العدد 3387 - الخميس 15 ديسمبر 2011م الموافق 20 محرم 1433هـ

السوق الحرة والأخلاق

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

إن سعي الناس إلى الوصول إلى حياة مريحة وممتعة وتتمتع بالجمال والرفاهية لهو من الغايات النهائية لكثير من الأفراد، يسعون لتحقيقها ويبذلون في سبيل ذلك كثيراً من الجهد والعناء سواء بتحمل مشقة الابتعاد عن الأهل والأحباب والأصحاب والأوطان حيث يقطعون مسافات طويلة للحصول على فرصة عمل جيدة أو بتحمل مصاعب ومشقة الأعمال للغرض نفسه وهذا واضح وجلي في البلدان التي تتبع سياسة الأسواق المغلقة.

إن ما توفره السوق الحرة من فرص عمل للشباب وزيادة الأجور والمرتبات وحوافز الإنتاج وخلق منافع وتوظيف للإبداعات لهو من أشد البواعث على السير في هذا الاتجاه.

ويضاف إلى ذلك ما يشهده العالم اليوم من تطور في التكنولوجيا والاتصالات حيث أصبح العالم كما يقولون (قرية صغيرة) أدت إلى قرب الناس بعضهم إلى بعض، ومتابعة بل وملاحظة كل ما يحدث في أي مكان لحظة بلحظة ما أدى إلى نشر الثقافات المختلفة بين البلدان والمجتمعات، بل وأيضاً نشر المنتجات حتى أننا نستطيع أن نجزم بأن ما يحدث الآن في الشرق الأوسط من ثورات وانقلابات الشعوب على حكامها من نتاج ذلك وما يحدث في الغرب (أوروبا - أميركا) من تحول اتجاهات وميول لدى جماعات كثيرة من نتاج ذلك أيضاً، حيث أن نشر الثقافات المختلفة بين البلدان والمجتمعات والشعوب يؤدي إلى تبادل التأثيرات من تعزيز وتغير بين هؤلاء جميعاً.

ومن الأمور الخاضعة للتأثر؛ القيم الأخلاقية حيث يعرفها (Cooper) بأنها معتقدات تحدد شكل تصرفاتنا وأهدافنا، ويعرفها (Bengston) بأنها معايير تحدد توجهات الفرد وتصرفاته ويرى (Schein) أن القيم عبارة عن مجموعة من المشاعر والأحاسيس الداخلية التي تؤثر في سلوكات الأفراد وتحدد مدى توافقهم وانسجامهم مع باقي أعضاء الجماعة التي ينتمون إليها.

وفي الحقيقة أن القيم الأخلاقية التي يكتسبها الفرد ويعيش بها تتعدد مصادرها، حيث إن المجتمع الذي يعيش فيه يشكل جزءاً منها، فالفرد الذي يعيش في المجتمعات العربية يتصف بصفات غير الفرد الذي يعيش في مجتمع آخر، حيث تبرز فيه أخلاقيات التقارب الأسري والكرم ...، بينما الذي ينشأ ويعيش في مجتمع غربي يهتم بالقيم المادية أكثر من القيم الاجتماعية.

وأيضاً من مصادر اكتساب القيم الدينية الأسرة التي ينشأ بها الفرد وتتكون شخصيته بداخلها يضاف إلى ذلك الخبرة حيث تستمد القيم أهميتها وثقلها من خبرات وممارسات الأفراد، فالإنسان الذي يتعرض للكبت والحرمان يقدر قيمة الحرية بدرجة أكبر من الفرد الذي يعيش حرا طليقا وبالتالي يكون لقيمة الحرية وزن أثقل وأكبر عنده.

ومن مصادر القيم الأخلاقية أيضاً منظمات الأعمال وجماعات العمل التي يعمل الفرد داخلها ولعل هذا من مقاصد مقالنا اليوم حيث إن سلوك الأفراد داخل منظمات الأعمال يأخذ شكل السلوك السياسي داخل الوظيفة والذي يعرفه Robbins بأنه سلوك يعبر عن تلك الأنشطة التي لا تعد جزءاً من الدور الرسمي للفرد في المنظمة، وبالتالي لا تكون مطلوبة في وظيفته الرسمية وعادةً مَّا يكون الهدف من هذا السلوك تحقيق مصلحة ذاتية داخل التنظيم بغض النظر عن اتفاق هذه المصلحة مع أهداف المنظمة، وعلى رغم عدم استجابة بعض الأفراد لممارسة سلوكات سياسية داخل وظائفهم فإن تجنب مثل هذه السلوكات في منظمات الأعمال وخاصة في السوق الحرة أمر غير ممكن، لأن هناك من المواقف ما لا يمكن معالجته من خلال وضع سياسات وظيفية رسمية، وفي الحقيقة قد يكون السلوك السياسي مشروعاً أو غير مشروع حيث ينطوي عادةً على استخدام واحدة أو أكثر من استراتيجيات الإقناع العقلاني أو الأفكار المستوحاة أو الاستشارة أو التملق والنفاق أو تبادل المنافع أو التحالف أو الشرعية أو الضغط. وتستخدم هذه الاستراتيجيات ليس فقط للتأثير في الآخرين ولكن أيضا في مقاومة تأثير الآخرين.

ولمعرفة أبعاد السلوك السياسي التنظيمي فإن الأمر يتطلب فحص وسائل وغايات هذا السلوك حيث إن العلاقة بين وسائل وغايات السلوك تحدد ما إذا كان هذا السلوك ينطوي على أنشطة مفيدة للمنظمة أم لا.

فقد تكون الوسائل المستخدمة مقبولة أو غير مقبولة وقد تكون الغايات من وراء استخدام هذه الوسائل أيضاً مقبولة أو غير مقبولة فكلما كانت الغايات من استخدام هذه الوسائل مقبولة صب ذلك في صالح المنظمة والعكس صحيح.

وعلى ذلك؛ فإن أية ممارسات سياسية تنظيمية يجب أن تراعي مصالح المنظمة وتحترم حقوق الأفراد والجماعات كما يجب أن تكون ملائمة وتتسم بالعدل وبذلك تكتسب البعد الأخلاقي الذي يزيد من درجة تأثيرها في الآخرين.

ونستطيع أن نجزم هنا بأن دور الدين في إكساب الأفراد القيم الأخلاقية أساسي ولازم حيث إن دوره محوري في كبح غرائز الإنسان اللاأخلاقية سواء الاجتماعية منها أو المادية أو التي يستخدمها الأفراد في التعامل مع الآخرين، وهي بذلك لها مقاصد سامية في الحفاظ على الأفراد والمجتمعات والكيانات الاقتصادية والاجتماعية من التشوه والضياع وصدق القائل (Tokefiel) أن هناك كثيراً من الأشياء التي لا يمنع القانون المواطنين القيام بها وإنما الديانة تمنعهم من القيام بها.

يذكر هنا التنويه على أن المجتمعات اليوم عليها الاهتمام بالتربية الأخلاقية والدينية في مدارسها ومناهجها التربوية لكي تساعد على استقامة الحياة الاقتصادية في بلدانها واستمرارها وازدهارها وأن تجني بذلك أعظم الثمار وتتجه إلى عيش حياة المثالية من راحة ومتعة وتمتع بالجمال والرفاهية وبذلك تكون مقولة Kineklian Hi أن الرؤية الأخلاقية مرتبطة دائماً بالاعتقاد الديني فمثلا هناك تصور بأن الأفراد المتدينين هم أرجح أن يكونوا أمناء في ميدان الأعمال… تعبر عن الحقيقة ولكن يضاف إليها أن يكون هذا المتدين خبيراً بنظم وإدارة الأعمال وليس فقط متديناً.

وأستطيع هنا أن أؤكد أنه يجب أن نبني الأسواق الحرة والاقتصادات الحرة على الأخلاق وهذا ممكن وسهل وميسور إن أرادت الدول والمنظمات ذلك، فحيث توافرت الإرادة أمكن تحقيق المطلوب لأنه لا يمكن أن يبنى اقتصاد من دون أخلاق ولعل لنا في التاريخ عبرة؛ فقديما عندما تخلق التجار بالأخلاق الاقتصادية والتجارية (الصدق والأمانة وعدم الغش والوضوح…، ازدهرت تجارتهم ونشروا بذلك مبادئ اقتصادهم حتى في الأوطان التي لا تتحدث لغاتهم مثل تجار العرب وشرق آسيا، وحديثا انهارت اقتصاديات (الشيوعية) على رغم أنها لا تحكمها قوانين السوق الحرة بسبب ما خلفته من أشكال الفساد الأعمق والأكثر مما خلفته السوق الحرة.

وفي النهاية إن بقاء السوق الحرة في عالم الإنسانية مرهون بتقوية أخلاقيات الأفراد وهذا أمر ممكن وسهل وميسور حيث إنه لا يتعارض مع أشكال واستراتيجيات وآليات عمل السوق الحرة

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3387 - الخميس 15 ديسمبر 2011م الموافق 20 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:13 ص

      لا يوجد اخلاق فى السوق الحره

      كل ها لتنظير البرجوازى دعايه لا يوجد اخلاقيات ولا قوانين تحكمه فهو سوق حر يعمل على زيادة السلع واغراق الاسواق وتضخيم مرابحه. اما تقوية اخلاق الافراد فيآتى عن طريق لجم هذا السوق الحر وتقليم اظافر النهب وتوزيع الثروات بعداله عندها نتكلم عن الاخلاق والانسانيه. انه صراع طبقى استاذ بين من يملك وبين من لا يجد قوت يومه. وهذا الطرح لن يجدى لانه مستحيل ولن ينجح لان اهداف السوق الحره تتعارض مع الانسانيه حتى الدول الغربيه التى نجحت نوعا ما تعانى اضطرابات توزيع الثروه الان.وهذا يؤكد جوهرية الصراع.

اقرأ ايضاً