العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ

الخَبَابة ودْعيدِع المقبرة

هناك العديد من حكايات الجن المتداولة بين العامة في العديد من الثقافات، ولكل ثقافة أسماء لمخلوقات تزعم العامة أنها من الجن أو المتشيطنة. وهناك شخصيات أسطورية عامة كالغول والسعلاة والجاثوم وغيرها، وهناك أسماء ذات خصوصية تكون حصرية على منطقة أو مدينة أو دولة معينة، وقد تناولنا في جميع ما سبق من فصول الشخصيات الأسطورية المرتبطة بمنطقتنا، وفي هذا الفصل سنتناول شخصيات أسطورية، الخَبَابة ودْعيدِع، وهي تختلف عمَّا سبق في أننا لا نملك لها وصفاً محدداً أو منطقة ظهور محددة؛ إذ هناك العديد من القصص المختلفة التي تروى عن هذه المخلوقات.

الجني دْعيدِع

يسمَّى في البحرين دعيدع (يكتب أحياناً ادعيدع) ودعيدع المقبرة، وضو دعيدع، ويسمى في الكويت ادعيدع وضو ادعيدع، ومن أسمائه في شرق الجزيرة العربية دعيدع أبو الخلاقين، ودعيدع أبو الشماطيط، وذلك نسبة للثياب البالية أو المتمزقة التي يرتديها، والتي تسمى عند العامة في الخليج «شماطيط». وقد ارتبط دعيدع بالعديد من القصص وله العديد من الصور فقد زعم البعض أن له جسم قرد وآذاناً طويلة، ووجهاً يشبه القط وله أنياب لامعة. وزعم آخرون أنه جان يظهر على شكل رجل في المقابر أو النخيل وهو كثيراً ما يطلع للفلاحين عند حلول الليل وربما تشكل لهم بعدة صور وقلد بعض الأصوات لكي يغوى أو يخدع الناس، وفي رواية أخرى أنه يجلس فوق النخيل ويرمي البسر على البيوت القريبة للنخيل، وهناك نوع من الرطب يسمى بالاسم نفسه؛ أي دعيدع وهو الرطب المعروف باسم أصابع البنات، ولا أعلم ما العلاقة بين هذا الرطب ودعيدع.

وهناك عدد من الأهازيج أو الأقوال التي ارتبطت بدعيدع، وهي تقال بحسب مناسبات معينة، فمثلاً عندما يقوم دعيدع بإلقاء الرطب على منازل الآخرين تصيح به سكانها «دعيدع دعدع أمه سبع ليالي تخمه»، أما دعيدع المقبرة فله مقولته الخاصة، فيقال عندما يراد إخافة إحدى النساء «يا دعيدع المقبرة تعال دعدع المره».

ضو دعيدع

زعمت بعض العامة في الخليج العربي أن دعيدع مجرد نور أو هو مخلوق مضيء كالنور؛ إذ يقال إن لدعيدع نوراً مثل نور القمر يخرج ليلاً في الصحراء ويضيء الطريق إلى الإنسان ويوهمه بأنه في طريقه الصحيح إلى أن يضل الشخص طريقه ويتيه. وهذا الوصف قريب من وصف دعيدع في البحرين والكويت؛ إذ اشتهرت الأسماء دعيدع وضو دعيدع، وهي نار تخرج في المقبرة خاصة، ومنه جاء الاسم دعيدع المقبرة، وقد وصف الشملان دعيدع في كتابه «الألعاب الشعبية في الكويت» (الشملان 1978، ج1: ص 146): «إدْعِيدِع، هذه خرافة من الخرافات. وذلك أنهم يتوهمون أنه في الظلام عندما يسير أحدهم يشاهد ناراً أو جسراً فإذا اقترب من الجمر بعُد عنه أو انتقل إلى محل آخر وهكذا يخاف من يشاهدها. وإنها من الجن. ومعروفة عندنا (ضو ادعيدع؛ أي نار ادعيدع). وكانوا يخوفون الأولاد بها حتى لا يخرجوا ليلاً».

