة في قلبها ولا ضمير يحاسبها.

لكن الثورات الناجحة تجعل ذلك الاضطراب الاقتصادي لا يمتدُّ إلى أكثر من فترة انتقالية محدودة تعقبها فترة انتعاش حقيقي يوزّع خيراته على الجميع وبعدالة إنسانية معقولة.

ثانياً - لو أن تلك الاجتماعات الاقتصادية العولمية صادقة مع ربِّها ومع نفسها لوجَّهت الغمز واللَّمز والتقريع لغالبية من يحضرونها من الاقتصاديين والسياسيين، فهؤلاء هم من أوصلوا المجتمعات العربية إلى حدود الانفجارات الثورية الكبرى بسبب أنانيَّتهم المفرطة وجشعهم للكسب السريع على حساب الآخرين أو لتركيز ثروات المجتمع في أيديهم بصور لا تقبلها الأخلاق الإنسانية الرفيعة ولامبادئ العدالة. لقد قلبوا مجتمعاتهم إلى شركات نهب و(فهلوة) من خلال بناء حلف شيطاني بين المال والسياسة، فأصبح المال يشتري النفوذ السياسي، وأصبح المركز السياسي يؤدّي إلى الاستحواذ على ثروة المال.

ثالثاً - حتى الثروة المالية التي جمعوها استثمروها خارج بلدانهم، تارة لإنقاذ شركات أجنبية متعثّرة وتارة للحصول على مكاسب مالية انتهازية سريعة. وكانوا في جميع الأحوال يساهمون في إنعاش اقتصاديات لآخرين مقابل إفقار اقتصاديات مجتمعاتهم، وبالتالي كانوا أدوات تخفيض لنسب البطالة بين شباب مجتمعات الغير وأدوات ارتفاع لنسب البطالة في مجتمعاتهم العربية.

ولذلك كان مضحكاً أن يتحدث المتحدثون عن ضرورة اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لحلِّ الإشكاليات الاقتصادية العربية الحالية ويتناسون أن أكثر من ألف وخمسمئة مليار دولار من المال العربي الخاص والعام مستثمر في بنوك وشركات وعقارات وسندات أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. لو أن المجتمعين، وأكثرهم من أصحاب القرار في الاقتصاد والسياسة وفي ساحتي العام والخاص، كانوا يريدون حلولاً تصعد فوق التمنيات الفارغة وكلمات العلاقات العامة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، لاتخذوا قراراً واحداً وهو الإقدام على خطوات تنفيذية لإرجاع المال العربي من وراء البحار والمحيطات إلى حيث يجب أن يكون: إلى أرض العرب.

رابعاً - لقد امتلأت قاعات الاجتماعات بخبراء دول أوروبا وأميركا والصِّين وغيرها لتقديم المشورة إلى رجال السياسة والاقتصاد العرب المجتمعين على ضفاف البحر الميّت، ولكن هل حقّاً أن هؤلاء يستطيعون تقديم المشورة وجلُّهم من الذين تلطخت أياديهم بدماء ودموع ضحايا الكوارث الاقتصادية والمالية العولمية التي هزَّت العالم منذ العام 2008. والتي لاتزال آثارها الكارثية تنخر حياة الملايين من ساكني الأرض؟ وإذا كان لدى أولئك الخبراء حلول فليقدموها إلى أوروبا التي تواجه أكبر معضلة مالية في تاريخها أو لأميركا التي تتضاءل قدراتها الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية يوماً بعد يوم، بل ليقدموها لحلِّ إشكاليات النظام الرأسمالي العولمي المتوحّش الذي يتخبَّط في أخطائه وخطاياه وجنونه.

المطلوب ممَّن سيجتمعون في المستقبل، إن كانت قلوبهم ترأف بهذه الأمة وعيونهم قادرة على ذرف الدموع على ألوف الضحايا الذين سقطوا في ساحات وشوارع عشرات المدن العربية، المطلوب هو أن يقتنعوا بأن الأزمنة قد تبدلت ومعها يجب أن تتبدّل الحلول، الحلول التي تستند إلى قيم العدالة والأخوة الإنسانية والإلتزام الأخلاقي بحقوق العباد

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:07 م

      الأفعال يجب أن تسبق الأقوال

      كل قول لا يسبقه فعل فهو خداع ونفاق وتدليس ولم تعد مقصورة على يهم فهناك من هم دونهم يعملون ويفعلون فعلهم

    • بريد الشوق | 7:03 ص

      أفا على أيامك يا فخرو

      الأسف كل الأسف أننا في زمن اختلفت فيه كل الموازين و انقلبت أحوال البلاد و العباد و الله اشلون عقلية مثل عقلية الوزير الأسبق فخرو تهمش و نحن في لحظة الاحوج إلى مثله و الله المستعان على نا نحن فيه

    • زائر 6 | 4:48 ص

      هزائــــــم ... الحكومــــات

      هناك وهناك حقيقة كبرى كامنة وراء ما نشاهده من وسائل وألوان لحلول عقيمة !،فلن تقف سطوة قوة أمام هيبة حق وهيبة الحق مستمدة من الحق نفسه فهي باقية أبداً خالدة على الزمن،وإلا فما معنى الهزيمة في الزمن الحديث ؟!معناها التقوقع والخمول التعس أمام العراقيل والعقبات، ولأن الهزيمة في سائر أجناس الأحياء معناها الموت سواء أنشأت الهزيمة عن عجز أم عن " جــد عاثـــر" مستهتهر ومستهزئ بكرامات وقدرات الشعوب . وتحياتي لكم ... نهوض

    • زائر 5 | 4:12 ص

      أقتصادنا

      البديل الناجح بعد التجارب الاقتصادية التي ما تبرح أن تسقط ولو بعد عقد من الزمان هو الاقتصاد الاسلامي البعيد عن الشوائب النظم الرأسمالية والاشتراكية الوضعية ذات الحلول الاقتصادية المؤقتة
      لفئة بسيطة من الناس على حساب ملايين البشر-ويمنكن الرجوع الى كتاب اقتصادنا للمؤلف الشهيد السيد باقر الصدر(رح) الذي يوضح أجلى معاني التحدي لاقتصايات النظم الغربية التي باءت بالفشل والسقوط المدوي!!!!.

    • زائر 4 | 3:36 ص

      اسمح لنا يا دكتور : تبدَّلت الأزمنة فلتتبدَّل العقول ، اولا تيديل العقول ومن ثم تبديل الحلول

      المطلوب ممَّن سيجتمعون في المستقبل، إن كانت قلوبهم ترأف بهذه الأمة وعيونهم قادرة على ذرف الدموع على ألوف الضحايا الذين سقطوا في ساحات وشوارع عشرات المدن العربية، المطلوب هو أن يقتنعوا بأن الأزمنة قد تبدلت ومعها يجب أن تتبدّل العقول ، الحلول التي تستند إلى قيم العدالة والأخوة الإنسانية والإلتزام الأخلاقي بحقوق العباد

    • زائر 3 | 2:05 ص

      ألف وخمسمئة مليار دولار من المال العربي

      المبلغ المذكور يكفي لأن يعيش الشعب العربي كله عشرات السنين وهو جالس في منزله من غير عمل ، فما بالك لو تم استثماره في الشعب وفي العقول العربية التي تهاجر من أجل لقمة العيش.

    • زائر 2 | 1:22 ص

      كلام في الصميم لمن القى السمع

      في البحرين كنوز من المعرفة والثقافة انت احدها يا دكتور لكن المشكلة في عالم ضاع بين جهّال
      وينطبق علينا المثل القائل من باع ذر على فحام ضيعه
      رجال في البحرين اصحاب فكر ثاقب ونير ولكنهم مقصيون في مكان لا يرجع لهم احد الرأي ولا يسمع لهم وحتى وان تكلموا فالآذان صماء عن سماع قولهم والاستفادة من علمهم وخبرتهم
      ونقول لا فائدة من الكلام

    • زائر 1 | 12:49 ص

      صباحك عز وكرامه يا دكتور

      تتعاقب الازمنه و تتقاطع الايام والحلول هي هي صالحه لكل زمان يدفع الله البلاء التعاطي مع الازمات من الستينات للحين ما تبدل نفس الاسلوب اللي يتخدمه الحواج الطبيب الشعبي العشبي مغص عندك ماءزموته صداع يفتق المخ ماء زموته الم في الكبد ماءزموته ضعف نظر ماءزموته صمخ والعياذ بل الله ماء زموته ازين على اشلوف الدكان بلييلج مرقدوش حرمل نقضه كافورلا بلاوي الدنيا لا يطالع ويهك بس ونفس التشخصوالحل ماءزموته الالم زاد ماخف ماء زموته وصلت حالتي للموت ودواي بس ماءزموته هذا اللي حاصل يادكتور

اقرأ ايضاً