العدد 3377 - الإثنين 05 ديسمبر 2011م الموافق 10 محرم 1433هـ

الشيخ حسن الدمستاني... صاحب الملحمة المجلجلة

الشاعر الذي يعود من القطيف كل عام منذ 150 عاماً...

قبر الشيخ حسن الدمستاني في القطيف
قبر الشيخ حسن الدمستاني في القطيف

في كل عام، ينهض الشيخ حسن الدمستاني من مرقده الأخير في القطيف ويعود إلى بلده البحرين، ليشارك أهلها في مراسم عزاء الامام الحسين، يرتقي مئات المنابر في مختلف المناطق والقرى، ويشارك في قيادة مواكب العزاء السيّارة، ويعلن الحداد عشرة أيام... أليس هو المحرم عن لذَّاته كل الدهور؟

الشيخ حسن بن محمد بن خلف بن ضيف الدمستاني، الراحل قبل مئة وخمسين عاماً، وتحديداً في العام 1281 هـ، هاجر إلى القطيف قبل 200 عام (1131هـ) بسبب القلاقل والحروب.

كان فقيهاً مجتهداً، زاهداً عابداً، متكلماً شاعراً أديباً، قال عنه الأمين «كان رجالياً ماهراً في علمي الحديث والرجال». وله عدة مؤلفات في العقيدة والتوحيد وأصول الدين وعلم الكلام. ورغم منزلته العلمية إلا أنه كان يعمل بالفلاحة لكسب رزقه، وأشهر قصائده «أحرم الحجاج» التي تنافس على إنشادها عدد من الرواديد المعاصرين. وشعره مرآة لعصره، من حيث انعكاس المعارف العلمية على أبياته، فتكثر فيها الصنعة الأدبية من جناس وطباق واستعارات وتشبيهات؛ وتتناثر فيها مصطلحات علم الفلك القديم الذي ظل من ضمن منهج الدراسة الدينية حتى وقت قريب، من أفلاك ونجوم وأبراج، وخسوف وكسوف وأنجم سعد وبنات نعش.

على أن ما خلد هذه القصيدة الملحمية أمران، أنها نظمت السيرة الحسينية في عقدٍ فريد، وأنها ثانياً تضج بالعاطفة الحارة الصادقة، التي تشعرها متدفقةً في الأبيات... وهذه بعض أسرار خلود الشعر. فقد ظلّت ملحمة الدمستاني محتفظةً بوهجها وتفردها، ولم يبلغ رتبتها شعراء آخرون حاولوا السبك على نهجها، تربيعاً وتخميساً، ومنهم شعراء كبار في هذا المضمار، فظلت درته لامعةً تشع وسط الظلام.

الدمستاني يعتبر من شعراء الطف البارزين، كتب عن الواقعة وكأنه عاش أحداثها واصطلى بنارها، وتتبع مسيرة القافلة من لحظة خروجها من المدينة إلى ساعة مصارع القوم في كربلاء. وهذه الدُّرة اليتيمة قصيدة تفجع ورثاء... يبدأها بإعلان إحرامه عن لذات الدنيا حزناً على الحسين الخارج توّاً من مكة، فحقّ رسول الله على محبيه أن يواسوه في مقتل حفيده وريحانته... «فقليلٌ تُتلف الأرواح في حب الحسين».

تبدأ الصور الأولى في الملحمة مع منظر الحسين اللائذ بقبر جده، يشكو له تكالب الدنيا وتربص العدو ومطاردة العيون. فيأتيه الجواب من داخل القبر: أنت يا ريحانة القلب حقيق بالبلاء... إنما الدنيا أعدت لبلاء النبلاء. ويوصيه بالتسلح بالصبر والحزم في مواجهة ما ستأتي به العاصفة.

ويرافق الدمستاني قافلة الثوار، حيث قدّام مطاياهم مناياهم تسير، وحين أطلت على كربلاء حرن المهر، «فعلا صهوة ثانٍ فأبى ان يرحلا». ولما سأل عن هذي الأرض قالوا كربلاء... فأمر ان يحطوا الرحال، فهنا ملتقى العسكرين حيث تظلهم جنود كالجراد المنتشر، وتهرق دماء فتيةٍ من آل محمد، ونخبة من أنصارهم الأبرار، يذوقون المنايا كمذاق العسل، لا يسبقهم إلى الفضل أحد. ومن هذه الأرض تخرج قافلة الأسارى من بنات محمد (ص)، مع أطفال أيتام ونساء أرامل.

اللوحات التالية يخصصها الشاعر للساعة الأخيرة من حياة سيد الشهداء، واقفاً مفرداً بين الجموع، يودّع نساءه وأطفاله، ويوصي أخته زينب بالصبر الجميل على الخطب الجليل، ويوصيها بإطعام الأطفال الجوعى الذين سيتركهم في رعايتها، ويطلب منها أن تأتي بطفله الرضيع الظامئ ليتزود منه بالنظرة الأخيرة، ويطلب له شربة ماء من الجيش الأموي فيجيبونه بسهمٍ في منحره.

اللوحة التالية للحسين منفرداً بين الجموع، التي أحاطته وهو يقاتل وحده جيشاً من سبعين ألف مدجج بالسلاح، أنهكه العطش والقتال وتكالب الأعداء وقلة الناصر في يوم عصيب. وبعد سقوطه ينفر جواده محمحماً، ويعدو نحو معسكره الخالي من الرجال، وهنا يخاطبه الدمستاني:

أيها المهر توقف لا تحم حول الخيام

واترك الإعوال كي لا يسمع الآل الكرام

كيف تستقبلهم تعثر في فضل اللجام

وهمُ ينتظرون الآن إقبال الحسين؟

وتخرج زينب ملتاعةً تستقبل الجواد، وتنفر النساء نحو مصرعه باكيات لاطمات، حيث يستقبلهن أحد الأوباش وهو جاثٍ على صدر ريحانة المصطفى ليحز رأسه الطاهر، و»ما أفاد الوعظ والتوبيخ في الرجس الزنيم» فلم يرعوي عن جريمته. لقد بلغت السفاهة والبربرية منتهاها.

في الأبيات الأخيرة، يندب الحسين بنفسه، وينعاه على لسان زينب، ويقرِّع أمية على جريمتها:

حزب حربٍ أين أنتم من سجايا هاشمِ

إذ عفو عنكم وقد كنتم حصيد الصارمِ

جدنا عاملكم في الفتح بالصفح الجميل

مالكم صيرتمونا بين عانٍ وجديل؟

رحم الله الدمستاني الشاعر الفقيه، الذي يعود من مستقره بالقطيف إلى بلاده كل عام ليشارك أهله في إحياء ذكرى الحسين

العدد 3377 - الإثنين 05 ديسمبر 2011م الموافق 10 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 9:14 ص

      بل يقوم من مرقده سنويا في القطيف ويشارك الشيعة في بلديه القطيف والبحرين وما علمنا إلا أن كل قطيفي بحريني وكل بحريني قطيفي وفخر القطيف أن ضمت هذا الجسد الشريف وفخر للبحرين أن ضمت صعصعة القطيفي

    • زائر 15 | 4:01 ص

      مأجورين

      رحم الله من قرأ الفاتحة لروحه الطاهرة وهنيئاً له هذه القصيدة الخالدة

    • زائر 14 | 3:37 ص

      رحمة الله عليه

      رحمه الله خدم الحسين في الدين والعلم والعمل والشعر والدمع
      وهذه المرية عصماء لدرجة كل ما قرأناها فاضت عيوننا بالدمع حزناً على سيد الشهداء

    • زائر 13 | 2:48 ص

      نطق روح القدس

      قصيدة لا يمكن أن تخرج إلا من فقية صاحب نفس طاهرة عاشقة لسيد الشهداء..رحمة الله عليك يا مفخرة البحرين والتشيع والعالم الإسلامي

    • زائر 12 | 10:56 ص

      للاسف يا دمستاني

      للاسف يا شيحنا الجليل انه لم تعرف قصيدتك حق المعرفة
      تقرا لكن المجتمع لا يهتم بها كثيرا.. وقراؤها يخطئون فيها كثيرا.. نطالب بوقفة مجتمعية للحفاظ عليها لغة وشعورا.. استغربت من موكب العلماء الذي لم يقرا القصيدة بل انشد قصيدة عراقية بلحن عراقي

    • زائر 11 | 12:43 م

      بحريني مقهور حده .

      اللهم أحشره مع سيدي و مولاي أبي عبدالله الحسين عليه الصلاة و السلام .
      هذا الشعر يظل خالدا إلى يوم القيامة .

    • زائر 10 | 7:17 ص

      زائر وليس مهاجر الى القطيف

      الوثائق التاريخية تثبت انه زائر وليس مهاجر الى القطيف وتوفي هناك فدس الله نفسه

    • زائر 17 زائر 10 | 5:16 ص

      القطيف والبحرين بلد واحد
      وحق للقطيف ان تفتخر بضم ثرى هذا الجهبذ

    • زائر 18 زائر 10 | 5:41 ص

      حسب الأخبار التي بلغتنا من العلامة الشيخ فرج العمران رحمه الله إن الشيخ كان يعيش في القطيف ويعمل في احدى الاراضي بيده وكانت له هيبة الأجلاء بحيث كل من يجلس معه ينعقد لسانه لهيبته .. والمعروف والمتداول أن العلامة الدمستاني لم تآكله الارض وان جسده لا يزال محفوظة طريا كمن دفن البارحة.
      رحمة الله عليه وعلى شيخ الشهداء وجميع موتى المسلمين.

    • زائر 9 | 6:09 ص

      لايوم كيومك يا ابا عبد الله

      اللهم ثبتنا على ولاية محمد وعترتة الطيبين الطاهرين..
      رحمك الله ايها الشيخ الجليل وجزاك الله خير الجزاء على قصائدك في حق سبط الرسول وابن البتول الحسين الشهيد وآل بيته واصحابه عليهم السلام..

    • زائر 6 | 3:01 ص

      سلام على اهل القطيف

      مأجورين مثابين

    • زائر 5 | 2:36 ص

      فاطمة

      اجرك على الله والحسين

      150عام والالف من دموع المسلمين عامة والشيعة خاصة تدرف دموع على مصائب ال بيت الرسول

      من هذه القصيدة الصماء والتي عرف منها انه عالم من خلال بيت في هذه القصيدة :

      ومن الواجب عينا .

      اذا من خلال هذا البيت عرفنا انه يتكلم عن الواجب وغير الواجب ولا يمكن لانسان عادي في ذلك الزمان يتكلم عن الشرع

      يا ترى متى نحصل على دمستاني ثاني وثالث ورابع
      فنحن نحتاج لهذه العقول والشعر الساطع
      رحمك الله يا دمستاني

    • زائر 4 | 2:28 ص

      هنيئًا لك يا شيخ حسن الدمستناني

      فعلا..فعلا قصيدة أكثر من رائعة لطالما كانت مرثاة من قبل خطباء المنابر والرواديد من داخل وخارج البحرين عندما تقرأها تشعر بتفاصيل المصيبة بشكل مؤجج للعاطفة استطاع الشيخ رحمة الله عليه أن يجعل قارئها يعيش كل أجواء هذه الواقعة الأليمة فهنيئًا له وجعلنا وإياه ممن يخدمون هذه الشعائر العظيمة وحسن خاتمتنا عظم الله أجوركم

    • زائر 3 | 2:04 ص

      الى جنة الخلد شيخنا

      والله من قرأت الأبيات الاخيرة بكيت فكيف من يقرأ القصيدة كاملة مأجورين جميعا

    • زائر 1 | 11:40 م

      مأجورين

      قصيدة أكثر من رائعه، تبكينا دوما حينما نرددها، السلام عليك يا سبط رسول الله

اقرأ ايضاً