العدد 3364 - الثلثاء 22 نوفمبر 2011م الموافق 26 ذي الحجة 1432هـ

الجمعيات النسائية تتأرجح حول مناهضة العنف

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تتعرض النساء من فئات واتجاهات شتى في زمن الربيع العربي إلى أصناف من العنف الجسدي واللفظي والمعنوي، ولاسيما لمن نزل منهن إلى الميادين واعتصمن في الشوارع مطالبات بالإصلاح السياسي. ولأن ممارسة العنف ضد النساء ظاهرة كونية، ولأن الاتفاقيات الدولية التي عنيت بمناهضتها أيضاً كونية بتجاوزها المجتمعات التي أجُبرت دولها على التوقيع والالتزام ببنود تلك الاتفاقيات وبروتوكاتها لما أفرزته ظاهرة العنف من تقارير تضمنت بيانات وإحصاءات وشهادات خطيرة سردت على لسان ضحاياها، يشيب لها الرأس وتستفز الضمير بل وتستثير فيه النخوة الإنسانية لأن يرفض ممارسة العنف ضد النساء بأي شكل من الأشكال وفي أي زمن ومكان.

في هذا الصدد يبقى مجتمعنا المحلي مثله مثل بقية المجتمعات التي يمرها الربيع العربي، وهو ليس استثناءً بأي حال... لماذا؟

بالطبع الإجابة تكمن فيما تعرضت إليه مئات النساء من عنف بهذا القدر أو ذاك. العنف هذه المرة لم يكن عنفاً أسرياً محضاً كي توجه أصابع اللوم والاتهام لأساليب التربية والتنشئة الأسرية وعلاقاتها البطريركية التي تتقاطع مع حالات الفقر والعوز أو لمنظومة الأعراف والقيم والتقاليد والثقافة السائدة والدين فقط. هذه المرة العنف الذي نالته النساء عقاباً وتأديباً وتشويهاً للسمعة كان «عنفاً» من نوع آخر لم يكن مصدره الأب أو الأخ أو الابن بل بسبب ممارسة النساء لحقهن في التعبير بحرية وجرأة عن آرائهن ومواقفهن السياسية التي كفلها لهن الدستور والقانون.


تمكين سياسي يليه عنف

اللافت منذ سنوات مضت تركزت الدعوات إلى دفع النساء للخروج إلى الفضاء العام وممارسة النشاط السياسي فيه أسوةً بالرجال. حينها لم يكن السؤال يدور عن ماهية وتعريف هذا النشاط السياسي ومحدداته، كان المهم تسجيل نسب وأرقام وجود امرأة هنا وأخرى هناك، في هذا الموقع أو ذاك لتحسين صورة الدولة في الخارج.

لسنوات مضت وضعت استراتيجيات وخطط، تلبية لمتطلبات الحملة العالمية بتمكين النساء على كل الأصعدة في إطار شراكة الدول ومؤسسات المجتمع المدني من أحزاب وهيئات أهلية، وتجلي ذلك في مضامين اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة «السيداو» وتحديداً في بنود تدابير التمكين السياسي والاقتصادي والحقوقي وغيرها، وكذلك استجابة للمتغيرات التي ولدتها حاجات تنموية عرتها نتائج تقارير التنمية البشرية ومؤشراتها بشكل صارخ تؤشر على نقاط ضعف ونواقص تعاني منها مجتمعاتنا المحلية ولاتزال، وخصوصاً ضعف تمثيلهن بل وتأثيرهن في المؤسسات البرلمانية والقضائية.

هذا ولطالما أنفقت ملايين الدنانير على مشاريع التمكين السياسي ونفذت مئات الدورات التدريبية وورش العمل وعقدت المؤتمرات والندوات وأرسلت الوفود للخارج «من خزينة المال العام» طبعاً، كي تقول للعالم إن نساء البحرين لسن أقل من نسائكم، فهن يشاركن في الترشّح للانتخابات ويشغلن المناصب العليا ويتمتعن بمساواةٍ مع الرجال في القوانين والتشريعات. نعم هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أنه حين خرجت النساء بالآلاف المؤلفة للتعبير عن نفسها وآرائها السياسية في الميادين العامة وعلى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، استجابة لمطالبات التغيير والإصلاح مستندات إلى ما يتمتعن به من وعي نسبي وخصوصاً الشابات منهن، نالهن غضب ومورس عليهن عنف شديد.

وثمة أمر غريب أن يستنكر البعض حضور المرأة في هذا الحراك الذي أثار دهشة العالم وإعجابه نظراً لكثافته ووجود الشابات فيه بجرأتهن وقدرتهن على التأثير والتأثر فيه، فضلاً عن اندفاعهن وفعاليتهن وتفاعلهن. ففي الاندفاع والتفاعل لا يمكن اليوم لأي مراقب ومحلل سياسي وانثربولوجي يدعي الموضوعية أن يقصى المشهد السياسي من جزئية مشاركة فئات واسعة من المثقفات والمحاميات والمعلمات والأستاذات الجامعيات والطبيبات والممرضات والصحافيات والإعلاميات وربات البيوت والعاطلات عن العمل وغيرهن، فجميعهن برزن بأدوارهن في المشهد، وسواءً قبل البعض أم لم يقبل بهذه الحقيقة الفاقعة، فالبحرينية عاشت حالها حال غيرها في خضم إرهاصات التحركات الشعبية العربية وثوراتها، فهي التي لمست وشاهدت وتابعت بدقة متناهية حالة الميادين في تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية، ورأت الحشود وتواصلت مع التحفيزات الإلكترونية والاعتصام في الساحات والإضراب عن الطعام واستفادت بحسها ووعيها من هذه التجارب بهذا القدر أو ذاك.


