العدد 3376 - الأحد 04 ديسمبر 2011م الموافق 09 محرم 1433هـ

لا نريد أكثر مما نتمناه من دولة حافظة للحقوق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مازلنا نتحدث عن كتاب غيوم سيبرتان – بلان حول الأفكار الأوروبية بشأن السياسة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي على أساسها تم بناء المنظومة الأوروبية كما نراها اليوم. في هذا المقال، وقبل أن نصل إلى منطق الدولة كما رآها الأوروبيون والتي تحدث عنها المؤلف، علينا أن ننهي ما قالوه بشأن تأسيسها، والموضوعات المتعلقة بالشعب والوطن.

فمسألة مهمَّة كالشعب، كانت تعرَّف في إطار مفهوم السيادة، وجوهر السياسة والمواطنة في إطار الجمهورية، ومصدر شرعية السلطة. كما أن «الشعب» هو بمثابة وِحدة، تسمو على الخصوصيات الفردية، ليصبح إرادة عامة، لمصلحة هي نفسها عامة، وبالتالي يُترك المجال للتساؤل حول هوية تلك الأمة، والقلق مما يهدد تماسكها ووحدتها وانسجامها ونقاوتها.

هذا الأمر، المتعلق بمفهوم «الشعب» ارتبط ارتباطاً قوياً بين الحروب الخارجية التي كانت تنشب بين الدول الأوروبية في تلك الفترة، وبين الحروب الأهلية والصراعات الاجتماعية التي كانت تنشأ في الداخل؛ وخصوصاً في ظلّ انشطار المسألة القومية، وتوزّع الأعراق الأوروبية داخل دول مغلقة جغرافياً، كما هو الحال بالنسبة لسويسرا وهولندا وألمانيا وإيطاليا غيرها من الدول.

وهو الأمر الذي دفع لأن يقوم سجال فكري بين روبسبيير ودانتون، حين كان الأول يرى أممية إنسانية في إطار أوروبي، بينما يرى دانتون ضرورة تأييد الأحرار في العالَم، مع احتفاظ الدول بخصوصية شعوبها. كان هؤلاء يتخوفون من نشوء إمبريالية ثورية، تنزع باتجاه التوسع، الذي تمثل فعلاً في حقبة نابليون، وبين أولئك المأخوذين بفوران ثوري لا سقف له أبداً.

منطق الدولة: السياسة والمجتمع

يبدأ المؤلف بالحديث عن الدولة العقلانية من خلال رؤية الفيلسوف الألماني غيورغ فيلهلم فريدريش هيغل (27 أغسطس/ آب 1770 — 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1831). فهذا الرجل، لم يبدأ مشروعه الفكري بالنظر إلى الدولة ذاتها، وإنما بدأ بدراسة نظام من المعايير المتشكل على هيئة مؤسسات مادية تستوعب الشخص والجماعة بتمثلات مشتركة، وهو ما سمَّاه هيغل بالخاصية الإيتقية، التي تتشكل أصلاً من ثلاث مستويات: العائلة والمجتمع المدني والدولة.

وقد حظِيَ ذلك الجهد الفلسفي بمجاله العملي داخل الدولة البروسية. ففي الفترة ما بين 1820 و1830 انشطر المؤيدون لـ هيغل من الشيوخ والشباب ما بين دعوة الشيوخ إلى التصالح ما بين الفلسفة والدين، وبين الشباب الذين انتقدوا الدين والدولة البروسية إبان عهد غيوم الرابع، الذي انتهج سياسة محافظة وقمعية. وقد حصل الصدام الحقيقي ما بين الوعي الفلسفي والواقع السياسي، عندما تورطت الدولة الجرمانية بارتباطها الديني المسيحي، والمواجهة التي قامت بينها وبين الأقليات الدينية التي كانت على أرضها.

لقد تطور الأمر في هذه المفردة بظهور أحد الهيغيليين الشباب وهو برونو باور الذي نادى بالتحرر السياسي لألمانيا لكي تنال الأقليات التحرر الديني وبالذات الأقليات اليهودية. فقد كان باور يرى أن الدولة مادامت مسيحية، فلن يُمكنها ذلك من أن تعترف إلاَّ بحالات استثنائية مادامت لا تستطيع الاعتراف بهذه الحالات إلاَّ للأفراد كذوات دينية وليس كمواطنين، وبالتالي يتوجب أن تنزع الدولة عن نفسها الدين، لكي تحمي الأقليات الدينية.

في جانب آخر من الكتاب، يستعرض سيبرتان الأفكار التي كانت تطرَح بشأن العلاقة ما بين الاقتصاد والسياسة في أوروبا، أو مثلما كان يقول ما بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية، ليتوسع المجال لاحقاً للحديث عن دولة الرفاهية، ودولة الحق والدولة الليبرالية. وفي كل الأحوال، فقد بَدَت الأمور في أوروبا صائرة إلى مزيد من الاستقرار بعد هذا العصف الفلسفي الكبير، والذي تزامن أيضاً مع انتهاء حرب الثلاثين عاماً الدينية، ما بين ألمانيا وإسبانيا وهولندا والدانمارك مشتركين، والتي كانت تحمل في طياتها أبعاداً سياسية أيضاً.

هنا، أضع نقطة لموضوع قراءة الكتاب، لأبدأ الحديث عن ذلك الجو الذي سادَ أوروبا، على المستويين النظري والعلمي، وربطه بواقعنا السياسي اليوم. فعندما ننظر إلى أشكال الدول التي بناها الأوربيون خلال مرحلة عصر الأنوار، فإننا فعلاً نرى حجم التباين في مجال التطوّر السلوكي والحقوقي، ما بين دولهم وبين معظم دول الشرق، التي مازالت مختزلة في جماعات أوليغارية أو ذوات، يتصرفون في مصائر شعوب وثروات وجغرافيا بكاملها من دون حساب.

ومع الأسف، فإنه وعندما يتم الربط اليوم ما بين الأزمات الاقتصادية الأوروبية التي تعصف بها وبين واقع الدولة هناك، يتم من خلال ربط غير سليم، وسيء النية، يُراد منه التعييب وألا يتم الاستناد إلى التجربة الأوروبية في مجال الدولة والحقوق والمساواة. فالحديث هنا، حديثٌ عن خطط اقتصادية فاشلة، وليس عن دول فاشلة متأسسة على مشروع فلسفي معمَّق، أخذ مداه منذ عصر الأنوار ولغاية يومنا هذا، حتى ولو كان النظر إلى مشروع الرأسمالية ذاته.

ما يهمنا هنا، أننا في دولنا العربية، والإسلامية يجب أن نبحث لأنفسنا ليس فقط عن شكل جديد من النظام السياسي، وإنّما يجب أن يسبقه إمعان النظر في الأسس الفلسفية التي يجب أن يقوم عليها ذلك النظام، بلحاظ الواقع الاجتماعي والقومي والإثني والطائفي الموجود لدينا مثلما فعلت أوروبا، واتصال كل ذلك بمجموعة مهمة من القضايا التي يجب أن يُبَت فيها، وإنهاء السجال بشأنها. لا يجب أن ننتظر حالة انهيار سياسي تام حتى نبحث لأنفسنا عن بدائل أنجع وأقوى من نماذج الحكم، يحتمي فيها الجميع، وإنما يجب أن نستبق تلك اللحظة، بصناعة مستقبلنا، الذي من المفترض أن تعيش فيه الأجيال بمساواة وحقوق أكثر

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3376 - الأحد 04 ديسمبر 2011م الموافق 09 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:53 ص

      طال الوقت أم قصر

      النموذج يبقى نموذج لكن مصيره هو التطبيق طال الوقت أم قصر

    • زائر 2 | 2:31 ص

      غلي زلاطة

      في البحرين لا اعتقد ومن رابع المستحيلات .. امس انظر الى البحر وهو يدفن واعيننا تدمع كل الثروات استنزفت حتى السمك والاراضي 0 لا نملك سكن نملك الحسرة وحتى الكرامة لا توجد

    • زائر 1 | 2:05 ص

      nice artical

      nice artical

اقرأ ايضاً