العدد 3431 - السبت 28 يناير 2012م الموافق 05 ربيع الاول 1433هـ

تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف (1)

عبدالله الشملاوي comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

يقول البروفيسور نايجل رودلي، المندوب الخاص السابق للأمم المتحدة في قضايا التعذيب وعضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة بسيوني): «إن الواقع المظلم، هو أنه رغم إجراءات المنظمات غير الحكومية والحكومية... لايزال التعذيب يعد مشكلة منتشرة وواسعة، ليس فقط ضد المعارضين السياسيين، بل أيضاً ضد المشتبه بارتكابهم جرائم محددة».

والتعذيب كظاهرة أو مشكلة ليست جديدة، فقد عرفته كل الحضارات القديمة سواء ما كان منها قد بني على الأديان أو على أفكار فلسفية أو غير ذلك... ولم يكن حظ القرنين العشرين والواحد والعشرين، بالنسبة للتعذيب، رغم ما عرفاه من تقدم، بأقل من حظ القرون الأخرى، بل ربما كان هذان القرنان قد عرفا من الفظائع بالجملة، ومن القتل الجماعي ما لم تعرفه القرون الأخرى... فأصبح المرء أمام ظاهرة بدأت تتفشى، وهي ظاهرة العنف ضد المتهمين خصوصاً في الجرائم السياسية، إذ غدا أمراً معتاداً في كثير من البلدان، حسبما يظهر من تقارير منظمة العفو الدولية التي توضح أن الدول إنما تلجأ للتعذيب، في محاولة منها للقضاء على معارضيها السياسيين، حتى أصبح التعذيب عملاً روتينياً من أعمال جهات الأمن، بدأ بالاعتقال الفجائي ليلاً وإطالة ساعات التحقيق بغية إرهاق المعتقلين، إلى الاغتصاب وتدبير الحوادث المميتة بشكل غامض، واستخدام العقاقير الطبية من أجل التسلل إلى ذاكرة، المتهم، بما يعد انتهاكاً لحقه في الخصوصية، بوصفه أحد الحقوق المتفرعة عن حقه في المساواة مع غيره من البشر، بما هم بشر، دون التفات لأي معيار آخر في الاحتفاظ بمكنونات نفسه. ولقد ساعدت التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة في جعل كثير من الناس في دائرة الاتهام؛ وبالتالي أمكن تعريضهم للعنف بصور مختلفة. ومرجع الأصل التاريخي لإمعان المحقق في تعذيب المتهمين، هو ممارسة هذا العمل من قبل المحقق على نحو التعبد للأباطرة الرومان، بوصفهم ممثلين للآلهة، ولما كان يبذله هؤلاء من عطايا سخية للمحقق الذي يتمكن من انتزاع اعتراف من المتهم، خصوصاً إذا كانت التهمة من قبيل العيب في الذات الملكية. وكانت أوروبا، بشكل عام، تجيز التعذيب خصوصاً في الجرائم الدينية بسبب سيطرة الكنيسة. ولم تكن بريطانيا تسمح بالتعذيب؛ لأنها كانت تنتهج سياسة مستقلة عن الكنيسة، ومع ذلك فقد مورس التعذيب واقعاً في بريطانيا في الجرائم ذات الطابع الديني وجريمة الخيانة العظمى. ثم هبت رياح التغيير على يد الفيلسوف فولتير في فرنسا، حيث أدان التعذيب، وشايعه في ذلك الفيلسوف بيكاريا في إيطاليا الذي اعتبر التعذيب عقوبة توقع على المتهم قبل الحكم عليه بما يعد تطويحاً بالنظام القضائي كله. ولقد أدى تأثير كلام فولتير وبيكاريا إلى منع التعذيب في بروسيا سنة 1740م وفي فرنسا سنة 1789م... وسرعان ما لحقت بلدان أوروبية أخرى بذلك النهج بحيث منعت التعذيب.

ومع بداية القرن التاسع عشر، ويمكننا القول أو بالأحرى الادعاء بأن التعذيب الذي هو طريقة غير إنسانية في التعامل مع البشر، قد انتهى، ورغم ذلك وحتى هذا اليوم هناك الكثير من المناطق في العالم يحصل فيها شكل من أشكال التعذيب. رغم إدانة المجتمع الدولي للتعذيب واعتباره جُرماً يُرتكب في حق الكرامة الإنسانية؛ لما يمثله من انتهاك أساسي لحقوق الإنسان، وأهمها حقه في الأمن الفردي وهو حقه في سلامة جسمه كفرع عن حقه في المساواة مع سائر البشر بما هم بشر، كما حرم القانون الدولي التعذيب تحريماً قاطعاً أياً كانت الظروف، ولقد بذلت جهود دولية جبارة لمكافحة التعذيب تمثلت في المعاهدات الدولية، ومنها اتفاقية جنيف للعام 1976 والخاصة بالحقوق المدنية والسياسية التي حرمت التعذيب، وكل صور المعاملة القاسية، وحددت الأمم المتحدة في مشروع اتفاقية دولية لمناهضة التعذيب المقصود به والشخص القائم به، بشكل تفصيلي، وقد تم بالفعل اعتماد هذا المشروع كاتفاقية دولية في ديسمبر/ كانون الأول 1984 التي انضمت إليها البحرين بموجب المرسوم رقم (4) لسنة 1998 المعدل بالمرسوم رقم (34) لسنة 1999. وقد ورد تحريم التعذيب في ميثاق منظمة الدول الأميركية للعام 1959 والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان للعام (1981). كما نصت معظم دساتير الدول، إن لم نقل كلها، على تحريم التعذيب. ومن هذه الدساتير الدستور البحريني الذي نص في المادة (19/د) منه على التالي: (لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو الإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها). ثم جاءت المادة (21/د) مؤكدة على حظر التعذيب فنصت على ما يلي: (يحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً). وهو ما أكده ميثاق العمل الوطني البحريني للعام 2001 في الفقرة 1 من البند ثانياً من الفصل الأول منه. ويقصد بالتعذيب، كما عرّفته المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب التي دخلت حيز التنفيذ في 26/6/1987م، بأنه (أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أو عقلياً يلحق عمداً بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن في ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية، أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها).

فالتعذيب يرتبط ارتباطا وثيقاً بالمتهم والجريمة والتحقيق الذي غايته اكتشاف فاعل الجريمة الحقيقي وجمع الأدلة على ارتكابه الجرم وتقديمه للمحاكمة. وللتحقيق أصول لا تعدو كونها إجراءات قانونية تخول المحقق جمع الأدلة وتحديد هوية الفاعل. وقد وضعت تلك الإجراءات القانونية لضمان سلامة التحقيق من جهة ولضمان سلامة المتهم من جهة ثانية، إلا أن الأخطار تحيق بكليهما من جراء حصول بعض الممارسات الشاذة في كثير من البلدان، والتي ترمي إلى اختصار الطريق القانونية بأن ينصب التحقيق بكل قوته على شخص المتهم لاستخلاص الإقرار منه، وكأن الإقرار هو الغاية من التحقيق، وكأنه كافٍ بحد ذاته لتأييد الاتهام ولإدانة المتهم! ولكن إذا أمعنا النظر في طبيعة الإقرار وجدنا أنه لا يشكل سوى دليل من بين الأدلة الكثيرة التي يجب أن يؤيد بها الادعاء. وقد وضع العلم الحديث الوسائل الفنية الكافية التي تمكن من اقتفاء آثار المجرمين وجمع الأدلة بحقهم دون المساس بسلامتهم وتعذيبهم لجبرهم على الإقرار، فكم من إقرار كاذب أضاع آثار المجرم الحقيقي وقاد القضاء إلى أخطاء قانونية وإلى الحكم على الأبرياء؛ إذ إن الذين يرغبون في أن يكونوا شهداء، نادراً ما يعترفون أو يكشفون عن أي شيء من مكنوناتهم بالإكراه، وعلى العكس من ذلك، كان آخرون قد عُرف عنهم أنهم يعترفون بأي جريمة ويقدمون أي معلومات عندما يخضعون للتعذيب. ولذلك فعلى القاضي الجنائي ألا يقابل اعتراف المتهم بالترحاب والقبول، بل عليه أن يقابله بغاية من الحيطة والحذر والاحتراس، فالاعتراف بالجرم يورد صاحبه موارد الهلكة، وليس من طبائع البشر وغرائز الإنسان السوي أن يُقبل على موارد الهلاك طائعاً مختاراً، كما أن المتهم نادراً ما يعترف بوازع من الندم أو تأنيب الضمير. فالإقرار ليس كل شيء، وإن الأهمية التي تعطى اليوم للإقرار من قبل البعض ليست سوى من آثار ذلك الماضي القاتم حيث كان الإقرار يشكل الطريق المثلى لإثبات التهمة

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"

العدد 3431 - السبت 28 يناير 2012م الموافق 05 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:07 ص

      أنت من نثق بك

      أنا واحد من المعذبين ابارك على خهودكم الجبارة و وقوفكم بجانب المظلومين.

    • زائر 5 | 3:35 ص

      الغاية لا تبرر الوسيلة

      اذا كانت الغاية الحصول على دليل لفعل قام به أو لم يقم به متهم. فهو متهم لم تثبت ادانته بعد. فهل الاتهام دليل إدانة؟
      الحصول على المعلومة معروف بالسؤال والتحري والدراسة.... فما العلاقة التي تربط التعذيب بالمعلومة ؟؟؟

    • زائر 3 | 1:31 ص

      بارك الله مساعيك

      لا أملك سوى أن ادعو لك بكل توفيق

      وأسأل أين هم زملاء المهنة الا يعنيهم الامر ؟

      لكن كما هو واضح فعمل الخير توفيق لا يناله الا من اراده وسعى له واخلص فيه وله

      أسأل الله لك كل خير وتوفيق وبارك الله لك فيما أعطاك

    • زائر 1 | 11:39 م

      للاسف

      زللاسف بكل دولنا العربيه التعذيب موجود بكثرررررررره

      ولا يطبق ديننا الاسلامي الي حرم التعذيب
      و يجب الاقتداء برسول الله ص

      وللاسف الغالبيه يجهلون سلبيه التعذيب

اقرأ ايضاً