دعيدع في اللغة

يبدو أن دعيدع ليس اسم جني حقيقي بكثر ما هو وصف لظاهرة معينة، ويلاحظ عندما تحلل كلمة دعيدع لغةً نجد أنها جاءت من ألفاظ بمعنى «ما بين النخيل» أو ألفاظ بمعنى مناداة أو طريقة مشي معينة وهي ألفاظ مرتبطة ببعض صفات دعيدع، جاء في معجم تاج العروس مادة «دعع»: «الدُّعَاعُ. كغُرَابٍ: النَّخْلُ المُتّفَرِّقُ ... الدُّعَاعَ بما بَيْن النَّخْلَتَيْنِ. وقال أَبُو عُبَيدة: ما بَيْنَ النَّخْلَة إِلى النَّخْلة: دُعَاعٌ ... والدَّعَاعُ، كسَحَابٍ: عِيَالُ الرَّجُلِ الصِّغارُ ... ودُعْ دُعْ، بالضَّمِّ: أَمْرٌ بالنَّعِيقِ بالغَنَمِ، يُقَالُ ذلِكَ للرّاعِي، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ، يُقَالُ: دَعْدَعَ بِهَا دَعْدَعَةً. ودَاعِ دَاعِ مَبْنِيّاً عَلَى الكَسْرِ: زَجْرٌ لَهَا، وقِيلَ: لصِغَارِهَا خاصَّةً، أَو دُعَاءٌ لَهَا،وقَدْ دَعْدَعَ ... وقالَ أَبو عَمْروٍ: الدَّعْدَاعُ والدَّحْدَاحُ: القَصِيرُ من الرِّجَالِ ... والدَّعْدَاعُ: عَدْوٌ في بُطْءٍ والْتِوَاءٍ، وقَدْ دَعْدَعَ الرَّجُلُ دَعْدَعَةً وَدَعْدَاعاً: عَدَا عَدْواً فيه بُطْءٌ والْتِوَاءٌ، وسَعْىٌ دَعْدَاعٌ، مِثْلُه. وقِيلَ: الدَّعْدَعَةُ: قِصْرُ الخَطْوِ في المَشْي مع عَجَلٍ ... ودَعْدَعَ بالعَاثِر: قالَهَا لَهُ، وهي الدَّعْدَعَةُ. وقال أبو سَعِيدٍ: مَعناهُ: دَعِ العِثَارَ ... وقالَ غَيْرُه: دَعْدَعاً مَعْنَاهُ أَنْ تَقُولَ لَهُ: رَفَعَكَ اللهُ».

الخبابة وخمبابا

الخبابا أو الخبابة، هي مخلوق زعم العامة تواجده في النخيل والمناطق المهجورة وكانوا يخيفون بها الأطفال ليمنعوهم للذهاب لتلك المناطق سواء في الليل أو النهار، وقد زعم بعض العامة أن الخبابة امرأة طويلة متشحة بـالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها تختطف الأطفال وتغوي الرجال وتعرف أيضاً بأنها تظهر في المزارع الكثيفة والغابات. والاسم خبابة معروف في البحرين والكويت ومناطق أخرى في الخليج العربي وقد حاول العديد من الباحثين البحث في أصل معنى الاسم، ويلاحظ التشابه بين هذه الخبابة المعروفة عند العامة وخُبابا أو خُمبابا المخلوق الأسطوري الذي يعيش في غابة الأرز والمذكور في ملحمة جلجامش، والتشابه ليس فقط في الاسم وإنما في مكان المعيشة وهو بين الأشجار، وقد ذكر بعض الكتاب هذه الملاحظة ومنهم من يرجِّح أن هذه الخبابة هي خمبابا، قال الشملان في وصف الخبابة في كتابه «الألعاب الشعبية في الكويت» (الشملان 1978، ج1: ص 311):

«خَبَابة بفتح الخاء والباء لفظة معروفة عندنا وتقولها النساء خاصة لتخويف الطفل. تقلن له مثلاً نام (نم) والا تجيك الخبابة. لا تطلع تاكلك الخبابة ... والأطفال ترهبهم لفظة خبابة. فيتصورونها شيئاً مرعباً مفزعاً ... قرأت منذ سنوات في إحدى المجلات العربية القديمة وأظنها مجلة (المقتطف) الشهيرة عن لفظة خبابة هذه وأن أصلها مصرية قديمة جداً أصلها (خومبابا) ومعناها إله الشر».

وخبابا أو خمبابا (بحسب النطق الآشوري) و هوّاوا (بحسب النطق البابلي) في الميثولوجيا الأكديّة هو عملاق متوحّش خلقة أوتو، إله الشمس، منذ القدم، وهو أيضاً حارس غابة الأرز؛ إذ تعيش الآلهة، وهو إنسان عملاق وأحياناً يظهر بمخالب أسد وشعر طويل ووجه متوحّش مشعر، وهناك مصادر تصفه بالتنين الذي ينفث النار من فمه، وعندما ينظر إلى أحدهم، فإنّها نظرة الموت، وفي مصادر عديدة، يظهر وجهه على صورة أمعاء بشريّة وحيوانيّة ملفوفة، وهذا ما منحه الاسم «حارس حصن الأمعاء». وفي الملحمة التي يعود تاريخها إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد استطاع جلجامش التخلص منه حتى يتمكن من أخذ شجرة أرز إلى بلده. ويرى بعض المحللين أن الخبابا أو الخمبابا هي مخلوق خرافي يوجد في شبه القارة الهندية. ويلاحظ الشبه بين الخبابة المعروفة حالياً وخبابا أو خمبابا جلجامش ليس فقط في الاسم وإنما في الدور التي تلعبه؛ إذ نرى أن الخبابة عند العامة يكثر وجودها بين النخيل وهي ما كانوا يحذرون منه الأطفال ويجعلوه سبباً لمنعهم من الذهاب بين النخيل الكثيفة كي لا تأخذهم الخبابا.

الخبابة لغة

ربما تكون الخبابة هي خبابا أو خمبابا، أو ربما يكون التشابه مجرد صدفة، وعند تحليل لفظة خبابة لغةً فإننا نجد ألفاظاً قد تكون هي أصل الأسطورة، فأصل جذر الكلمة تعني الخداع والمكر، جاء في «تاج العروس» مادة «خبب»: «الخَبُّ بالفَتْحِ: الخَدَّاعُ وهو الجُرْبُزُ كقُنْفُذٍ، الذي يَسْعَى بيْنَ الناسِ بالفَسَادِ، ورَجُلٌ خَبٌّ، وامْرَأَةٌ خَبَّةٌ ويُكْسَرُ أَوَّلهُ، وأمَّا المَصْدَرُ فبالكَسْرِ لاَ غَيْرُ ... وفي لسان العرب: رَجُلٌ خَبُّ وخِبٌّ: خَدَّاعٌ جُرْبُزٌ خَبِيثٌ مُنْكَرٌ، وهو الخِبُّ والخَبُّ ... وفي الحديث «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ خَبٌّ ولاَ خَائِنٌ» وفي آخَرَ «المُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ والكَافِرُ خَبٌّ لَئيمٌ» فالغِرُّ: الذي لا يَفْطُنُ للشَّرِّ، والخَبُّ ضِدُّ الغِرِّ وهو الخَدَّاعُ المُفْسِدُ، ورَجُلٌ خَبٌّ ضَبٌّ، ويقالُ: مَا كُنْتُ خَبًّا، وقال ابنُ سِيرِينَ: إنِّي لَسْتُ بِخَبٍّ ولكنَّ الخَبَّ لا يَخْدَعُنِي»

العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً