العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ

«التغيير» بوابة للاستقرار السياسي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الرسالة واضحة لا لبس فيها، صحيح أنها تحتاج إلى لائحة تفسيرية توضح تأويلاتها واحتمالاتها، لكنها بحق فاقعة بمضمونها الداعي إلى «احتضان الإصلاح... احتضان الربيع العربي»، عن أي رسالة نتحدث؟

بالطبع عن رسالة السيدة هيلاري كلينتون الأخيرة التي وردت في سياق خطابها في المعهد الديمقراطي الوطني الـ (NDI)، إذ جاء «احتضان الإصلاح والربيع العربي» بكل ما يعنيه الاحتضان من مضامين شكلانية ومستترة، فالاحتضان يعني خطوات ومبادرات وإجراءات عملية ومزيد من الأفعال مطلوب القيام بها فوراً من دون تباطؤ ويفترض أن يكون على قمتها إعادة صياغة للعقد الاجتماعي، إذ لا جدوى من استمرار واقع الاستنزاف والمكابرة من جميع الأطراف، وخصوصاً المتوجسين من هاجس نظرية المؤامرة أو مثيري الفتن المذهبية والإثنية، الرسالة مفادها: «عدم جدوى الاعتقالات الجماعية لمواجهة احتجاجات شريحة واسعة من المجتمع تطالب بالمزيد من الحقوق في البلاد، والسماح بالاحتجاج السلمي وإطلاق سراح السجناء السياسيين وممارسة المساواة...الخ»، وبرأيها كل هذا يعمل في مصلحة البحرين بل ولمصلحة دول المنطقة والأميركان أنفسهم، فاستمرار الاضطرابات يخدم إيران»، بحسب زعمها.

«كلينتون» وضحت بما معناه، مفتاح السر في «احتضان الإصلاح» وبينت أن تبني «الإصلاح» يعني رفض حالة «عدم الاستقرار» في الشرق الأوسط، و «عدم الاستقرار» عندها يعني القبول بالواقع كما هو والإصرار على رفض التغيير، وعلى النقيض قبول الاستقرار يعني قبول «حتمية التغيير» الذي سارت عليه المجتمعات الإنسانية الأخرى، فهي في هذه الحال تبين خطة طريق السياسة الأميركية في المنطقة على المدى المنظور ولاسيما حين أضافت أن «الاختلاف مع من يصعدون لإدارة دفة الحكم في بلادهم أمر طبيعي لكن العامل الحاسم معهم وقتها سيتمثل في التزامهم بالمبادئ الديمقراطية الأساسية ونبذ العنف والالتزام بسيادة القانون واحترام حرية التعبير والرأي وتكوين الجمعيات والأحزاب وضمان حقوق المرأة والأقليات، كما نظرت إلى الموقف الأميركي الداعم للديمقراطيات العربية الناشئة بأنه استثمار لا يسعها منعه من الحدوث، بل إنه يصنع شركاء أقوى وأكثر استقراراًً».

هنا تصريحات السيدة كلينتون تحفز طرح تساؤلات عديدة تتعلق بقواعد اللعبة السياسية وأطرافها، تساؤلات يدور أولها عن مدى توافر الفرص وتهيئة البيئة السياسية لمناقشة الاحتمالات المتوقعة محلياً والمتعلقة بتسويات سياسية حتمية لا مهرب منها، هنا أيضا يتطلب التنويه إلى أن عناصر الواقع المحلي لا تشتغل وتتفاعل وتبرز نتائجها بمعزل عن توازنات القوى الإقليمية والعالمية وما يحدث في محيطها من حراك ومخاض، ولا بعيداً عن سيناريوهات تقسيم الكعكة وإعادة توزيع الأدوار بينها في إطار سياسة العولمة، وعليه من الخطأ إسقاط ما يحدث في المشهد السياسي الإقليمي وتضارب مصالح أطرافه من الاعتبار حين قراءة المشهد المحلي بتجلياته، فضلاً عن تفسير مقاصد «رسالة كلينتون» الأخيرة بشكلها الظاهري أو المستتر بدلالات مضامينها، أو ابتسار ما يحدث باستخدام أدوات التحليل التقليدية ومحاولة ترحيل الأزمة السياسية إلى الأمام وتأجيل الحلول والتسويات والاستحقاقات باعتبار ان عملية تنفيذ مرئيات «حوار التوافق الوطني» قد بدأ، في الوقت الذي يعلم اللاعبون السياسيون والمتابعون أن أطرافاً معارضة تشكل ركناً أساسياً معنياً بالحوار والإصلاح قد انسحبت وأعلنت رأياً مغايراً بوضوح فيما تم من حوار سابق ونتائجه، بل وقاطعت الانتخابات التكميلية الأخيرة.

من الثابت ان غياب هذه القوى المعارضة عن مسرح اللعبة السياسية يشكل اختلالا جوهريا لاستكمال العملية السياسية، حتى وإن رأت أطراف أخرى نقيض ذلك استناداً إلى محدودية رؤيتها في إيجاد حل ومخارج متوافق عليها للأزمة السياسية، وخصوصاً بعد أن طرحت تلك القوى المعارضة رؤيتها في وثيقة عنونتها «بوثيقة المنامة» بما تضمنته من بنود استندت إلى أرضية «مبادرة سمو ولي العهد» قبل أشهر، وقد اعتبرها - أي الوثيقة - المراقبون وأوساط عربية مدخلاً يصلح لتسويات استراتيجية، بيد أن البعض يجد فيها تنازلات لا يمكن حدوثها بل وانها تتجاوز سقف الخطوط الحمراء. في هذا الصدد لعل من المجدي التذكير بأن شتم «الوثيقة وأصحابها» وإضفاء ما أنزل الله عليها وعليهم من سيئات تصل إلى حد الوصم بالإرهاب والخيانة والارتهان للخارج... إلخ، لا تولد حلاً لعقد الأزمة، بقدر ما يحلها إجراء حوار بمعايير متعارف عليها ومقبولة بين أطراف اللعبة السياسية الأساسيين الممثلين للمواطنين لا لشخوصهم، تناقش فيه الأفكار والرؤى ويكون منصة انطلاق جادة نحو الإصلاح الحقيقي المنشود ببنوده وتفصيلاته والاتفاق والاختلاف حولها بشكل موضوعي وعقلاني سياسياً وفكرياً شكلاً ومضموناً كما يحدث في الدول المتحضرة.

ثم إن «انعدام الاستقرار» الذي قصدته كلينتون في المنطقة العربية عامة والخليج خاصة حتما يوثر بشكل كبير على المصالح الأميركية والدول الصناعية الكبرى المعنية بالحفاظ على تدفق إمدادات النفط والغاز الذي يشكل عصب الصناعة وعملية الإنتاج لهذه الدول وخاصة أنها تعاني من أزمات اقتصادية لا حصر لها منذ بدء الانهيارات المالية العام 2008، فعدم هذا الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة تكشفه مؤشرات كثيرة تدفع بالجانب الأميركي والأوروبي لإيجاد مخارج بالحلول والتسويات لواقعنا المحلي، من بين أبرزها:

1 - الفراغ الناشئ بسبب انسحاب القوات الأميركية من العراق والذي ينظر إليه بأنه يوسع التداخل الإقليمي وتعاظم النفوذ الإيراني في العراق والخليج، وخصوصاً أن إسرائيل تجد فيه تهديدا لأمنها ووجودها في ظل احتمالية توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية مع تصاعد التوترات بشأن برنامجها النووي، فهذه التهديدات بحسب الرئيس الروسي قد تقود إلى نزاع بالغ الخطورة ويشكل كارثة على الشرق الأوسط.

2 - الوضع الرجراج والقلق في سورية وهشاشة فكرة التفاوض والمبادرة العربية حتى اللحظة واحتمالية التدخل الخارجي العسكري والسياسي في سورية، ما دفع أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي للقول: «إن عدم التزام سورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية يعني حصول كارثة تطال المنطقة والعالم»، يحدث ذلك وسط تناقل أنباء عن قصف مدفعي للجيش لمدينة حمص وحدوث انشقاقات به وأعداد قتلى وصلوا إلى (3500) وارتفاع مطالبات بعض قوى المعارضة الخارجية بتدخل الأمم المتحدة والجامعة العربية لحماية المدنيين وإرسال مراقبين عرب ودوليين، أما الكاتب محمد السعيد إدريس فقد شبه سورية بالمركز في المنطقة، وهي الصدع، ما ان يعبث بالأرض حتى يحدث زلزالاً.

3 - أما اليمن فاحتمالات التسوية السياسية تتزايد بشأنه وفق صيغة المبادرة الخليجية وخاصة أن المؤشرات تدور حول فرض عقوبات وتجميد لأصول الرئيس علي صالح وأعوانه وإجباره على التنحي ونقل صلاحياته إلى نائبه، وهناك أحاديث عن الخروج بصيغة توزّع فيها السلطة والحقائب الوزارية مناصفة (50 في المئة) بين الحزب الحاكم والمعارضة ممثلة بأحزاب «اللقاء المشترك»، في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات التشكيك بتجاهل أهم مكونات الثورة من المستقلين ومن الشباب وتحفيز القبائلية والحزبية، ما ينذر بصراعات أهلية محتملة.

ثمة قول أخير: حتمية التغيير وتوفير بيئة الاستقرار الذي تنشده الدول الكبرى في المنطقة، والمخاضات التي تحدث إقليمياً تستدعي إيجاد تسوية وحل سياسي جذري في البحرين يقود إلى تحقيق تغير ديمقراطي متوازن بشراكة توافقية بين الدولة وقوى المجتمع. وعُدد وأدوات الحل واضحة، تبدأ بحوار ذي معنى يشكل رافعة لمناقشة ووضع أسس ممارسة ديمقراطية قوية يعاد فيها النظر في العملية الانتخابية وقوانينها وقواعد لعبتها، أما دعوات تأجيل التسويات أو القفز عليها، فأكلافها وخيمة وعالية على جميع قوى المجتمع وفئاته، إذ لا حكمة من القول إن الوقت غير مناسب حالياً لإجراء حوار ثانٍ، أو ان الشارع بانتظار تنفيذ مرئيات الحوار الوطني على أرض الواقع فقط، وان هناك توافقا شعبيا على نتائج ذلك الحوار وعلى ما خرج به من تقرير... إلخ، لماذا؟ الأمر بسيط: هناك قطاع لا يستهان به من الشعب يخالف هذا الرأي ويجد في تأجيل التسويات والحلول تعميقا لأصل الأزمة السياسية بل وتعقيدها!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً