العدد 3436 - الخميس 02 فبراير 2012م الموافق 10 ربيع الاول 1433هـ

(6) عبدالكريم العليوات يتذكر... دور النخبة وظروف تأسيس حركة الهيئة في 1954

عبدالكريم العليوات
عبدالكريم العليوات

الزمن لا يشيخ؛ وخصوصاً للذين هم شاهدون عليه. هم يمثلونه في أكثر من قلب وحس إضافي في اللحظات الفارقة والحاسمة. هم ثرمومتر الزمن. البعض يريد للزمن أن يشيخ ويهرم ضمن شروطه واصطفافه أو حتى مزاجه. ذلك لن يحدث؛ لأن الزمن ليس أجيراً عند أحد بالمياومة أو براتب مقتطع يحدده صاحب مزاج أو وهم.
عبدالكريم العليوات واحد من شهود مرحلة فاصلة امتدت منذ منتصف القرن العشرين وشهد أحداثاً وتحولات.
وحين يتذكر هنا لا ليذهب في السرد، بقدر ما يذهب في محصلات ذلك السرد. يواصل عبدالكريم العليوات حديث الذكريات.

كانت البداية فتنة طائفية بدأت بالهجوم على مواكب العزاء في المنامة في 20 سبتمبر / أيلول 1953، لكن النخبة البحرينية من الشيعة والسنة تمكنت من إخمادها، عندما حل المحرم في 1954 بدا واضحاً أن الفتنة الطائفية انتهت، لكن النخبة التي أخمدتها ازدادت قوة، وأصبحت الآن في موقع يؤهلها لقيادة عمل وطني جمع شمل كل البحرينيين حول أهداف واحدة.


البيئة السياسية في مطلع الخمسينات


ابتدأ عقد الخمسينات وكأن البحرين تتحوَّل من حال إلى حال، ففي هذا العقد شهدت البحرين تحولات اقتصادية وتوسعاً في الأسواق واتساعاً في التجارة والانفتاح على العالم، والتفاعل مع أحداث الوطن العربي وخاصة الثورة المصرية (23 يوليو / تموز 1952)، ودعم جمال عبدالناصر حركات التحرُّر العربية، وبروز الحركة القومية العربية وتأثيراتها على الوطن العربي، وكذلك التأثيرات الكبيرة لإنشاء الكيان الإسرائيلي على نمو الوعي العربي المقاوم للاستعمار والمطالب بالحرية والاستقلال والديمقراطية.
لقد كانت البحرين تعيش هذه الأجواء، وتتفاعل مع محيطها العربي؛ لكن في المقابل كان المجتمع البحريني من خلال قواه الفاعلة يتطلع إلى الحرية والاستقلال والديمقراطية على الصعيد الداخلي، وكان مطلع الخمسينات يشير إلى وجود حركة اجتماعية سياسية وإن لم تتبلور بعدُ وتأخذ زمام المبادرة، وتعبِّر عن التطلعات الشعبية نحو الاستقلال والحكم الرشيد، وتتجاوز التشرذم الطائفي.
وكما يقال، ربَّ ضارة نافعة، فالأحداث الطائفية التي حدثت في العام 1953 مهَّدت الطريق لقيام حركة الهيئة في العام 1954 والتي مثلت مختلف أطياف المجتمع، كما عبَّرت عن رغبة وتطلعات المجتمع في نيل الاستقلال والمشاركة الشعبية في القرار السياسي على أسس حديثة تتمثل في قيام مجلس تشريعي معبِّر عن الإرادة الشعبية.
وفي ظل المحاولات الحثيثة لوأد التحرك الشعبي الوطني العام، لعبت بعض الجهات على الوتر الطائفي بهدف شق المجتمع، وكان ذروة ذلك خلال عاشوراء؛ إذ حاول عدد من المغرضين إشعال الفتنة الطائفية باستهداف المواكب الحسينية في المنامة. لكن الشخصيات الوطنية الحريصة على وحدة هذا الوطن أفشلت هذا المشروع، وتنادت إلى تجاوز هذا الوضع.
توالت الأحداث، وكان دور النخبة الشيعية والسنية رياديّاً، وكان والدي (عبدعلي العليوات) مع آخرين مثل عبدالعزيز الشملان، عبدالرحمن الباكر، الحاج عبدالله أبوديب، سيدعلي كمال الدين، إبراهيم بن موسى، إبراهيم فخرو، محسن التاجر)، في مقدمة الأحداث المحورية.
بعد إخماد الفتنة الطائفية... جاء إضراب السواق
بعد ان تمكنت النخبة من إخماد الفتنة الطائفية التي اندلعت في 20 سبتمبر / أيلول 1953، تمكنت أيضاً من حل مشكلة وطنية أخرى بعد عام من الفتنة... ففي 24 سبتمبر 1954 أضرب سواق التاكسي احتجاجاً على إجراءات جديدة، وتمكنت النخبة من حل الإشكال عبر تأسيس صندوق التعويضات التعاوني لحل أزمة التاكسي والتأمين على السيارات... وفيما يأتي تفصيل ذلك.
في تلك الفترة؛ بدا وكأن الشعب كتب عليه ألا يهنأ ولا يستريح بل يعيش مطارداً ومهمشاً ومشرداً وشاكراً وصامتاً، لكن كانت هناك رسالة واضحة نحو الوحدة الوطنية والتلاحم بين جميع مكونات الشعب، وهذه الرسالة أرادت القوى الوطنية بطائفتيها الكريمتين إيصالها إلى الحكومة في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الوطن.
غير أن هذا الهدوء والسلام الذي عاشه الوطن لفترة وجيزة جدّاً لم يرق لأحد ممن ذكرت. وخصوصا عندما خرج أبناء الطائفتين الكريمتين في مواكب عاشوراء صفّاً واحداً، صوتاً واحدا، شعاراً واحداً لا اختلاف فيه والأجمل والأكمل من ذلك تحت قيادة واحدة اذكر من ضمن (الشيلات) في العزاء: «عباس حامل اللواء... الشيعي والسني سوا».
وهكذا ما عكر الأجواء هو قرار فرضت الحكومة بموجبه عقود تأمين على السيارات بأسعار مرتفعة. وفرضت الحكومة التأمين على أصحاب التاكسي. فكانت ردة فعلهم بقوة القرار، فأضرب سواق التاكسي والباصات والشاحنات عن العمل مند منتصف ليلة 24 سبتمبر/ أيلول 1954م، مطالبين برفع الظلم عنهم معلنين تمردهم على أي قرار جائر.
وكأن القرار الحكومي فجر فيهم إرادة التحرك للمطالبة بحقوقهم وقد انحصرت مطالبهم حينها في الآتي: «تعديلات في مسألة التأمين الإلزامي والمعدلات العالية لذلك، والأجور المفروضة على السيارات التجارية التي تستعمل جسر المحرق، والغرامة المفروضة على السائقين بالإضافة إلى السجن لمن يتسبب في إحداث جروح بسبب السياقة المتهورة».
وكان من مطالبهم كذلك «السماح بتكوين نقابة لسائقي التاكسي، وطرح خطة حكومية للتأمين».
