العدد 3433 - الإثنين 30 يناير 2012م الموافق 07 ربيع الاول 1433هـ

تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف (3-3)

عبدالله الشملاوي comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

صفوة القول إن أمر التحقيق في الجرائم دقيق جداً، إذ يقتضي إقامة توازن دائم بين الوسائل الرامية إلى المحافظة على المجتمع بالكشف عن الجرائم ومعاقبة مرتكبيها وحقوق الأفراد في صيانة حريتهم وكرامتهم. وضمانة هذا التوازن تتوافر في الآتي:

1 - سن القوانين التي تحرم التعذيب وتجرمه، وقد ذكرنا مجموعة من تلك النصوص التي حرمت التعذيب وجرمته، ولا ننسى أن نشير في هذا الخصوص إلى نص المادة (208) من قانون العقوبات البحريني والتي تنص على أنه: «يعاقب بالسجن كل موظف عام استعمل التعذيب أو القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها.

وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا أفضى استعمال التعذيب أو القوة إلى الموت». وجريمة التعذيب، كأي جريمة يتطلب لقيامها عدد من العناصر، منها مادي وهو النشاط الإجرامي للفاعل والنتيجة التي استهدفها، والعلاقة السببية بين النشاط والنتيجة. وجانب معنوي، ويقصد به الصلة بين إرادة الجاني والجانب المادي لجريمته، وهو القصد الجنائي. ويضيف المشرع عناصر أخرى في البنيان القانوني لجريمة التعذيب، فإن تخلف أحدها امتنع قيام الجريمة.

ومن تلك العناصر الخاصة، كون الجاني موظفا عموميا، وكون المجني عليه متهما، فإذا لم يكن الجاني موظفا عموميا، كنا أمام جريمة اعتداء على جسم الغير، وكذلك الحال إن لم يكن المجني عليه متهما.

ويعتبر فاعلا أصليا من قام بالتعذيب ومن أمر به، أو أذن به على رغم عدم اتصاله بفعل التعذيب ذاته، وخصوصا إذا صدر الأمر والأذن أمام المجني عليه، فإنه برؤيته أو سماعه الأمر بالتعذيب أو الأذن به، أكثر ترويعا من التعذيب نفسه وأشد وطئا عليه وإرهابا له؛ باعتبار أن التعذيب أو التهديد به إنما يقصد به حمل المتهم على الاعتراف بما نسب إليه أثناء التحقيق معه، ورجل السلطة، في عدوانه على الأفراد، بتعذيبهم أو بتهديدهم أو إغرائهم، لحملهم على الاعتراف بما يريد، يدرك مدى سطوته المستندة إلى سلطته ويستثمر علاقة الخضوع من الأفراد تجاه السلطة، دون أن يملكوا حيال بطشه دفعا ولا منعا، وخصوصا إذا كان المجتمع يعيش ثقافة الخوف؛ لأن الجاني يستثمر سلطة وظيفته وسطوتها أسوأ استثمار فيما ينطوي عليه سلوكه من اعتداءات على حقوق فردية ومصالح قانونية تبدأ بمصادرة حق الفرد في صيانة مكونات نفسه وفي سلامة جسمه وحياته، وحقه في الدفاع عن نفسه، وتصل إلى تضليل العدالة باعتراف كاذب قد ينزله القضاء منزلة الصدق، ثقة منه في حيدة الإدارة العامة ونزاهتها وهو افتراض قد لا يكون له واقع!

والأمر بالتعذيب بطريق الترك أو الامتناع، هو أكثر الفروض وقوعا في العمل، فإذا وقع التعذيب على المتهم لحمله على الاعتراف من موظف أمام رئيسه في العمل أو اتصل بعلم ذلك الرئيس، ولم يأمر مرؤوسيه بالكف عن تعذيب المتهم، فإن الرئيس يكون هنا قد عبر عن إرادته بتعذيب المتهم لحمله على الاعتراف، وذلك هو جوهر الأمر بالتعذيب المحرم شرعا والمنهي عنه من قبل المشرع الدستوري والمواثيق العالمية، والمعاقب عليه من قبل القوانين بوصفه جناية عقوبتها السجن مدة طويلة، فضلا عن العقوبات التبعية.

2 - إيجاد جهاز للشرطة القضائية واثق بمقدرته العلمية والفنية والبشرية وقادر على فرض وجوده مع احترام حقوق المواطنين؛ إذ تفتقر أجهزة الشرطة، في الغالب، إلى العناصر ذوي الثقافة العلمية العالية والتخصص، كما أنها - أي أجهزة الشرطة - تفتقر إلى المختبرات العلمية المتطورة وإلى أدوات الاتصال السريع، وإلى التخطيط في مكافحة الجرائم والوقاية منها. فجهاز الشرطة الذي يعتمد على مقدرته الفنية في وقاية المجتمع من الإجرام وملاحقة المجرم لا يرى نفسه مضطرا إلى اللجوء سوى للأساليب العلمية والقانونية للقيام بمهماته وتتبع آثار المجرم وجمع الأدلة بحقه في ضوء الشرعية الإجرائية. وإن تهيئة جهاز الشرطة ليكون على مستوى المسئولية يتطلب رفع ملكاته وتجهيزه بصورة فنية وتمكين العناصر الصالحة والمختصة من دخوله؛ فلكي تكون للشرطة فاعليتها وتجد المساندة من قبل المواطنين يجب أن تكون محترمة منهم، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا عن طريق الاحترام المتبادل، أي عندما يشعر المواطن بأن الشرطي يحترمه ويسهر على أمنه وسلامته بكل جد وإخلاص ويجد لديه كل مساعدة ممكنة، عندئذ يبدأ المواطن باحترام الشرطي ومعاونته في أداء رسالته، وهي صيانة أمن وسلامة المجتمع وفقا لمقتضيات القانون الذي يسود الجميع.

3 - ضمان السماح بالاتصال بالسجناء أو الموقوفين. فكثيراً ما يقع التعذيب عندما يكونون محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي وغير قادرين على الاتصال بمن يستطيع مساعدتهم أو معرفة ما يحدث لهم. ومن ثم يتعين الكف عن ممارسة احتجاز السجناء أو الموقوفين بمعزلٍ عن العالم الخارجي. وينبغي أن يضمن مثول جميع السجناء أو الموقوفين أو المعتقلين أمام هيئة قضائية مستقلة عقب احتجازهم، وذلك دون إبطاء، والسماح للأقارب والمحامين والأطباء بحق الاتصال بالمحتجزين فور احتجازهم، وبصفة دورية أثناء احتجازهم.

4 - عدم احتجاز المعتقلين في أماكن سرية، إذ يحدث التعذيب في الغالب في الأماكن السرية، وفي كثير من الحالات يعقب ذلك الإعلان عن «اختفاء» الضحايا! ولذا يجب أن يضمن عدم احتجاز السجناء أو الموقوفين إلا في أماكن احتجاز معترف بها رسمياً، وأن تُقدم على الفور معلومات دقيقة عن اعتقالهم ومكان احتجازهم لأقاربهم ومحاميهم وللمحاكم. وينبغي توفير وسائل قضائية فعالة في جميع الأوقات يمكن من خلالها لأقارب السجناء ومحاميهم أن يعرفوا على الفور مكان احتجازهم والسلطة التي تحتجزهم ولضمان سلامتهم من أي عسف.

5 - توفير الضمانات الكافية أثناء الاحتجاز والاستجواب، فيجب أن يُحاط جميع السجناء والمعتقلين والمحتجزين علماً بحقوقهم على الفور، ومنها حق التقدم بأي شكوى من معاملتهم والحق في أن يبت قاض، دون تأخير، في قانونية احتجازهم. ويجب أن يحقق القضاة في أي دليل على وقوع تعذيب وأن يوصوا النيابة العامة بملاحقة من وقع منه فعل التعذيب بالمعنى الواسع لهذا المصطلح وأن يأمروا بالإفراج عن السجين إذا كان احتجازه غير قانوني. وينبغي أن يحضر محام مع المحتجز خلال الاستجواب وألا يقتصر حضور المحامي مع المتهم على مرحلة المحاكمة كما يرى بعض الفقه التقليدي المبني على القراءة السياسية لنصوص القانون، بما يوائم هوى السلطة التنفيذية؛ إذ قد تفوت على المتهم، بسبب عدم تمكينه من إحضار محاميه الذي اختاره أو ارتضاه، أمور لا يمكن تداركها بعد ذلك. كما ينبغي على الحكومات أن تضمن توافق ظروف الاحتجاز مع المعايير الدولية لمعاملة السجناء. ويتعين أن تكون السلطة المسئولة عن الاحتجاز منفصلة عن السلطة المسئولة عن الاستجواب، وأن يقوم مفتشون مستقلون بزيارات دورية غير معلن عنها مسبقاً ودون قيود، لجميع أماكن الاحتجاز، تفاديا لافتعال مظاهر توافق القانون بخلاف الحقيقة.

6 - وإلى جانب جهاز الشرطة القادر لابد من وجود قضاة مستقلين أكفاء واثقين من أنفسهم ومن عملهم حريصين على جعل شخصيتهم وحكمتهم ومواطنيتهم خير حام للمجتمع وللحرية الفردية.

