العدد 3418 - الأحد 15 يناير 2012م الموافق 21 صفر 1433هـ

في وداع عام 2011: عام الحضور العربي زلازل الحرية تضرب المنطقة

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

مر هذا العام سريعاً... يقول البعض، ويقول آخرون: كلا، لقد مر طويلاً مضجراً ساخناً في أحيان، وبارداً في أخرى... ربما تكون النظرة إلى عامل الزمن، حالة أو نزعة أو شعور ذاتي للمرء تجاه علاقته بقضية الزمن... فهذا يصف زمنه بالسرعة أو الانقضاء السريع لأنه قد يكون قادراً وواصلاً وناجحاًَ ومتفائلاً وكثير التأثير والفعل، قليل الانفعال والتأثر، وذاك قد ينعته بالبطء والملل والضجر والسأم وطول الحالة المقيمة لأنه قد يكون فاشلاً ومنفعلاً ومحبطاً ويائساً وقليل الصبر والتأثير، كثير الشكوى والتأثر...

ولهذا فإن مسألة السرعة أو البطء كصفة واقعة نطلقها على مرور الأيام والسنين والعقود والدهور، لا علاقة لها بحركة وسيرورة الإنسان في محيطه ووجوده الحيوي، بل هي مسألة لها علاقة فقط بالبعد العلمي الكوني المتسارع، وحركة الأرض وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس... أما انطباع الإنسان عن هذه الحركة الزمنية فهذا أمر آخر، لأنه يتصل بوعي الفرد وبعلاقاته مع مشاكله وتحدياته وأزماته وأحواله عموماً.

وعلى أي حال، سواء مر هذا العام سريعاً أم بطيئاً، فقد مر وانقضى (هذا العام التاريخي والمفصلي بامتياز)، ومرت معه أحداث جسام مؤسّسة سياسية واجتماعية واقتصادية كان على رأسها «ثورات الربيع العربي» التي سترسم صورة جديدة للمنطقة العربية وللإقليم المجاور لمرحلة زمنية طويلة مقبلة، سيكون فيها - على ما نعتقد ونخمن - «للفرد-المواطن» الدور الأهم والأبرز في بناء مجتمعه، وصياغة قراره ومصيره ومستقبله العمومي على مستوى السلطة والحكم والحياة العامة... وهذا هو الحدث الرئيسي الذي مر خلال هذا العام 2011 الذي يمكن المراهنة عليه بقطع النظر عن طبيعة ولون الحكم القادم إسلامياً كان أم ليبرالياً... لأن شعوبنا العربية خرجت من القمقم، وانطلقت لتحلق خارج أسوار السجون المغلقة عليها منذ عقود طويلة، رافعةً شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» ككناية وتلخيص عبقري مبدع ومكثف لرؤية قائمة على ضرورة إسقاط كامل وكلي للمنظومات الحاكمة فكراً وقولاً وعملاً ورموزاً، ومعلنةً أيضاً - من خلال ذلك - توقها الشديد لانتزاع كرامتها وحريتها (قبل رغيف الخبز) بعد كسرها وتحطيمها لحصون الديكتاتورية الهشة، وإسقاطها للديكتاتوريين العرب في الكثير من بلدان العالم العربي التي عانت (ولايزال يعاني بعضها الآخر) من حكم الفرد (والقائد المفدى) الواحد والحزب الواحد والعائلة الواحدة، والافتقار إلى حكم القانون والدستور والمؤسّسات الجدّية، والاستمرار في سدة الحكم والسلطة مدى الحياة، ناهيك عن التوريث باسم النظام الجمهوري بينما هي فعلاً أنظمة (جملوكية) استبدادية لا نظير لقمعها وعنفها ولصوصيتها وطغيانها في العالم كله سوى كوريا الشمالية المعزولة اليوم، وتلك النظم البائدة زمن الاتحاد السوفياتي السابق.

إنه «تسونامي» الحرية والكرامة العربي الذي لن يتوقف إلا بعد تحقيق أهدافه في إزالة آخر قلاع ورموز الطغيان العربي والإسلامي... وإذا كانت بعض الدول - التي لاتزال تقمع أبناءها وتكتم أنفاس شعوبها في مشارقنا العربية والإسلامية - تعتقد بأنها في منأى عن موجات التغيير وربيع الثورات العربية، فإنها واهمة من دون أدنى شك، تعيش في عوالم أخرى غير أرضية، لأن التغيير الحاصل حالياً ليس حالة طارئة، وإنما هو - في العمق - تحول بنيوي عميق وسيرورة تاريخية لا عطالة ذاتية فيها.

وعندما نؤكد على أن التغيير القائم هو أصيل وتاريخي وانعطافة عميقة وبنيوية، فهذا أمر يرتكز على رؤية فكرية واقعية تتصل بحركية الشعوب وإرادتها الحية، باعتبار أن المحور والمحرك والدافع الأساسي لهذا التحول ليس العنف ولا السلاح ولا الخارج، بل هو هذه الجماهير المتعطشة للتغيير، الطامحة للمشاركة في تعيين وإدارة سياسات بلدانها، الراغبة في الاستفادة من عوائد ومقدرات وموارد بلدانها المنهوبة لصالح القلة الحاكمة المستأثرة بكل شيء تحت ستار مكشوف من الشعارات الفارغة المضمون والمحتوى.

وإرادة الجماهير هي الميزان والفيصل في موضوع التغيير كله، لأن هذه الإرادة التي بقيت كامنة لعهود طويلة، لم تعد قادرة على تحمل المزيد من واقع القهر والعبودية والإذلال والظلم والتجويع والتشريد، وانتهاك الحريات، وغير ذلك، من ضروب الاضطهاد والجور والقمع... ولا عودة لها عن تحقيق وإنجاز مشروعها الوجودي الحر بكامله، من خلال الانتقال نهائياً لمرحلة المشاركة السياسية بعد الإطاحة بتلك النظم الأحادية.

لقد كان العام 2011 بالفعل عام الحضور الجماهيري العربي المؤثر، وعام بداية تلاشي فكرة الديكتاتورية، وإنهائها إلى غير رجعة... والمواطن العربي الثائر في الميادين والساحات كان هو الركيزة والأساس والمحور الحقيقي لتلك الأحداث كما ذكرنا، وبالتالي فهو الذي يستحق فعلياً أن يعطى كل الجوائز، ولكن لا جائزة عنده وعندنا أحلى وأجمل وأثمن من جائزة بدء عهد الحريات، وتسطير كتاب جديد في البناء والتطوير المؤسساتي القانوني... نأمل أن يستمر بقوة وإرادة الناس التي تستحق أن تعيش في مناخات وأجواء سياسية واجتماعية واقتصادية صحيحة وعادلة ومتوازنة... يشعر بالحرية والكرامة والمسئولية الكاملة. في النهاية، كل عام والجميع بألف بخير

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3418 - الأحد 15 يناير 2012م الموافق 21 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً