العدد 3426 - الإثنين 23 يناير 2012م الموافق 30 صفر 1433هـ

نظرة تأملية بعد عام على ثورة 25 يناير

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

أثناء الندوة العلمية التي عقدت في المجلس المصري للشئون الخارجية يوم 7 سبتمبر/ أيلول 2011 لمناقشة كتابي المعنون «ثورة 25 يناير إطلالة استراتيجية على الأبعاد الداخلية والدولية»، طرح بعض المتحدثين عدة أسئلة من بينها: أليس موقفاً متعجلاً أن نصف أحداث 25 يناير/ كانون الثاني بأنها ثورة وهي لم تتضح معالمها بعدُ؟ هذا ولم تنشر وثائقها الرسمية ولم تتضح حقيقتها، وليس لها رؤية واضحة، كما أن الصراعات بين المكونات والقوى التي شاركت في ذلك الحدث المهم مازالت محتدمة ونحو ذلك؟

ولكن وجهة نظري التي لاأزال مقتنعاً بها حتى الآن، هي أن ما حدث في 25 يناير كان ثورةً بكل مفاهيم الثورة في الفكر السياسي. وهو ما أوضحْته في الفصل الأول من كتابي المذكور، فهي حركة جماهيرية وشعبية. وهي تحرك مفاجئ، وهي استطاعت أن تطيح بنظام لم يكن أحدٌ يتصور إمكانية التخلص منه. وهذا في ذاته أكبر إنجاز لها.

ولعل من أبرز الأدلة على كونها ثورة أن القوى المعارضة للتغيير التي يمكن أن نطلق عليها الثورة المضادة نشطت منذ الأيام الأولى لنجاح الثورة وتحرّكت من مسجد مصطفى محمود وغيره، كما أن بعض القوى المضادة اندست في صفوف الثوار الحقيقيين وانتهجت منطق المزايدة والشعارات الثورية. وتنوعت تلك القوى من المراهقة اليسارية للمراهقة اليمينية، كما أطلقتُ عليها في أحد فصول الكتاب. كما اندفعت عصابات البلطجية لتشويه صورة الثورة.

أما كون الثورة ليست لديها رؤية واحدة واضحة فهذا من طبيعة الثورة كحركة شعبية جماهيرية تنتمي إلى قطاعات واسعة وليست تعبيراً عن حزب أو جماعة سياسية واحدة، وليست انقلاباً عسكريّاً تحوّل إلى ثورة كما حدث العام 1952. إنها عبرت عن انصهار مختلف قوى المجتمع السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية، وهذا هو عظمة ثورة 25 يناير بالإضافة إلى أنها ثورة سلمية، وعلى رغم وقوع بعض الضحايا والشهداء فليست هناك ثورة بيضاء مئة في المئة بما في ذلك ثورة 1952 التي استقر رأي الكثيرين على أنها كانت ثورة بيضاء مقارنة بالثورات العربية في حقبة الخمسينات، وخصوصاً ثورة العراق العام 1958 أو الثورات الروسية والفرنسية في عصور سبقت.

وبعد عام مضى ننظر إلى الحصاد الذي تحقق نظرة موضوعية وهادئة، فإنني أراه حصاداً وفيراً على رغم الصعوبات والمعوقات، وعلى رغم ما طرأ على الثوار من انقسامات، وظهور قوى غير متوقعة لم تكن محسوبة في النشاط السياسي جنت نتيجة بارزة في الانتخابات، أو قوى أحدثت انقسامات في صفوف المجتمع، وظهور اتجاهات متطرفة. فهذا كله يؤكد أن ما حدث كان ثورة حقيقية، ولهذا استنفرت القوى المضادة من مختلف الاتجاهات، ولو نظرنا إلى الثورة الفرنسية أو الروسية أو الصينية، وهي الثورات التي دخلت الكتب الكلاسيكية في التحليل السياسي، نجد الحالة نفسها. بل نجد الشيء نفسه في أعظم ثورة في التاريخ وهي ثورة محمد بن عبد الله (ص) بالدعوة إلى دين الإسلام حيث تآمر ضده كثيرون بما في ذلك أبناء عشيرته، وظهر المنافقون من الأعراب. لكنه عندما انتصر وعاد إلى مكة فاتحاً، أعلن التسامح والعفو عن خصومه قائلاً: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وهذا ما يسميه الإسلام العفو عند المقدرة.

المشكلة التي تواجهها مصر الآن تتمثل في نظريتين؛ الأولى نظرية الثورة المستمرة من الميدان والشارع السياسي، وهذه ينبغي التروي والحذر من الترويج لها وخصوصاً بعد إجراء الانتخابات التشريعية النزيهة والحرة كما شهد بها العالم، فليس بالضرورة كل فكرة جيدة يمكن أن تكون ملائمة إذا اختلفت الظروف.

الثانية: نظرية انتهاء الثورة والقول بأن على الثوار أن يذهبوا إلى منازلهم، وهذه أيضاً ينبغي الحذر من الأخذ بها بصورة تامة، فالثورة تعني يقظة جماهير الشعب، ولابد أن تكون مستمرة، وهذه الاستمرارية لا تعني الوقوف في الميدان أو التظاهر أو الاعتصام، وإنما تعني يقظة النخبة التي قادتها وتفاعلت الجماهير معها، ومن ثم فإن على هذه النخبة أن تكون يقظة. وفي هذا الإطار نشير إلى ضرورة اليقظة مما يمكن أن يقوم به المشرعون الجدد والممارسات السياسية للقوى التي حصلت على شرعية انتخابية حتى لا تنحرف بالوطن إلى طريق الاستبداد بحكم العادة والتراث المصري العريق في هذا الصدد، أو تنحرف إلى طريق التطرف والغلواء، وهو ما يتعارض مع تراث مصر وحضارتها في المنهج نحو الاعتدال والعقلانية والتوافق المجتمعي.