7 - لابد من وجود رقابة على أداء جهاز الشرطة لعملهم والتزامهم بالقانون، فلا تكفي القوانين وحدها لمنع التعذيب أو للقضاء على ظاهرة تعذيب المتهمين. كما ينبغي، وعلى وجه السرعة، التحقيق في دعاوى التعذيب، وذلك بإجراء تحقيق نزيه وفعال في جميع شكاوى التعذيب، تتولاه هيئة مستقلة عن الجهات المتهمة بارتكاب التعذيب. كما ينبغي الإعلان عن الوسائل والخطوات المتبعة في هذا التحقيق وعن النتائج التي يتمخض عنها، عملا بمبدأ الشفافية الذي صار معيارا للتمدن عند الأمم. وينبغي وقف المسئولين المشتبه في ارتكابهم للتعذيب عن القيام بواجبات عملهم خلال التحقيق. ويتعين توفير الحماية للمتظلمين وذويهم، والشهود، وغيرهم من المعرضين للخطر كأفراد أو منظمات المجتمع المدني ذوي الاهتمام، من أي ترهيب أو أعمال انتقامية قد يتعرضون لها. وإذا ما أظهرت التحقيقات مسئولية المشتبه في ارتكابهم لأعمال التعذيب؛ فلابد من تقديمهم إلى المحاكمة. وهذا المبدأ ينطبق أياً كان المكان الذي وقع فيه التعذيب وأياً كان أشخاص مرتكبيه أو وضعهم، أو شخص الضحية، ودون اعتبار للوقت الذي انقضى على ارتكاب الجريمة؛ إذ لا يجوز أن تسقط بالتقادم؛ لأنها جريمة خصها المشرع الدولي والوطني بمعالجة خاصة؛ نظراً لطبيعة وماهية تلك الجريمة وبعدها الإنساني الذي شكل تهديداً للأمن الاجتماعي؛ ما اقتضى أن تكون هذه الجريمة جناية دائما وخارجة عن قاعدة السقوط بالتقادم لأنها - وكما صرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان - بأن التعذيب وصمة عار على جبين الإنسانية؛ وعليه فإن حق كل من تضرر من إجراءات أو تصرفات جاءت بالمخالفة للنصوص الدستورية والقانونية والمواثيق الدولية سالفة الذكر، في مقاضاة من خالف الدستور والقانون والمواثيق الدولية، وأن لذلك المضرور حقاً مكفولاً قانوناً، ولا يسقط بالتقادم، وليس مشمولاً بمرسوم العفو أو بالأحرى بالتفسير السياسي لذلك المرسوم، وإن أي تفسير آخر لهذا النص يعد تعديلاً له تحت ستار التفسير، وإذا رفضت النيابة تلقي الشكوى، أو التحقيق فيها، عملاً بالمرسوم المذكور، أو بالأحرى بالتفسير السياسي له، وتبعتها المحاكم الجنائية في التظلم من قرار النيابة، بعدم قبول الشكوى أو حفظها، فلا أقل من رفع دعاوى للمطالبة بالتعويض على من باشر التعذيب أو أمر به أو سكت عن الأمر به أو مباشرته أو النهي عنه، مع إدخال الدولة في الدعوى على أساس مسئولية المتبوع عن أفعال تابعة، فإذا أعيت المدعين الحِيَل، واستغلقت عليهم السبل من جانب القضاء المدني الوطني، فلهم أن يبتغوا إلى القضاء الدولي سبيلا، ولو من باب إيجاد الضغط الإعلامي، الذي هو اليوم أمضى سلاحاً بيد من اكتووا بنار التعذيب

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"

العدد 3433 - الإثنين 30 يناير 2012م الموافق 07 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:48 ص

      العلة والمعتل!

      الادلة والبراهين للاثبات ممتازة و الحجة البينه أبلغ!

      ماذا أصاب القانون لينقص ويلغي الحق؟ الا يعلم سيادة القانون ان أساس مادته التى رسمة في الدستور هو الحق وليس للهوى سلطان عليها.
      ولماذا يفسر القانون، الم يرسم صحيحاً في الدستور؟. أم أصبحت القوانين كالاحلام والظواهر الطبيعية تحتاج من يفسرها ويعرف بها لكي تبين..
      فتحريف الكلم عن مواضعه فعل تام غير منقوص أدى الى التسفير و قام على التفسير وليس على المعنى والمعني، والذي تجلى واضح..؟

    • زائر 3 | 9:06 ص

      اقتراح

      اقترح تنظيم حلقة نقاشية يتم فيها مناقشة ما كتبته يحضرها قانونيون ومشتغلون بالشأن السياسي والخروج برؤيا واضحة للقارئ والمسؤول

      شكرا لك

    • زائر 1 | 12:14 ص

      خير الكلام ما قل ودل

      مواضيعك حليوة بس مقالاتك واجد طويلة
      يبي لي نص ساعة حق أخلص قراءة الواحد منهم

اقرأ ايضاً