انكسار النظرة النمطية

لقد بدا جلياً كسر النظرة النمطية التقليدية عن تلك المرأة المتوارية التي غدت عنصراً أساسياً في الحراك السياسي، تمارس دوراً فعّالاً في حركة دائمة وفي مقدمة الموجات الاحتجاجية ومهرجانات المعارضة الأسبوعية التي تطالب بالحقوق وبالآلاف. لهذا تعرضت للحبس والاستجواب ولجان التحقيق والتأديب في مواقع العمل من قبل زميلات وصديقات، وربما أقل مستوى منهن مهنياً وأكاديمياً وذلك بسبب الوشايات والغيرة والفتن. كما أوقفن عن أعمالهن أو سرحن منها وقطعت مرتباتهن الشهرية، وحتى من أرجعن إلى أعمالهن تم تنزيل أوضاع بعضهن المهنية لمهن لا ترقي لمستوياتهن التعليمية وخبرتهن العملية وقدراتهن الإبداعية، بل جمد بعضهن وراء مكاتب من دون توكيل مسئوليات وأعمال بهدف تطفيشهن وإجبارهن على تقديم الاستقالة أو التقدم بطلب التقاعد المبكر الذي لا يغني ولا يسمن من جوع. وعليه فالنساء والشابات لم تنجُ مما أصاب الرجال من عنف بأشكاله.


المشاركة السياسية تعيد إنتاج الوعي

وعلى رغم الآراء والتحليلات المتباينة بشأن حضورهن في المشهد السياسي وما تعرضن له، وعلى رغم ممن ناهض واستنكر تلك المشاركة واعتبرها خروجاً عن الإجماع ومعارضة غير مقبولة تستحق العقاب والتأديب، بيد أن هناك من يختلف مع تلك التحليلات ويرى وجود علاقة بين المشاركة والوعي السياسي التراكمي الذي توافرت عليه هؤلاء النسوة، كما يجدون فيه تعبيراً عن القهر الاجتماعي والشعور بالظلم والغبن والتمييز بحقهن كمواطنات، لمَ لا ومشاركتهن تشكل بحد ذاتها حالة من حالات الوعي والدافعية نحو المطالبة بالحقوق وترسيخ المكتسبات، وخصوصاً بما أفسحته الثورة المعلوماتية وشبكات التواصل الاجتماعي من مجال للتحرك وتحفيز المبادرات وتنوع الإبداعات. كما أنها تجربة وتراكم لوعيهن يفتح أذهانهن على المستجدات ويتيح لهن المتابعة والمشاركة لإعادة إنتاج وعيهن الخاص ورؤيتهن للأوضاع المحلية والإقليمية، فضلاً عن كسر هاجس الخوف. وعليه ثمة أسئلة محرجة يتطلب الظرف طرحها على الجمعيات النسائية وغيرها، لكن أي أسئلة منها؟

حتماً هي أسئلة تتعلق بتحديات مقاربة مجال نشاط الجهات المعنية بمناهضة العنف ضد المرأة الرسمية منها والأهلية، وهي تكتب وتسعى إلى تقديم تقريرها الوطني حول الالتزام بتطبيق بنود اتفاقية «السيداو» القادم. الأهم سؤالها عما إذا كانت تقاريرها ستتضمن بموضوعية تسجيل التجاوزات ولمن تعرضن للانتهاكات والتحقيقات والحبس وممارسة العنف الجسدي والمعنوي واللفظي عليهن من سب وشتم ممنهج وتشويه للسمعة وازدراء وغيرها. وهل ستتوافر هذه الجمعيات على الجرأة للخروج من قوقعتها وخوفها الدائم من وزارة التنمية الاجتماعية بأن تقفل أبوابها بالشمع الأحمر كما فعلت مع غيرها من الجمعيات بحجة تجاوز مجال أنشطتها أو خطابها أو ما شابه؟ هل لديها قدرة التعبير عن صوت قطاع واسع من الأمهات اللاتي تعانين من ضنك العيش بسبب فقدان المعيل أثناء الحراك الشعبي أو تسريحه من عمله أو احتجازه؟ فضلاًً عن التعبير عن معاناة المثقفات والجامعيات والمعلمات والطبيبات والممرضات والإعلاميات والعاطلات عن العمل وغيرهن ممن مورس عليهن ولايزال عنف لفظي ومعنوي يتقصد التشويه وإسكاتهن وإخماد نشاطهن وممارسة التهديد والتحقير لهن في أماكن العمل وغيرها؟

حقاً... التحدي أمام الجمعيات النسائية وعضواتها نوعي ومتشعب يمس جوهر وجودها ويسائل خطابها وأجندة عملها وأولوياتها، لكن التحدي الأكبر يكمن بحسب ظني المتواضع في عمق ضميرها وحسها الإنساني ومدى قدرتها على فك حصار صمتها الذاتي المطبق عن قول الحقيقة، وإلا...؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3364 - الثلثاء 22 نوفمبر 2011م الموافق 26 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:07 م

      بسمة ياسر

      انا سيدة مغربية لي طفلين بسمة وياسر ومطلقة منه في 2006 وكانت نفقت اولادي 1000درهم وكان بيبعتها كل شهر ولا تفعل اي شئ بالنسبة للسكن والاولاد ولكن لما اخد ابني ياسر وسافر عنده قطع النفقة لمبلغ 1000 درهم في هدا الشهر شهر 10 ولم يصلني منه اي شئ وحالتي المادية ضعيفة وانا اريد استشاركم في هدا الامر واريد الاجابة منكم وجازاكم الله وشكرا

اقرأ ايضاً