من ناحية أخرى؛ فإن القوى الثورية التي قادت ثورة 25 يناير ينبغي لها أن تنزل إلى العمل في صفوف الجماهير ولا تظل قابعة في الفضاء الالكتروني والعالم الافتراضي، فالحياة وسط العمال والفلاحين وفي الأحياء الشعبية والقرى والنجوع والمصانع، هي الكفيلة تعميق الفهم الثوري وتحقيق المطالب الشعبية، ومن ثم فإن الثوار من المفترض أن يقودوا حركة التغيير التي هي مسألة مستمرة ولن تتوقف. فهي ليست مجرد حدثٍ ينتهي وإنما هي عملية تطور اجتماعي وثقافي ومجتمعي نحو الأفضل، وهو ما لا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها.

باختصار نقول: إن ثورة 25 يناير نجحت، لكن أمامها مسيرة طويلة لتحقيق أهدافها وهو ما يدعو لمناشدة الثوار الاستمرار في العمل وسط الجماهير ونقل ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر إلى الحقول والمصانع والمدارس والجامعات، لتحقيق التفوق العلمي والتكنولوجي، وإلى مجالات الإدارة لزيادة الإنتاج ومراقبة الفساد والإهمال. فالتحدي الثوري أكبر من أن يحتويه ميدان، والجماهير ومطالبها ليست محدودة بل لا سقف لها، ولكن المطالب لا تتحقق بالاعتصام والتظاهر المستمر وإنّما بالمساهمة في الإنتاج وزيادته وتحسين جودته ومراقبة الانحراف، وبذلك تتحول النخبة الثورية إلى مركز السلطة الحقيقية عبر الشرعية الدستورية في الانتخابات القادمة، وتصحح ما يطرأ على الثورة وممارساتها من أخطاء، هي من الأمور الطبيعية في مثل هذه الحالات.

ومن ناحية أخرى؛ فإن من حصلوا على تأييد الجماهير في هذه الانتخابات نقول لهم ابدأوا بممارسة مهامكم عبر أجندة واضحة تحقق مصالح الشعب وليس عبر رؤية حزبية ضيقة أو التخندق في فكر معين ربما لا يلائم في بعض أجزائه منطق التطور وطبيعة المرحلة. ونقول لهم إن الشعب بطوائفه وفئاته كافة هو الذي يجب أن تضعوه نصب أعينكم، ومقاومة الفساد في أجهزة الدولة المختلفة ينبغي أن تحظى بأولوية، وبناء المؤسسات على أسس سليمة يجب أن يكون موضع اهتمام رئيسي لأن القوى الخارجية تتربص بمصر، والقوى الداخلية لديها مطالب وتطلعات، ولا وقت للانتقام والثأر أو تصفية الحسابات ونحو ذلك، هذا بالطبع لا يعني أن أعمدة النظام السابق يفلتون من العقاب بل لابد أن يأخذوا جزاءهم بما قدمت أيديهم وما نهبوا من ثروات وما أحدثوا من فساد، ولكن كل ذلك يجب أن يكون وفقاً للقانون وبعدالة ناجزة، حتى يتحقق الاستقرار والأمن والعدل والنمو والتنمية والتقدم، ومن ثم الرفاهية لجميع المواطنين والحفاظ على الوطن ومساعدته على مواجهة التحديات العاتية والمعاصرة وما أكثرها

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3426 - الإثنين 23 يناير 2012م الموافق 30 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:19 م

      لاتنجح الثورات من غير قوى شعبية متفاهمة

      اشكرك يا دكتور نعمان على مقالك الذي يقدم لنا أكثر من مائة نصيحة وتوجيه أتمني من شباب البحرين وقادتهم ان يفهموها فلابد من كل مواطن أن يتعاون مع الآخر من أجل الوصول الى الحقوق ولابد من حل الخلاف تماماً بين الطوائف المتناحرة اولا لكي نستطيع ان نلتفت الى البناء والإصلاح ومحاربة الفساد والوصول الى عدالة القانون وحكمة حقوق الانسان واتمنى ان تقدم هذه التوجيهات بمقالاتك القادمة وشكرا. قارئة

    • زائر 2 | 3:19 م

      لاتنجح الثورات من غير قوى شعبية متفاهمة

      اشكرك يا دكتور نعمان على مقالك الذي يقدم لنا أكثر من مائة نصيحة وتوجيه أتمني من شباب البحرين وقادتهم ان يفهموها فلابد من كل مواطن أن يتعاون مع الآخر من أجل الوصول الى الحقوق ولابد من حل الخلاف تماماً بين الطوائف المتناحرة اولا لكي نستطيع ان نلتفت الى البناء والإصلاح ومحاربة الفساد والوصول الى عدالة القانون وحكمة حقوق الانسان واتمنى ان تقدم هذه التوجيهات بمقالاتك القادمة وشكرا. قارئة

اقرأ ايضاً