الجمهور لم يكتفِ بالاضراب انما أراد ايصال صوته صرخة مدوية مطالبة بحقوقه وترجم احتجاجه عبر أساليب كانت محل نقاش، مثل نثر المسامير في الشوارع وتكسير القناني الفارغة ورميها في الشارع، وطالبوا باستصدار قانون جديد للتأمين، واستمر هذا الاضراب لمدة أسبوع كامل.
شكل هذا الاضراب التحرك الاجتماعي الأبرز للحركة المطلبية في 1954، اذ جمع كل الأطياف تحت مطالب واحدة. وبعد ذلك جاء تحرك العمال والطلاب ورجال الدين والتجار وكل من يعنيه الوطن واستقراره، حيث شملت التحركات مطالب كل فئات الشعب ومعاناته وهمومه ومن دون تكتلات او انتماءات من شأنها اضعاف التحرك وتقهقره.
وأمام هذا الغضب الشعبي والحراك المستمر لم تجد الحكومة بدّاً من الموافقة على انها الاضراب باعطائهم القليل علها تمتص غضبهم وتخمد ثورتهم فأصدرت قراراً بالسماح لأصحاب السيارات تكوين صندوق مؤقت يشكل المساهمة فيه بديلاً للتأمين طرف ثالث.
الإلتقاء بسمو الحاكم في الرفاع
في البداية، كانت هناك تحركات شعبية تحاول الذهاب إلى مقر الحاكم في الرفاع لعرض مطالبها على سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. ولأن المسافة طويلة من المنامة الى الرفاع فحاول المتظاهرون الذهاب بالباصات. إلا أن الباصات مُنعت من التحرك، في هذا الوقت قام الوالد بسياقة أحد الباصات بدلاً من سائقه الأصلي، وقال للمتظاهرين تفضلوا يا جماعة فامتلأت السيارة فذهب بهم الى الرفاع لمقابلة سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.
وبمجرد وصولهم الى الرفاع قال لهم سمو الحاكم مخاطباً «أعرف يا جماعة ماذا لديكم وماذا تريدون»، فسأله المتظاهرون ماذا لدينا؟ فقال: «أعرف انكم جئتم الى هنا لعرض مشاكل البلد ونحن مهتمون بمشاكل الناس وقضايا البلد التي يعاني منها, ونسعى قدر الإمكان الى حلها».
في هذه الأثناء طلب سمو الشيخ سلمان من الوالد والذين معه من الجمهور أن يجلسوا معه، فجلسوا، فقدم اليهم واحداً واحداً كأساً من حليب الجمال، وطلب منهم أن يشربوه، وبعد ذلك سيتم الاستماع لمطالبهم، والمشاكل والقضايا التي جاءوا من أجلها.
وبالفعل شربوا الحليب واستراحوا قليلاً ودار حديث عابر بين الشيخ والحاضرين ولم يتم التطرق الى المشاكل التي جاءوا من أجلها، والسبب في ذلك - بحسب الوالد - يعود الى طريقة استقبال الشيخ سلمان للمتظاهرين، والتي أنستهم طرح مشاكلهم، كما يعود الى إقناعهم بأنه سيقوم بمتابعة ما جاءوا من أجله.
كما حدث شيء من هذا القبيل بين سمو الشيخ سلمان بن حمد مع بعض أعضاء الهيئة، مثل الحاج عبدالله ابو ديب، وابراهيم بن موسى، ولم يكن معهم الوالد، حيث ذهبوا الى الرفاع لعرض بعض المشكلات العالقة، فأجلسهم واستضافهم كتقدير من قبله لهم.
النخبة تحل أزمة السواق
ولنعد الآن لاستكمال ما بدأناه عن القرارات الجائرة وردود الأفعال الشعبية بموافقة الحكومة على إصدار قرار بالسماح لأصحاب السيارات تكوين صندوق مؤقت تشكل المساهمة فيه بديلاً للتأمين طرف ثالث.
ونظراً إلى عدم ثقة الناس بالمستشار آنذاك وعجز الحكومة عن حل المشكلة تصدت النخبة السياسية للمشكلة، حيث اقترحوا تأسيس شركة أهلية مساهمة من قبل أصحاب السيارات لتأمين سياراتهم. وكان هذا المقترح بداية لحل الأزمة. ونتج عن ذلك تأسيس صندوق التعويضات.
كان هذا الصندوق بمثابة قارب النجاة لمن أوشك على الغرق بحيث وفر للعاملين الكثير من خدمات التأمين المتطورة جدا، وهو انجاز مهم يحسب للمعارضة فهي لا تعارض فقط وانما تضع الحلول والبدائل أيضا. ولذلك كان الاقبال على الاشتراك في صندوق التعويضات كبيراً جدّاً وابتعد الناس عن شركات التأمين الاجنبية ما حدا بتلك الشركات تقديم شكوى إلى المستشار البريطاني بلغريف طالبين منع هذا المشروع. ولكن ثقة الناس بالنخبة أدت إلى ظهور الصندوق بشكل قوي، والباكر أصبح رئيساً للصندوق.
ودائماً الرشوة هي خيار البعض لشراء الذمم حيث حاولت إحدى شركات التأمين الأجنبية مساومة عبدالرحمن الباكر باعتباره رئيس الصندوق بإعطائه خمسين ألف روبية (خمسة آلاف دينار) رشوة، لكن الباكر رفض، وتطورت الأمور بعد ذلك بشكل مفاجئ...
ظل راس مال الصندوق ورقة ضغط وتعجيز حيث طالب بلغريف القائمين على الصندوق بتوفير مبلغ قدره 50 ألف روبية وإيداع هذا المبلغ ضماناً باسم الحكومة في أي مصرف. نجحت النخبة في جمع أربعين ألف وخمسمئة روبية وتفضل بعد ذلك الوجيه خليل كانو (أحد المتحمسين لتأسيس الصندوق آنذاك) بدفع خمسمئة روبية لإكمال الضمان المطلوب.
وبحسب قراءاتي لقوانين العمل في الصندوق؛ فإن القانون الأساسي للصندوق يقوم على الآتي:
«كل من يؤمِّن عربته (مركبته) ويدفع قسط التأمين يعتبر شريكاً في هذه المؤسسة وله حق في الأرباح. وكل من يدفع الاشتراك من السواق ومن أصحاب العربات يعتبر مؤمَّناً عليه ضد العجز وضد الشيخوخة والمرض».
ولا يمكننا أن نغفل هنا المسألة التنظيمية في هذا الموضوع؛ فبمجرد إعلان تأسيس الصندوق، بادرت النخبة بإصدار بطاقات اشتراك لجمع رأس المال، وخلال سنة واحدة تمكن الصندوق من إرجاع كامل الأموال التي دفعت في تأسيسه.
إن هذه التجربة الرائدة هي عمل شعبي بامتياز منه واليه هو المؤسس وهو المستفيد أولاً وأخيراً.
بقي المستشار يتتبع تحركات النخبة بكل غروره على أمل القضاء على تحركاتهم الوطنية التي لا تروق له ولا تتماشى مع أطماعه، فما أن علم بأن الباكر يعقد اجتماعات في مقر الصندوق (هذا بحسب ما وصل إليه) حتى هدده بسحب الجواز البحريني معللاً بأنه قطري الأصل.
... وهكذا تأسست «الهيئة التنفيذية العليا»
استشاط المستشار عضباً على الباكر وقرر سحب جنسيته، بحجة أنه من قطر، لكن في 6 أكتوبر / تشرين الأول 1954 نظمت النخبة احتجاجاً على ذلك وساندهم الناس، وتجمعوا في «مسجد خميس» في المنامة، وأعلنوا رفضهم سحب جنسية عبدالرحمن الباكر ودعوا الى اجتماع في السنابس في 13 اكتوبر 1954، وكان الوالد مع باقي الشخصيات الوطنية قد أعدوا خطة أعلنوها في «مأتم بن خميس» في السنابس، إذ تم إعلان تأسيس «الهيئة التنفيذية العليا» من ثمانية أشخاص (4 شيعة و 4 سنة) مع مساندة كل فئات المجتمع، وأعلنوا اجتماعاً آخر في 16 أكتوبر 1954 في مسجد مؤمن، وثم اجتماع آخر في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 في جامع العيد.
هكذا اذن، وفي 13 أكتوبر 1954، انطلقت الهيئة من خلال عدَّة اجتماعات لشخصيات وطنية حريصة على وحدة المجتمع، وكذلك لتفويت الفرصة على دعاة الطائفية، بل والمساهمة في حل قضايا وطنية عملية كبرى مثل التأمين على السيارات،
في ظل هذه الأجواء نشأت الهيئة التنفيذية العليا (تغير اسمها لاحقاً الى هيئة الاتحاد الوطني كما سيأتي ذكره في حلقة مقبلة)، ودحرت النخبة الوطنية محاولات البعض لإحداث فوضى في المواكب الحسينية، وقد حدث ذلك بالفعل في منطقة بالمنامة تسمى الباغشة، ومن جراء ذلك حدثت فوضى في البلاد وكادت أن تتحول إلى حرب بين الطوائف والمذاهب؛ إلا أن حكمة العقلاء من الشيعة والسنة حولت الأحداث الطائفية إلى وفاق وطني وحدث سياسي جامع لكل فئات الشعب البحريني.
وحرصاً على الوحدة الوطنية تدخلت شخصيات من الطائفتين أمثال والدي عبدعلي العليوات، عبدالعزيز الشملان، عبدالرحمن الباكر، والحاج عبدالله أبوديب، سيد علي كمال الدين، إبراهيم بن موسى، إبراهيم فخرو، محسن التاجر. وهؤلاء رتبوا للقاء مجموعة من الشخصيات في مأتم بن خميس (أحمد بن خميس) في السنابس لإعلان تشكيل قيادة للهيئة مكونة من ثمانية أشخاص مناصفة بين الشيعة والسنة. وبالمناسبة أصبح الحاج أحمد بن خميس مسئولاً عن جدحفص وتوابعها من القرى. وبتشكيل الهيئة دخلت البحرين والحركة السياسة المطلبية مرحلة جديدة تمثلت في مجموعة من المطالب السياسية وعلى رأسها انتخاب برلمان يمثل الشعب.
بتأسيس الهيئة تمكنت البحرين من تجاوز الطائفية واستمرت الهيئة تقود العمل السياسي الوطني في البحرين مدة سنتين، وكادت أن تحقق مطالب الشعب البحريني.
أعود بكم ثانية إلى الحديث عن تأسيس الهيئة التفيذية العليا. هذا الاسم الذي سبب قلقا وتوترا للمستشار وطالما تساءل لماذا تنفيذية عليا؟ ويبدو أن هذه التسمية قد أرقته كثيرا وجعلته يبذل محاولات مستميتة حتى غير اسمها الى هيئة الاتحاد الوطني (كما سيأتي ذكره لاحقاً) بعد جولات مريرة مع اعضائها وهذا ما سنعرفه فيما بعد.


الجمعية العمومية للهيئة


هناك تضارب بشأن عدد أعضاء الجمعية العمومية للهيئة، فقد أشار الباكر في كتابه إلى أن عددهم يصل إلى 120 عضواً. وهذا ليس صحيحاً؛ إذ إن العدد الحقيقي يقارب مئة عضو، وما ذكره عبدالرحمن الباكر في كتابه «من البحرين الى المنفى» ليس دقيقاً والأعضاء عينوا تعييناً بعد مداولات ومشاورات معهم في مختلف مناطق البحرين.
والملاحظ ان الأسماء التي وردت في كتاب الباكر احتوت أسماء جديدة لم يكونوا أعضاء أصلاً وحذفت أسماء أخرى، ربما عن طريق الخطأ. فعلى سبيل المثال، لم يرد ذكر جعفر محمد أحمد من باربار ولا محمد علي بن ضيف من دمستان، ولا علي بن فردان من كرزكان وآخرين غيرهم.
لقد كانت للباكر علاقات وثيقة حتى أن المستشار والباليوز اعتقدا أن الهيئة هي الباكر وأن الباكر هو الهيئة، ولذلك ركزوا عليه أكثر، في حين ان الهيئة في كثير من محطاتها الحرجة كانت تحت قيادة كل من عبدعلي العليوات وعبدالعزيز الشملان. وعندما غاب الباكر عن الهيئة لفترة من الزمن، استمرت النشاطات طوال مدة غياب الباكر؛ إذ أعلنت الإضراب العام، واستطاعت الهيئة إيصال رأي الناس بشكل فاعل.
شكل قادة الهيئة «هيئة ظل» سرية لتتولى أمر القيادة في حال اعتقالهم، لكن للأسف الشديد أقولها والغصة تخنقني أن شيئاً من هذا لم يحدث، فبمجرد اعتقال قادة الهيئة في نهاية 1956 (كما سيأتي لاحقاً) غابت شخصيات الظل عن المشهد السياسي.
مطالب الهيئة
بتأسيس الهيئة تمكنت البحرين من تجاوز الطائفية التي أرادها من لا يحب لمجتمع البحرين التآخي والتقدم، واستمرت الهيئة تقود العمل السياسي الوطني في البحرين مدة سنتين (من 1954 حتى 1956) وكادت أن تحقق مطالب الشعب. وقد تتابعت التحركات، وأخذت اتساعاً، فقدمت الهيئة مطالبها كما يأتي:
- تأسيس برلمان منتخب من الشعب، ممثلاً للشعب ومعبراً عن إرادته ومدافعاً عن حقوقه.
- وضع قانون مدني وجنائي موحد.
- إنشاء محكمة استئناف تضم في عضويتها قضاة متمرسين في القانون.
- السماح بقيام نقابات عمالية وحرفية ومهنية.
سنستعرض في الحلقة التالية الظروف التي تعرضت لها الهيئة، وكيف تم حلها في نهاية 1956. (يتبع...)
 

العدد 3436 - الخميس 02 فبراير 2012م الموافق 10 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:49 ص

      الوعي في البحرين قديم

      فكيف ونحن الان في 2012 هل يمكن تجاهل طلبات الناس حتى لو كانت فئة قليلة كما يدعي البعض اليس من الحكمة معالجة طلباتهم قبل ان تتفاقم واما الحل الامني فلا يجدي ولا يغطي


      شعب البحرين واعي ومثقف وحضاري وهذه صفته منذ القدم

    • زائر 4 | 4:34 ص

      نشكر الوسط على تسليطها الضوء على هذه البقعة الزمنية من تاريخنا الوطني ... يساري

      اي جركة واي نص لا يمكن قراءته وهضمه بمعزل عن محيطه التاريخي ، بأعتبار ان الحركة والنص هما تاريخيين ، بمعنى انهما وليدين لظروف زمانية ومكانية واحدة في اطار سمات تتحلى وتتصف بها تلك المرحلة الزمنية والمكانية من شروط اقتصادية واجتماعية وثقافية فكرية والتحدي الذي يواجهها هذا الكيان الاجتماعي الزماني والمكاني ، فالتاريخ بشقيه الزمان والمكان ليس فيه جمود بل هو في حركة دائمة وحيوية كونه يخضع لتعريف المادة وقانونها الذي يقول ليس هناك مادة من دون حركة ولا حركة من دون مادة فهما متلازمين لا ينفصلان

    • زائر 3 | 4:32 ص

      شكرا لك

      مقال قيم ورائع, سننتظر الحلقة الثانية منه, لو انك عرضت مقالك ابكر لستفدت منه كثيرا في بحثي الذي يتضمن تاريخ البحرين في هذه الفترة المصيرية..

    • زائر 2 | 3:03 ص

      قراءة التاريخ بموضوعية هو عصب النجاح وتخطينا لأمراضنا التي تتربص بنا لتفتك بجسدنا

      كما يقال ان احد الاختلافات والفروقات التي يتميّز بها الانسان عن الحيوان هي امتلاك الانسان لخبراته التاريخية المتراكمة عبر مسيرته الحياتية والاجتماعية ، كم نحن بحاجة الى الاطلاع على تاريخنا من اجل ان نبني حياتنا ، وكم هو رائع تاريخنا من اجل ان نتخطى ما نمر به من ازمات اجتماعية من دون النقل الميكانيكي لحيثياته ، وفي هذا المجال علينا ان نقرأ تاريخينا بموضوعية وبشكل شمولي ومن جميع جوانبه والظروف المحيطة به داخليا واقليميا ودوليا

    • زائر 1 | 11:34 م

      شكرا لك

      لقد وضحت لنا الكثير مما نجهل فشكرا لك

اقرأ ايضاً