العدد 3402 - الجمعة 30 ديسمبر 2011م الموافق 05 صفر 1433هـ

هل يمكن لليقظة أن تساعد على رأب الصدوع في الشرق الأوسط؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تشكّل الأخبار اليومية عن الشرق الأوسط عادة سبباً للتشاؤم: حالة مستمرة على ما يبدو من النزاع يمتد عبر المنطقة بأسرها. ولكن رغم ذلك، يحدث في كل سنة أمرٌ مميزٌ في لارنكا بقبرص، رغم أنه يستمر لأيام قليلة فقط. وهو يوفر نظرة سريعة لما هو ممكن إذا أعطي الناس فرصة للشعور بمأمن ليتواصلوا معاً في بيئة أصيلة لا تحكم عليهم.

تجمع مبادرة «تجمُّع الشرق الأوسط لمرض السرطان» في كل سنة، وهي مبادرة بدأت أثناء إدارة الرئيس كلينتون، تجمع معاً ما بين أربعين وخمسين من الأطباء والممرضين والعاملين الاجتماعيين في مجال السرطان من عدة دول لمدة ثلاثة أيام في مدينة لارنكا، للتشارك في نواحٍ تتعلق بممارستهم الطبية ولتعلّم أفضل الممارسات في مجال رعاية مرضى السرطان، تشكّلت مبادرة التجمّع بدعم من وزراء الصحة في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وانضمّت إليها مصر والأردن وقبرص وتركيا.

ومن بين السمات الفريدة لهذا التجمّع أن المشاركين، مصريين وإسرائيليين وأردنيين وفلسطينيين وقبارصة وأتراك، يقضون ساعتين يومياً معاً يمارسون التأمّل والتشبيه بالإرشاد، وحتى الحركات التعبيرية للحد من التوتر والضغط ورعاية الوعي الذاتي. ويُقسَم موفرو الرعاية إلى مجموعتين، الأولى برعاية أفياد حراماتي أستاذ الطب، والأخرى بقيادة نانسي هارازدوك، مديرة برنامج العقل والجسد. وعلى رغم أن الهدف المعلَن لهذه الجلسات هو توفير الأدوات للممارسين، التي يمكنها تحسين الرعاية الذاتية وتعزيز الازدهار الاجتماعي ودعم العلاقات في الزمالة، إلا أن نتائج مذهلة تقع. فبعد يوم واحد فقط، يصبح أفراد من دول يُفترض أنها في حالة نزاع، أفراد من الأرجح أنهم لن يتفاعلوا أبداً مع بعضهم بعضاً، دعك من التشارك في قصص أو مشاعر شخصية، يصبحون مهتمّين بصدق ببعضهم ويعبرون عن تلك المشاعر بصدق.

كيف يحصل ذلك؟ نطرح هذا السؤال على أنفسنا دائماً. ولكن هذا هو ما لاحظناه في كل سنة منذ دعيت مجموعتنا من كلية الطب بجامعة جورجتاون للانضمام إلى تجمع الشرق الأوسط للسرطان العام 2005.

من الواضح أن هؤلاء الذين يفترض أنهم أعداء يتشاركون في تفانيهم والتزامهم بالرعاية بمرض السرطان. إلا أننا نؤمن أنه من خلال وضع القوانين الأساسية كاحترام الخصوصية والسرية وممارسة عدم الحكم والإصغاء لبعضنا بقلب مفتوح وكريم، نستطيع رعاية روابط قوية وصادقة بين مرضانا.

ويضم تنظيم الجلسة ثلاثة أجزاء: الأول «التسجيل»، بحيث يحصل المشاركون الذين يجلسون في دائرة على فرصة للتشارك فيما يمرّون به عاطفياً وجسدياً وروحياً وهم يفكّرون بعملهم وحياتهم العائلية وتحدي التوازن بينهما.

وقد أوجد ذلك فرصاً لتبادلات معمّقة. على سبيل المثال وقبل سنوات قليلة، كشفت ممرضة فلسطينية أن ابنها قتل على أيدي الجنود الإسرائيليين. ثم ذكرت عاملة اجتماعية إسرائيلية أن ابنها قتله الفلسطينيون. وقفت الوالدتان الثكالى يدفعهما حزنهما المشترك وعانقتا بعضهما بعضاً في وسط المجموعة.

هذه السنة، شارك طبيب متخصص في رعاية الأطفال الذين يعانون من مرض السرطان حزنه بعد أن تم إعلامه أن مريضه الذي يبلغ من العمر 12 سنة قد فارق الحياة ذلك اليوم. وقد واساه بقية أفراد المجموعة، وهم من خلفيات متباينة، حيث أنصتوا بتعاطف عندما وصف علاقته بمريضه والألم الذي شعر به نتيجة لخسارته.

يكون النقاش أحياناً خفيفاً ومضحكاً، بينما يتشارك الجميع بقصص شائكة حول التغلب على أنظمة الرعاية الصحية التي يبدو أنها لا تعمل جيداً، والبيروقراطيات القائمة.

ويضم الجزء الثاني من التجمّع خوض تجربة أحد توجهات العقل/الجسد (كالتأمل والتشبيه أو الحركة). ويضم الجزء الثالث التشارك فيما كانت عليه التجربة وتحليلها. يبدّد إعطاء صوت للتجربة الشك ويخلق شعوراً بالجماعة، حتى بين الغرباء، بينما يتعلم المشاركون من بعضهم بعضاً ويدركون أن بينهم أموراً مشتركة أكثر من الخلافات. وتعترف العملية بالتحديات الصعبة التي يواجهها هؤلاء الممارسون في مهنة ترى المعاناة والموت في كل يوم.

بالنسبة لنا شخصياً، كعضوين يهوديين في الهيئة التدريسية من جامعة كاثوليكية يسوعية، تشكّل فرصة العمل مع مسلمين ومسيحيين ويهود من الذين يقدمون الرعاية الصحية في هذا الوضع، تجربة مميزة.

ليس من الضروري اقتصار هذا البرنامج على المهنة الطبية. لقد نجحنا في جامعة جورجتاون بإدخال البرنامج إلى كلية الحقوق وكلية إدارة الأعمال وكلية الخدمة الخارجية. وبالمثل، نستطيع توسيع نموذج العقل والجسد لربط الأفراد من دول تعاني من النزاع إلى مهنيين في الشرق الأوسط يعملون في مجال القانون والأعمال التجارية وحتى السياسة. وقد ذكر أحد المشاركين في مؤتمر هذه السنة قائلاً: «لو حضر السياسيون جلسات العقل والجسد لأفياد ونانسي لعمّ السلام في الشرق الأوسط».

نأمل ذلك. كل ما يحتاجه الأمر هو الرغبة في تعليق الحكم وأن نكون صادقين ومنفتحين قلباً وعقلاً وأن ننصت إلى الآخر بكرم الروح

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3402 - الجمعة 30 ديسمبر 2011م الموافق 05 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً