العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ

العسكر والسياسة في العالم العربي: قواعد لعبة جديدة

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

يطرح سلوك الجيوش العربية في ظل الربيع العربي الكثير من الأسئلة، فالجيش في كل من تونس ومصر حسم الموقف لصالح قوى التغيير. في هذا، يمكن اعتبار الجيش في مصر وفي تونس جزءاً من قوى الثورة، لكن الجيش في كلا البلدين جزء من النظام القديم في الوقت نفسه.

في كلا البلدين انقلب الجيش على النظام القديم في لحظة تاريخية وساهم في إنقاذ كل من تونس ومصر من مجزرة وكارثة وطنية. أما الجيوش في كل من اليمن وليبيا وسورية، فلها أدوار مختلفة.

في ليبيا، تحوَّل الأمر إلى مواجهة عسكرية، حيث قام الجيش وقواته بتصفية الكثير من المتظاهرين مما دفع قطاعات من الجيش للانضمام إلى الثوار، ففي ليبيا وقعت سلسلة انشقاقات في صفوف الجيش (إن صحت التسمية) بينما بقيت قطاعات رئيسية منه مع القذافي وأبنائه إلى أن حسم الوضع بفضل تدخل دولي وقتال قادته المعارضة الليبية.

وفي اليمن، وقع توازن بين قطاعات من الجيش المؤيدة للرئيس علي عبدالله صالح وأخرى مؤيدة للثورة، وقد حشدت الثورة ملايين الناس في محاولة لحسم الموقف، ورغم ذلك مازالت القطاعات العسكرية حول صالح مصرّة على بقائه. إن التوازن في اليمن لم يحسم رغم تقدم المعارضة على أصعدة كثيرة ورغم عدالة قضيتها ومطالبها وتضحياتها. أما في سورية، فالشعب السوري يقاتل وحيداً في معركة يستخدم فيها الجيش السوري قدراته النارية لقتل المعارضين والمتظاهرين السلميين. وبينما يزداد الجيش السوري بطشاً، تزداد الانشقاقات في صفوفه من قبل الرافضين لهذا البطش، هذا قد يؤدي مع الوقت إلى بناء جيش بديل يتولى مهمة الدفاع عن الشعب السوري.

في كل مكان، في ظل الربيع العربي، نجد اختلافاً في ردود الفعل على التعامل الأمني مع المتظاهرين، وذلك حسب طبيعة النظام السياسي وطبيعة الجيش والمجتمع. ففي المجتمعين المصري والتونسي الأكثر تجانساً، بحكم تكوّن الطبقة العاملة والاتحادات والمجتمعات المدنية، من الصعب زج الجيش في الحرب والقتال ضد الشعب، فالتكوين النفسي للجيش المصري مرتبط بكونه انعكاساً للمجتمع، فهو جيش وطني مثله في هذا مثل الجيش التونسي، لا يقوى على مواجهة شعبه، بحكم ارتباط قادته بمهمته التاريخية وهي حماية الوطن والحدود.

وبينما الجيش العربي السوري ذو التاريخ القديم جيش وطني قاتل «إسرائيل» في حروب عدة، إلا أنه مر بتحولات كثيرة، من أهمها تسييسه بصورة كبيرة وهدم روحه الاحترافية في ظل حكم حزب البعث منذ ستينيات القرن العشرين. الجيش السوري أصبح ملاذاً لطائفة علوية كانت مهمشة قبل انقلاب الأسد العام ، ثم تعزز هذا الملاذ في زمن الرئيس السابق حافظ الأسد عبر تهميش طوائف أخرى، من أهمها الطائفة السنية التي تمثل أغلبية السوريين. وقد أدى هذا الوضع إلى إضعاف الجيش السوري وجعله أكثر ارتباطاً بتوجهات عائلة الأسد. إن قتال الجيوش ضد الشعوب مدمر للجيوش ولقدراتها الوطنية، وهو في النهاية مدمر للنسيج الوطني. هذا ما أمكن تفاديه في مصر وتونس ولم يتم تفاديه في سورية وليبيا واليمن.

وعندما تتشكّل الجيوش في ظل الخوف من الآخرين من أبناء الوطن، أكانوا أغلبيات أو أقليات، ستفقد هذه الجيوش حتماً الروح الوطنية. من هنا، يتحوّل الجيش إلى قوةٍ تحمي نظاماً وفئة أو قبيلة أو طائفة وليس بالضرورة الوطن والأرض والمستقبل. إن الجيوش الخائفة تتحوّل مع الوقت إلى حالة من الكراهية لفئات رئيسية في المجتمع، ما يخلق نظرة مشوهة لدورها في الحماية الوطنية.

لهذا، فالقول إن الجيش السوري جيش عقائدي فيه الكثير من المبالغة، فحزب البعث في سورية سقط منذ أن أصبح الحكم السوري وراثياً عائلياً، تماماً كما سقط الحزب نفسه في العراق في ظلّ سيطرة أقلية عائلية سنية على أغلبية شيعية وأقلية كردية غير عربية. لقد استمرت حالة الخوف من كل شيء ومن معظم الشعب متحكمة بالوضع السوري، إلى أن وقعت الثورة السورية في شهر مارس/ آذار مطالبةً بتغيير قواعد الوطن والوطنية.

لهذا، يعيش الجيش السوري حالة انشقاق نفسي ومعنوي وأخلاقي وضميري تنعكس على حالات تمرد وانسحاب وهروب من الجيش باتجاه مناطق أخرى. إن علاقة الجيش بالثورة في سورية سوف تتطلب حتماً ملاذاً آمناً للعناصر المنشقة عن الجيش، وفي هذه الحالة ستكون عملية بناء جيش بديل عن الجيش الراهن عملية ضرورية.

أما في بقية الدول العربية، وعلى الأخص في الدول الملكية، فالعلاقة مع الجيوش مرت بمراحل، وهي تبدو ساكنة في ظل الربيع العربي، فكما يبدو على السطح، يبدو أن الجيوش في تلك البلدان تخضع لشرعية السياسيين، وهذا يعني أنها تقبل بشرعية الأسر الحاكمة. والجيوش لم تكن أساسيةً في تشكيل الدول الملكية، ففي الكويت كان الأساس مرتبطاً بأسرة الصباح، وفي الأردن بالهاشميين.

إن أجنحة من الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون بالتحديد، بإمكانها أن تلعب دور الجيوش في الدول الجمهورية، فللأسر الحاكمة شرعية تاريخية، تضعف وتقوى. هذا الإجماع على الشرعية الملكية حدَّد دور الجيوش. الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون لم تكن بحاجة إلى شراكة مع الجيش لتقوي شرعيتها وتحافظ عليها، وقد ساهم النفط وحالة التوزيع والرفاه الذي نتج عنه في تعزيز هذا الوضع. ومع ذلك، لا يشترط أن تبقى هذه المعادلات، في ظلّ تحديث الجيوش وزيادة موازناتها وتطور الحراك الشعبي المحلي، في مكانها.

وهناك من جهةٍ أخرى دورٌ للجيوش في بلدان كالأردن والمغرب، وقد عُرف عن الجيوش هناك مشاركتها بانقلابات كبرى خصوصاً في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. ويجب أن نلاحظ أن الجيوش في الدول العربية عموماً، وبعد موجة الانقلابات العسكرية خصوصاً، قد جرى تهميشها بصورةٍ كبيرةٍ لصالح الأمن والاستخبارات والأجهزة، وهذا يعني امتلاك الجيوش لدور أقل على كل صعيد، نسبة إلى الأجهزة الأمنية وتأثيرها.

لكننا في مرحلة مفاجآت، فالجيش المصري المهمش نسبة إلى الأمن والاستخبارات، استطاع تفعيل دوره في لحظة تاريخية، لهذا نستنتج بأنه لم يعد هناك من ضمان للأنظمة في علاقتها بالجيوش وحتماً بالشعوب، سوى السعي للإصلاح العميق والتحاور مع القوى المختلفة والمعارضة، في سبيل بناء حياة سياسية ديمقراطية، يكون أحد نتائجها إبقاء الجيوش في ثكناتها.

لقد غيّر الربيع العربي وضع الشعوب، لكنه أيضاً غيّر موضع الجيوش في المعادلة العربية. الربيع أبرز دوراً جديداً لقوى جماهيرية لم تكن فاعلة حتى الأمس القريب. الربيع العربي يعكس تفجر السياسة على المستوى الشعبي بينما يدفع بلا توقف بجيل جديد يطالب بدور وحقوق وعلاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم وبين العسكريين والسياسيين. نمر في مخاضٍ كبيرٍ يتجاوز لعبة الشطرنج التي تحكم علاقة السياسيين بالجيوش. إننا نشهد الآن تغيراً كبيراً يساهم في تأسيس قواعد جديدة للعبة

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً