العدد 3394 - الخميس 22 ديسمبر 2011م الموافق 27 محرم 1433هـ

لا خوف بعد اليوم

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

لا خوف بعد اليوم، شعار رفعه التونسيون حين ثاروا فأطاحوا بدكتاتورية عتيدة ولكن يبدو أن دوائر الخوف عادت من جديد لتفعل فعلها… هي مخاوف كان يقال لنا أن لا مبرر لها في ظل بلاد في طريقها نحو التحوّل الديمقراطي، وفي ظلّ غالبيّة «حزب النهضة» تعدنا بتحقيق أهداف الثورة وتكريس الديمقراطية… وها نحن اليوم نثبت بالأدلة والبراهين أن مخاوفنا مشروعة وليس الخبر كالعيان.

مظاهر من العنف الممنهج ضدّ بعض الفنانين والمثقفين وأساتذة الجامعات فضلا عن انتهاك حق النساء على اختلاف انتماءاتهن الطبقية والثقافية في اختيار زيّهن… وفي الأفق مشروع مجتمعي جديد يدعو إلى الفصل بين الجنسين والحدّ من مكتسبات النساء وتقييد الحريات… يحدث هذا في تونس ما بعد الثورة، ومع كلّ يوم جديد نباغت بحوادث عنف جديدة، وليس من قبيل الصدفة أن تتالى حوادث تنتهك فيها كرامة الأساتذة الجامعيين فمنذ أيام طلب من أستاذتين جامعيتين إعلان الشهادة أمام الجميع والالتزام بلبس زي شرعي، وقبلها طردت جامعية من مؤسسة عملها إذاعة الزيتونة بعد أن قرّرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنها غير مؤهلة لتكون في هذا المنصب.

ويوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 فوجئنا بتهجّم فئة، من المرجّح أنهم من السلفيين على الأقلّ هذا ما يشير إليه زيّهم وما تومئ إليه طريقتهم في عرض ذواتهم: لحى طويلة وقمصان باكستان أو أفغانستان قصدوا كليّة الآداب بمنوبة، مطالبهم الظاهرة تمكين المنقبات من حقهن في التعليم وتوفير فضاء للصلاة وبرنامجهم الخفيّ الذي تجلّى في خطاب بعض من اعتلى سدّة الخطابة أسلمة المؤسسات الجامعية وتطهيرها من العلمانيين وتحرير الكلية من جيل ممثل للاستعمار جثم طويلا على أنفاسها.

ولم يكن الأمر مجرد كلام بكلام بل هو كلام بفعال فحين عرضوا برنامجهم وحاول بعض الأساتذة مقارعتهم الحجّة بالحجّة تبيّن لهم أنهم لا يقدرون على المحاورة لأنّ العنف سيّد الميدان في شرعهم. احتجزوا العميد وبعض الأستاذة وأعدّوا العدّة لقضاء الليل وربّما الليالي. ليست المسألة متعلّقة بحقّ منقبات بل هي محاولة فرض مشروع بالقوّة في وقت تمرّ به البلاد بظروف خاصّة. الرهان الحقيقي إذاً: ضمان الحريات وتحقيق التعايش بين المختلفين أيديولوجيا وعقديا وسياسيا وثقافيا وفق مبدأ المواطنة والسير قدما نحو مجتمع تسوده منظومة قيمية تكفل الاحترام المتبادل والعيش معا.

كيف السبيل إلى تجنب الصدام بين من يرى أن من واجبه أن يراقب وأن يفرض إرادته على الجميع ومن يدافع عن حق الفرد في الاختيار ومسئوليته في تحمّل تبعات اختياراته. كيف نصون الحياة الخاصة وحرماتها تجاه سلطة جديدة كليانية؟ كيف السبيل إلى مواجهة الفوضى بجميع أشكالها؟

ما كنا نحسب أن الدكتاتورية تترك مكانا لنشأة دكتاتورية جديدة بمثل هذه السرعة وما كنا نتوقع أن أكبر إنجاز تحقق في تونس منذ الجمهورية وكان مفخرة التونسيين بين الأمم سيستهدف مباشرة بعد الثورة وهي التي لم ترفع شعارات من قبيل نِقابي عنوان عفتي ولا المصلى قبل الدرس… شباب الثورة طالبوا بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وحقّ العمل… شهداء الثورة ضحّوا من أجل أن تعيش أجيال من التونسيين مستمتعة بحقوقها الأساسية والإنسانية، وشتان بين مطالب هؤلاء وهؤلاء والأساليب المتوخاة: ثورة سلمية حضارية رفعت فيها الفتيات على الأعناق واشتبكت فيها أيادي الرجال والنساء، الشيب والشباب، حشود كالبنيان المرصوص تهتف الشعب يريد إسقاط النظام، ارحل. وهجمات منظمة واقتحامات للمؤسسات الجامعية ومنع للطلبة من إجراء امتحاناتهم بالقوّة، وسوقهم قسرا إلى الساحات وترويع الموظفين والموظفات وتهافت على الخطابة في زمن كثر فيه الناطقون نيابة عن الله.

كنا ننتظر من جيل تحرّر من الاستبداد أن يبدع، أن يشمّر عن السواعد وأن يساهم في البناء، أن يطرح علينا أفكارا جديدة ومشاريع وتصورات تطور منظومتنا التعليمية المهترئة. كنّا ننتظر من شبابنا وشاباتنا مقترحات تعبّر عن تطلعاتهم وآمالهم، كنا نتوقع بناء علاقات تفاعلية جديدة غايتها محاربة الأمية والفقر والتهميش والقمع… ولكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد ومازال أمامنا الكثير.

وفي انتظار ذلك نقولها عاليا: نرفض ارتهان مؤسساتنا الجامعية فمسئولية المربي/ة والمثقف/ة جسيمة تتطلب منه الدفاع عن الثوابت الأكاديمية وأوّلها الدفاع عن استقلالية المؤسسات الجامعية، كما لا نقبل ولن نقبل بسوق شباننا وشابتنا المغرّر بهم نحو الهاوية، نحو عبودية جديدة لخطاب يهدم ولا يبني لخطاب يفرّق ولا يجمع… سنحميهم ونحمي مؤسساتنا بكلّ ما أوتينا من جهد وحتى آخر رمق… شعارنا لن تمروا إلاّ على جثثنا

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3394 - الخميس 22 ديسمبر 2011م الموافق 27 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً