العدد 3371 - الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ

المعارضة السوريّة... في الحاجة إلى الوضوح

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

توضيح الموقف من مسألة التغيير. ترى، أيّ نوعٍ من التغيير مطلوب لسورية؟ مع الأخذ في الاعتبار الوضع الجيوبوليتكي لسورية. هل تريد المعارضة تغيير النظام الأمني أم إسقاط النظام ككل؟

عن المرحلة الانتقاليّة، وكيفية حسمها. هل ستشاركُ السلطة بهذه المرحلة؟ وبشكل أوضح هل سيقودُ الرئيس المرحلة الانتقالية؟ وخصوصاً أنّ المعارضة الخارجيّة تريدُ إسقاط النظام ككل فيما لم تحسم المعارضة الداخليّة إلى حد هذا المطلب وذلك لأنها في الداخل وتعرفُ أكثر من غيرها عواقب هذا المطلب. والسؤال: ألا يمكنُ للمعارضة الوصول إلى حلول وسط، وهل مشكلة سورية مشكلة أشخاص أم مشكلة سياسيّة؟

مسألة التدخُّل الخارجي، ترى أي نوع من التدخل الخارجي مطلوب؟ ألا تحتاجُ المعارضة إلى توضيحٍ أكثر؟ ولماذا هذه الضبابيّة من مسألة التدخل الخارجي؟ وخصوصاً أنَّ القاعدة الشعبية لا تحبّذ تدخُّل الـ «ناتو». فيما يتحدّثُ الرأي العامّ عن فشل المبادرة العربيّة وإلى أيّ مدى سيؤثر قرار تجميد عضويّة سورية في الجامعة العربيّة، والنقاط التي ذكرناها أعلاه محل اختلاف في سجال المعارضة السوريّة.

والحق أنّ المعارضة يتعقّد وضعُها بشكل أكثرَ عمقاً، وقد يتعرّضُ لانزلاق خطيرِ، وينذرُ بتدهورِ المسألة السوريّة الأمنيّة والسياسيّة نحو مخاطر لا تُحمَدُ عُقباها في ضوءِ غيابِ آفاقٍ للحلّ لدى السلطة، ولعلّ المعارضة تتحمّلُ جزءاً كبيراً من المسئوليّة في هذا المجال، إذ تعجزُ عن الاتفاق على رؤية معقولة وواضحة!

ولا يخفى على أحدٍ أنّ مردّ بقاء حال المعارضة إلى هذا المستوى من الشرخ يعود إلى التباين في قراءات الحالة السوريّة بين المعارضتين (الداخل والخارج). وللأسف لم يقفْ هذا الشرخ في حدود تباين في الرؤى بل وصلَ الأمر إلى حدود كيلِ التُّهَم بعضها بعضاً. المعارضة الخارجيّة تتّهمُ الداخليّة بأنّها في جيب النظام، فيما تتّهم الداخليّة بأنّ المعارضة الخارجيّة تعملُ دون أخذ وضع البلاد الداخلي في الاعتبار، وتقولُ إنّها لا تُعيرُ الاهتمام كثيراً بسقوط عدد القتلى والجرحى، وكذلك الاستنفار الأمني الذي صار خياراً لابد منه لدى السلطات، هذا فضلاً عن الفشل في إقناع الشريحة الصامتة والميّالة إلى النظام أكثر من المعارضة.

ولا نستغربُ أنّه من الاستحالة بمكان إقناع الصامتين بأنّ النظام كذا وكذا، مع أنّ هذه الشريحة لها دورها وأهميتها شئنا أم أبينا، فهي بمثابة بيضة القبّان في المعادلة السوريّة، ولعلّ كل ما ذُكِر ينعكسُ سلباً على المدن الكبرى وانخراطِها في الحالة الثوريّة التي ما انفك يعيشها السوريون منذ أكثر من ثمانية أشهر. ويبدو أنّ فاعليّة هذه المدن وتباطؤها في تفاعلها مع الثورة لا تتمّ عبر تصريح ثوري من هنا ورسالة من هناك، إنّما عبر إعطاء ضمانات لمالكي مفاتيح المدن وشاغليها.

والحال أنّ فشلَ المبادرة (ربما) يأتي في المرتبة الثانية مقارنة مع ما يجري داخل المعارضة السوريّة من مهاترات، والغريبُ أنّها تتهرب من استحقاقها. فقبل كلِّ شيءٍ؛ المعارضة أمام استحقاق تاريخي ولعلّ وحدتها ووضوح برنامجها وأفقها هي من ضرورات المسألة، ففي توحيد خطاب المعارضة ستضطرُّ الشريحة الصامتة إلى أن تحسم موقفها أمّا تكون مع النظام أو مع المعارضة.

والعودة إلى مسألة انخراط المدن الكبرى للثورة، ولعلّ هذه المدن ولا سيما الكبرى منها وإنْ كانت لها أهميّة معنويّة كبيرة لدى الثورة بشكل عام إلا أنّ التاريخ يذكّرُنا دائماً: كم من ثورات نجحتْ من هوامش المدن وليس من مركزها. ثمّ ألا يقولُ ياسين حاج صالح إنّ الثورة السوريّة هي «صراع بين مجتمع العمل ومجتمع الامتيازات والسلطة»، فإذا كان كلام حاج صالح صحيحاً فمعنى ذلك أنّ مشاركةَ مراكز المدن الكبرى ليس لها من معنى كبير لأنّ الرهان على سكان مراكز المدن في القيام بالثورات في مناطقنا هو رهان خاسر من الأساس، ولعلّ السبب بالدرجة الأولى يعود إلى أنّ غالبية السكان تكون من مجتمع الأثرياء والامتيازات، وتالياً هو جزءٌ من النظام العام أو السلطة.

هذا من الناحيّة التحليليّة، أما من الناحيّة التاريخيّة؛ فإنه دائماً كانتْ ثمّة حساسيّة بين المدن السوريّة والغيرة بينها كانت تصل إلى حدّ العصبيّة، فمن يدري، ربما تأخُّر دمشق عن مركب الثورة لسببٍ يتعلَّق بطبيعة مجتمعها وكذلك حساسيتها تجاه مدينة ما؟

والحقّ لو تصفَّح أحدُنا في صفحات التاريخ قد يلاحظ أنه ولمرات عدة تأخّرتِ المدن الكبرى عن مواكبة العصيانات أو الثورات، ولعل التاريخ يذكرُ أنّ دمشق كانت عصيّة على التغيير في أكثر من مرة، وربما لهذا السبب التجأ أكرم الحوراني إلى القيام بعصيان في حماة في القرن الماضي وليس في دمشق. هذا الأمر قد ينطبق على حلب أيضاً ولو بنسب متفاوتة. قد يصحُّ القول إنّه من الخطأ من يظن أن مدينتي حلب ودمشق ستجلبان للثورة السوريّة «رأس الزير سالم»، فدمشق «تأكُل ولا تُؤكل»، أو «تضم لا أن تُضم» بحسب تعبير صقر أبو فخر، فهي بهذا المعنى لا تُساق وراء أي مدينة من المدن السوريّة، ومن يدري ربما تكون عصيّة على التغيير من الخارج والداخل، لكن لا خوفَ عليها، إنّ «أهليها الأصليين يقدمون الولاء لمن يمسك السلطة» حسب تعبير نبيل الشويري، وهو من مؤسسي حزب البعث، في حواره مع صقر أبو فخر.

أما بخصوص حلب فهي تغيّرت كثيراً بعدما أُفرغَت من محتواها نتيجة الاتفاق الذي حصل بين الفرنسيين والأتراك في عشرينات القرن الماضي، والذي نتج عن سلخِ لواء أسكندرون من سورية، الذي كان بمثابة نافذة حلب للعالم الأوسع.

معروف عن حلب أنها دائماً من يوَدّ منها الولاء والتأييد يُراعي شعور أهلها ومصالح أبنائها، وعندما أرادَ الملك فيصل كسب ودّها وولائها وسحبها لوائه من تركيا، جاء إلى حلب وبشّر أبناءها بعلمنَة سورية، إذ قال: «الدين لله والوطن للجميع». يُقال إنّ الملك أراد من وراء هذا الخطاب كسب ودّ رُبْع سكان حلب من المسيحيين، وراعى شعور الأقليّات العرقيّة.

والسؤال الذي يطرح نفسه، تُرى، ماذا قدّمَتِ المعارضة لهذه المدن (دمشق وحلب) غير مطالبتهما بالانضمام إلى الثورة؟ في الحقيقة أنّ حلب ودمشق وتبعاً لطبائع مجتمعاتهما تحتاجان إلى اهتمام خاص من خلال توجيهِ رسائل خاصة لأبنائهما، ولا يمكن اختزال مآلات مجتمعات حلب ودمشق في المآل العام للسوريين.

قصارى القول؛ إنّ المعارضة لم تَقُمْ بتوضيحِ هدف الثورة السوريّة، وفيما إذا كانت الثورة تسعى إلى تحقيق إسلامية الدولة أم علمانيتها، لأنّ توضيح هذا الهدف له أهميّة كبيرة، كون علمانيّة الدولة تهمُّ الأقليّات الدينيّة منها والعرقيّة

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3371 - الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً