العدد 3437 - الجمعة 03 فبراير 2012م الموافق 11 ربيع الاول 1433هـ

اقتصاد ما بعد الانتفاضات العربية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

منذ بدء الأزمة المالية العالمية في العام 2007 وعالم الفكر الاقتصادي يموج بتحليل ونقد ومحاولة علاج للنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي سبق تلك الأزمة، وقادت بعض تطبيقاته الخاطئة إلى تداعياتها المفجعة.

كان ذلك يتم في البداية من قبل مراكز البحوث والدراسات والكتَّاب المفكرين، وعلى الأخص اليساريين منهم، حتى فاجأنا أعضاء نادي منتجع دافوس السويسري الشهير، وكثير منهم من أعتى المصفِّقين للنظام الرأسمالي المتوحِّش والمسبِّحين بحمد قدسيَّة حريّة الأسواق المطلقة في تنظيم الحياة الاقتصادية عبر العالم كلِّه... فاجأونا بطرح السؤال المفصلي التالي: هل أن الأزمات المالية والاقتصادية التي عانت من جرَّاء ويلاتها كل البشرية، وذلك عبر القرون وبصورة دورية لا تتوقَّف، هل أن تلك الأزمات بسبب ضعف ذاتي موضوعي في النظام الرأسمالي نفسه؟

هل انتقلنا إلى مرحلة الإلحاد والكفر بذلك الإله الذي نصَّبته أوروبا، ومن بعدها أميركا، على عرش الاقتصاد؟ الأيام ستجيب على هذا السؤال. وحتى ذلك الحين، يوم النظر إلى وجه ذلك الربِّ بعيون فاحصة وقلب سليم، تموج كثير من مناطق العالم بخطوات تصحيحية حتى لا تغرق في أمواج محيط الأزمة التي يعيشها العالم كله. والسؤال: هل يفعل العرب ذلك أيضاً وهم من أكثر البشر حاجةً لخطوات تصحيحية؟ دعنا نأخذ أمثلة.

يقول المختصُّون بأن أكبر مشاكل الاقتصاد العولمي في سنواته الأخيرة قبوله بأن تكون المكنة التي تحرّكه هي الصَّفقات المالية البحتة من مثل المضاربات في العملات والأسهم، ومديونيات بطاقات الائتمان أو الدول أو البنوك، أو القروض الخطرة وعلى الأخص للمضاربة في العقارات إلخ. وأيُّ متابع للاقتصاد العربي، وعلى الأخص في دول فوائض البترول، يعرف بأنه اقتصاد يقوم على تلك الممارسات المالية المغامرة الخاطئة سواء في الداخل أو الخارج، وأنه يتجنَّب الجهد والإبداع المطلوبين لبناء اقتصاد إنتاجي أو معرفي. فهل سنرى محاولة، على مستوى الوطن العربي أو على مستوى دول مجلس التعاون الخليجية النفطية، لتصحيح ذلك الخلل الفادح؟ هل ستبقى الفوائض المالية، وقد بلغت عدة تريليونات من الدولارات، في الأرض العربية بدلاً من شراء السَّندات الحكومية الأميركية أو الأوروبية أو الانغماس في عوالم الأسهم والعقارات، أي الانغماس في اقتصاد التبادلات المالية المليئة بالمخاطر؟

لقد أدركت دول من مثل الصين والهند والبرازيل أن الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل أساسي على التصدير معرَّض للانهيار عندما تمرُّ دول ومجتمعات اليسر، من مثل أوروبا وأميركا، في أزمات مالية كالأزمة التي نعيشها. ولذلك بدأت تلك الدول وغيرها في الإعداد لاقتصاد يوازن بين التصدير للخارج والاستهلاك في الداخل. هنا نحتاج أن نذكّر أنفسنا بأن كل الدول العربية يعتمد اقتصادها على التصدير إلى الخارج، سواء أكان مواد طبيعية مثل البترول والغاز والفوسفات، أو بضائع صناعات متواضعة كصناعة الألبسة أو محاصيل زراعية محدودة كالزيتون والبرتقال، أو عمالة مؤقتة إلى هنا أو هناك. فهل سنراجع هذا الاقتصاد المحفوف بالمخاطر مثلما يفعل الآخرون؟

منذ بضعة أيام تبيَّن لرؤساء القمَّة الإفريقية أن التجارة البينية فيما بين دول المجلس لا تزيد عن عشرة في المئة، وأن تسعين في المئة هي مع الخارج، فتقرّر أن تتمّ معالجة تلك الظاهرة بسرعة. وأول خطوة في تلك المعالجة ستكون بناء شبكة طرق ومواصلات حديثة وسريعة وكفوءة تربط دول القارة لتنشيط اقتصادها البيني. فهل سيتوجَّه العرب في قمة رؤساء دولهم القادمة إلى معالجة الظاهرة نفسها: تجارة عربية بينية ظلت تراوح مكانها حول العشرة في المئة عبر العقود الستّة الماضية وغياب مفجع بليد لشبكة طرق ومواصلات فيما بينهم، وذلك برغم عشرات القرارات التي أخذت المرَّة تلو المرَّة عبر تلك العقود؟

لقد تبيَّن أن أحد المشاكل الكبرى في الاقتصاد العولمي الرأسمالي هو الإصرار على الربحية العالية من قبل أصحاب المال التي جاءت على حساب العمال والأجيرين، فكانت النتيجة هي ضعف القدرة الشرائية عند قوى العمل من جهة وازدياد الهوَّة والمسافة بين الأغنياء الذين يزدادون غنىً والفقراء الذين يزدادون فقراً. وفي بلاد العرب توجد الظاهرة نفسها، ولكن مضاعفة. فرواتب العمال والأجيرين المواطنين تتناقص كما هو الحال في كثير من بلدان العالم، ولكن يضاف إليها أننا منطقة، وعلى الأخص دول مجلس التعاون، تستورد الملايين من العمال الأجانب زهيدي الأجور وذلك برغم وجود نسبة بطالة ظاهرة ومقنَّعة عالية بين المواطنين.

والسؤال: هل ستقوم حكومات الأقطار العربية المعنية بخطوات تصحيحية، سواءً في حقل التعليم أو التدريب أو إعادة التأهيل للاعتماد أكثر على العمالة الوطنية وتقليص العمالة الأجنبية غير العربية... بالنسبة لرفع الأجور وتقريب المسافات الشاسعة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع؟

تلك أمثلة توضيحية محدودة للتذكير بما ستتطلبه مرحلة ما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي من إعادة نظر في موضوع الاقتصاد العربي، فكراً وقيماً وممارسة، وذلك على ضوء تجربة مريرة يعيشها عالمنا اليوم. ولنذكّر أنفسنا بأن قيم العالم الرأسمالي الغربي، وعلى الأخص الأميركي ومقلّديه، أصبحت مرجعية مشكوكاً في أمرها وتحتاج لمراجعة عميقة من قبل الجميع، بما فيهم العرب

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3437 - الجمعة 03 فبراير 2012م الموافق 11 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 12:09 م

      اعط الخباز خبزك لو

      اعط الخباز خبزك لو أكل نصفه

    • زائر 8 | 6:05 ص

      الاقتصاد...

      بعد سقوط النظام الاشتراكية وترنح الرأسمالية الجشعة التي يتحول فيها البلاد والعباد إلى نظام أشبه بالغاب القوي يأكل الضعيف والفئة القليلة جداُ من الناس تتحكم في مصير شعوب العالم حان الآوان ليقدم النظام الاسلامية منظومته ويبرز معالمه ليحيي العدالة الاجتماعية بين جميع فئاته من أقلية وأكثرية وملكية بمستوى مقبول بين أفراد المجتمع!!!!.
      ابوجعفر

    • زائر 7 | 4:19 ص

      صح لسانك يا د. علي

      تعد الاستراتيجيات والخطط في بلداننا ويصرف عليها الكثير من الجهد المعنوي والمادي، ألا إن الملفات مكدسة في الأدراج فتموت تلك الخطط ويصرف على دراسات جديدة تموت وتدفن والمسئولون يقفون متفرجون كأن الأمر لا يعنيهم!!

      فأنت المعلم إصرخ فيهم لعل وعسى!!!!

    • زائر 6 | 3:32 ص

      وهل بقى شئ

      لقد نهبو ثرواتنا العربيه الى الخارج عبر حساباتهم المتضخمه وتركو الفتات لنا كشعوب عربيه لنشكي حظنا السئ من قادة لايخافون الله هم وازلامهم

    • زائر 4 | 2:55 ص

      التخطيط الاستراتيجي

      يااستاذنا العزيز في غياب وجود خطط استراتيجية للدولة لجميع قطاعات الاقتصاد سنكون ريشة في مهب الريح تتقاذفنا سياسات الاقتصاد الراسمالي والذي يثري منه المتنفذون والمنتفعون ويزداد الفقراء فقرا وتتعمق الهوة السحيقة بين شرائح المجتمع

    • زائر 3 | 2:39 ص

      اقتصادنا.

      يجب الرجوع الى كتاب اقتصادنا للشهيد الصدر الاول رحمة الله عليه والذي يحتوي على تنبؤات لسقوط الانظمة الاشتراكية ومن ثم الرأسمالية نتجية عدم ضمانة العلاقة الاقتصادية والاجتماعية بين افراد المجتمع واتساع الطبقية المادية بين النظريات الوضعية والسماوية(الاسلامية)...

    • زائر 2 | 2:32 ص

      مرجعية الراسمالية

      يجب الحد من التبعية الراسمالية التي اثبتت فشلها الذريع على المستوى الاجتماعية بعد سقوط النظام الاشتراكية المدوي ويجب التخطيط والعمل بشكل تكتيكي والتخطيط بصورة استراتيجي لروؤس الاموال العربية بالنظام الاسلامي الذي يظمن العدالة الاجتماعية واستقرارها عند مستوي يضمن عدم توسع الهوة بين طبقة الاغنياء والفقيرة وإستغلال الطاقات الابداعية بعيداً عن كل مقومات الطبقية المصنوعة من هواجس الطائفية !!!!.

    • زائر 1 | 2:00 ص

      وعلى الأخص الأميركي ومقلّديه،

      خلهم يتابعون ويمشون على خطى امريكا في كل شيء بشوفون روحهم في القاع ومحد بينقذهم

اقرأ ايضاً