العدد 3412 - الإثنين 09 يناير 2012م الموافق 15 صفر 1433هـ

إنها تركيا أيها العرب... (2)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

يتابع المسئولون السوريون تحليلهم، بأنهم باتوا يملكون أدلة مادية دامغة عن ملف المؤامرة الدولية، لم يكشفوا النقاب عنها بعد، على رغم مطالبة وإلحاح كل دول العالم ومنظماته الحقوقية على كشف هذا الملف الخطير.

هذه هي إذاً وجهة النظر الرسمية السورية التي تصر مختلف الأجهزة الرسمية السورية (السياسية والإعلامية والحزبية) على تبنيها والدفاع عنها، وعدم التفكير بأي أسباب أخرى، مقفلةً الباب على أي رؤية أو تحليل أو استنتاج آخر. حتى أنها لا تتقبل حتى رأي وقناعة قطاع مهم وربما كبير من الشعب السوري المعارض – وخاصة أولئك المتظاهرين - المرتاب والمشكك أصلاً بهذه الرواية الرسمية التي يبدي تجاهها هؤلاء الناس كثيراً من ظلال الشك والريبة وخاصةً مع حالة الانغلاق الكامل عن العالم الخارجي، وممارسة سياسة الحجب والمنع الرسمية الكاملة لقيام أية جهات محايدة، أو وسائل إعلام عربية ودولية، بتغطية الحدث السوري بصورة مباشرة ومن دون المرور بقنوات وفلاتر السياسة الرسمية المعروفة!

من جانب آخر، لم يقتصر رفض تلك الرواية الرسمية على كثير من أبناء الشعب السوري، بل رفضت كل دول العالم، ما عدا روسيا والصين وإيران - الذين بدأوا أخيرا بتغيير مواقفهم جزئياً تجاه أحداث سورية من خلال دعوتهم النظام وكل من يحمل السلاح، لإيقاف آلة العنف والبدء بالحوار مع المعارضة السلمية بهدف الإصلاح الفوري - المنطق الرسمي السوري، واعتبرت تلك الدول أن النظام يتحمل مسئولية نشوء وتصاعد مناخ العنف والعنف المضاد في سورية... حتى وصل الحال بتلك الدول إلى البدء جدياً بالتفكير في مرحلة ما بعد النظام الحالي.

والمعروف علمياً وواقعياً ومنطقياً، أن الدول الكبرى التي تحترم شعوبها، وتخضع لإرادات ناخبيها في مختلف مجالسها وبرلماناتها المنتخبة – وإن كانت تفكر بعقلية المصالح والمنافع الخاصة - لا تبني ردود فعلها أو مواقفها وسياساتها الخارجية على ما يشاهده قادتها ورموزها من أحداث ووقائع تنشر هنا وهناك في مختلف وسائل الإعلام، بل إن لها طرقها ووسائلها وأساليبها المتنوعة الأخرى المعروفة، وعلى رأسها الطريقة الاستخباراتية التجسسية (وقد اعترف بها رئيس تركيا غول نفسه عندما قال انه تأتيه يومياً تقارير أمنية عن آخر أوضاع سورية)، الهادفة إلى معرفة دقائق وحقائق الأمور الجارية على الأرض في هذا البلد أو ذاك، والعمل على دراستها وتحليلها وتقييمها ومن ثم الوصول بها إلى مرحلة القرار السياسي الخارجي الذي يذاع في الإعلام... هكذا هي الدول المؤسساتية القوية ذات الوزن والثقل الاستراتيجي غير المرتبطة بنهج ذاتي مشخصن.

ولكن الذي جعل المواقف تتصاعد وتنضغط أكثر فأكثر حديثاً، بحيث زادت في سخونة المرجل، ورفعت في درجات تسخين مسار العلاقات بين تركيا وسورية على وجه الخصوص، حتى وصلت إلى حد القطيعة الكاملة حالياً، بعد أخذ طريق العلاقات التركية الإسرائيلية مساراً انحدارياً، وقطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين الطرفين على خلفية قتل مواطنين أتراك كانوا على متن الباخرة التركية مرمرة – وتوقع المحللون دنو أجل قطع العلاقات بين تركيا وسورية - هو تصريح لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الموجه للرئيس السوري بشار الأسد من قناة الجزيرة الفضائية (تاريخ: 8 سبتمبر/ أيلول 2011)، والذي أكد فيه الزعيم التركي «عدم رغبته بالحديث مستقبلاً مع السيد الأسد» كما قال، معتبراً أنه «ينبغي على القادة السياسيين أن يؤسسوا حكمهم على العدالة، ورضى الناس، وليس على الدم والعنف، وأن من يحكم بالدم سيذهبه الدم». وهذا هو أعلى وأشد تصريح لأردوغان في مقاربته للأزمة السورية منذ بدايتها في 18 مارس/ آذار 2011. ومنذ تصريحه المشهور الأخير الذي تهجم فيه مباشرةً على القيادة السورية مباشرة وبالأسماء، في حالة ومشهد ووضع غير مسبوق دبلوماسياً وسياسياً إلا فيما ندر!

ويبدو أن المصادر السياسية القريبة من دوائر القرار التركي، تتوقع – بعد التصريحات «الأردوغانية» المتشددة الأخيرة ضد النظام السوري - أن تحزم تركيا قرارها وأمرها، كما حزمته مع إسرائيل، وتبدأ بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الضغوط المباشرة النوعية على النظام السوري، بعد فشل المرحلة السياسية السابقة، وخاصةً بعد ظهور القيادة التركية بمظهر الرجل القوي الذي لم يتردد لحظةً في توجيه لكمات قوية للمارد الإسرائيلي المتنمّر، وإلغاء كل الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية معه، مضحيةً بأربعة مليارات دولار هي حجم التبادل الاقتصادي السنوي مع إسرائيل في سبيل مبادئها ومكانتها ودورها وقرارها السيادي المستقل. وكأن الأتراك يريدون القول من خلال ما فعلوه مع الإسرائيليين (بحسب المثل المعروف: إياك أعني واسمعي يا جارة)، بأن إسرائيل وهي الدولة المدعومة غربياً والأقوى في المنطقة، لم ترهبنا، أو تردعنا عن تطبيق مصالحنا ومثلنا العليا، فما بالك بالسوريين الأضعف منهم بكثير!

ولكن تبقى الأسئلة مشرّعة ومشروعة: إلى أين تسير قاطرة الأحداث المتصاعدة، وبيد من هي، الشعوب أم الأنظمة التواقة للحرية والكرامة؟ وهل بقيت هناك مبادرات حاسمة للبدء بإنهاء ملف الأزمة السورية الذي بات مفتوحاً على مصراعيه، بما لا يؤدي إلى وقوع سورية تحت براثن الصراعات الأهلية والتدخلات العسكرية الدولية؟

وهل يمكن إيجاد حلول دائمة ونهائية للمسألة السورية من دون مشاركة ومحاورة قيادتها الراهنة كما تريد المعارضة؟.

ثم ما الذي باستطاعة تركيا أن تفعله على حدودها الجنوبية؟! وهل ستبقى هي في مأمن عن لهيب (وربما حرائق المنطقة)، وخاصة أنها تسعى لتأمين وتحقيق سلم أهداف اقتصادية وتبادلات تجارية وثقافية مع دول الشرق والجنوب، بعد أن تضاءل أملُها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى قيامها بتكثيف مجمل نشاطاتها وعلاقاتها بالمشرق العربي والإسلامي؟!

يبدو أن القادة الأتراك في موقف لا يحسدون عليه، وهم يسيرون على حد الشعرة المربوطة فوق مراجل أودية المنطقة العميقة، ما يجعلهم في حالة ترقب وقلق دون شك مثل غيرهم، ولكن بدرجات أقل جداً. ولكنهم غير متعبين، بل لديهم أوراق كثيرة للعب السياسي وغير السياسي. والعقل التركي العثماني عرف عنه تقليدياً عدم تهيبه للأهوال والمصاعب، بل ووقوعه فيها، من منطلق «إذا هبت أمراً فقع فيه». الأمر فقط يحتاج لمحاذرة وهدوء، وليس لمناورة!

وكل ما نتمناه ونأمله فقط – كمثقفين متابعين ومراقبين ننحاز دوماً لقضايا الحق والعدل والحرية - أن تحل المشاكل والأزمات بلا صراعات ولا حروب ولا جراحات! ولكن هل بقي للعقل والهدوء العقلي الفكري أثر يذكر، أم ان صوت قرقعة السيوف وصخب التروس هو الأعلى، في هذه المنطقة؟

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3412 - الإثنين 09 يناير 2012م الموافق 15 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:55 ص

      تعم انها تركيا

      التي لم تنسا تسبب العرب باسقاط الامبرطورية العثمانية بتعاونهم مع بريطانيا اذا خالطت الاتراك ستدرك كرههم للعرب بسب ذلك

اقرأ ايضاً