العدد 3441 - الثلثاء 07 فبراير 2012م الموافق 15 ربيع الاول 1433هـ

الكويت و«أمة 2012»

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أحقّاً وصل الربيع العربي للكويت بطريقة هادئة، سلمية وقانونية؟! ربما، الإجابة تحتمل نعم، ولا.

فطقس الكويت قبل أيام كان شديد البرودة، بيد أن أجواء انتخابات «أمة 2012» تميزت بالدفء بل بدرجة حرارة عالية. وعلى رغم تخطي نسبة المشاركة (61 في المئة)؛ فإن البعض يرى أن حالةً من التشنج والملل شهدتها الساحة الشعبية منعت بعض الناخبين من ممارسة حقهم الانتخابي تعبيراً عن عدم اكتراثهم بالدور الذي يلعبه مجلس الأمة، فيما رأى آخرون أنها نسبة فاقت التوقعات مقارنة بنسبة (58 في المئة)العام 2009 و(60 في المئة) العام 2008.

صحيح أن عدد المترشحين والمترشحات ارتفع هذه المرة إلى (350 ناخباً وناخبة) وبزيادة نسبتها (40 في المئة) عن انتخابات 2009، إلا أن ذلك لم يقابله حماس من بعض الناخبين، وهذا ما توقعته نتائج استطلاع للرأي أجرتها مؤسسة بحثية بشأن الانتخابات أظهرت أن درجة الاهتمام بالانتخابات متوسطة حيث أعلن (66 في المئة) من المستطلعين أنهم غير معنيين بها، وانخفضت درجة اهتمام النساء إلى (54 في المئة) فيما سجل الرجال (76 في المئة)، وأعلن (30 في المئة) منهم عدم نيتهم المشاركة في الانتخابات.


الإسلاميون نواب معارضة

حصيلتان من نتائج الانتخابات تصدرتا السجال والتحليلات؛ هما:

(1) تحقق فوز ساحق للتيار الإسلامي والمتحالفين معه من القبائل، حيث اعتبر البعض فوزهم عقاباً من الناخبين للحكومة السابقة ومواليها على خلفية اتهامات بالفساد، وإنهم سيشكلون مظهراً من مظاهر «المعارضة» لها، وهي التي كانت - أي القبائل - سنداً كبيراً للسلطة فيما مضى، ومما يزيد من خطورة الوضع أن القبائل تمثل (55 في المئة) من السكان. كان واضحاً أن حالة الاضطراب والتشنج السياسي التي مرت بها الكويت منذ الدورة التشريعية السابقة وحتى الأشهر الأخيرة وما حدث من احتجاج وتظاهر لعشرات الآلاف في «ساحة الإرادة» وبدعم من بعض اتجاهات في التيار الإسلامي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مطالبين بمكافحة الفساد والإصلاح السياسي وتعديل الدستور، قد أدى إلى «استقالة الحكومة»وحل البرلمان وعقد الانتخابات.

في السياق، يجد المراقبون أن فوز الإسلاميين سيؤثر في خيارات المرحلة المقبلة سياسيّاً، ولاسيما مع ارتفاع عددهم كنواب معارضة إلى (34 عضواً من أصل 50 عضواً) مقابل ما تملكه الحكومة من (15) صوتاً لوزرائها في المجلس ممن يحق لهم التصويت، كما يتوقف ذلك على نوعية الحكومة المرتقب تشكيلها قريباً وكيفية تعاطيها مع الإشكالات السياسية، فوفقاً للمادة (87) من الدستور لابد من دعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد خلال أسبوعين، ما يعني أن أمام رئيس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة الجديدة عشرة أيام فقط، بعدها ستجد الحكومة نفسها قبالة مجلس يتمتع بغالبية معارضة بينهم نواب متشددون في أطروحاتهم الإسلامية، وباعتبار أن بعضهم نجح في حل المجلس وقبول استقالة رئيس الوزراء السابق، ما يشي في المحصلة النهائية ببوادر تأزيم في شأن قضايا متداولة وعرقلة لمسيرة الحياة البرلمانية.

في هذا الصدد؛ تجدر الإشارة إلى ما أثاره أحد النواب فور فوزه في الانتخابات حين «أنذر ممن أسماهم بالفاسدين بمغادرة الكويت خلال 24 ساعة فقط قبل أن يحيق بهم ما سيفعله بعد ما صار نائباً في مجلس الأمة»، وآخر ذكر أن «الأرض خصبة لتعديل المادة الثانية من الدستور، وذلك أن كثرة النواب الإسلاميين في المجلس تسهل الطريق لتعديلها، ولتصبح الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع»، مؤكداً أن «هذا التعديل هو من الأولويات القصوى».

تصريحات نارية حقّاً؟ في الوقت الذي أوصت فيه جمعية الشفافية الكويتية ومعها فريق المراقبة العربي والدولي بمراجعة نظام الدوائر الانتخابية، وإنشاء هيئة عامة مستقلة لإدارة الانتخابات وإصدار قانون للجماعات السياسية أو الأحزاب، هذا ويحق التساؤل عما إذا قرأت هذه الجماعات ما أفرزه الربيع العربي من زوايا مختلفة وليس لجهة «اكتساح الإسلاميين لسدة الحكم» فقط، ولاسيما عند التأمل بما صرحت به واشنطن وهي تهنئ الكويتيين بإجراء انتخابات «حرة ونزيهة»، إلا أنها ستحكم على الإسلاميين أكبر الفائزين في هذا الاستحقاق على أفعالهم وليس على «المظاهر».


معركة متوقعة

ثمة تحدٍّ آخر يبرز كإشكالية في الإطار ذاته يتمثل في انتخاب رئاسة المجلس ولجانه، إذ أعلن زعيم المعارضة «أحمد السعدون» ترشحه للرئاسة إلى جانب الرئيس السابق للبرلمان العربي النائب محمد الصقر، والنائب علي الرشد كوجه بديل للخرافي؛ والأخير على ما يبدو يعول على أصوات وزراء الحكومة ونواب المولاة.

هنا تثار التساؤلات عما إذا كانت الحكومة الجديدة ستشارك بالتصويت في انتخاب رئيس المجلس أم لا؟ ذلك على رغم الدعوات البرلمانية لعدم مشاركتها في التصويت إلا أن هذا الأمر سيتناقض مع الدستور، علماً بأن الوزراء يشاركون في كل أعمال المجلس فيما عدا التصويت على سحب الثقة، وعليه هل سيسمح لهم ممارسة صلاحياتهم كاملة أم سيتم الالتفاف عليها لجهة إرساء علاقة مختلفة مع المعارضة التي اكتسحت صناديق الاقتراع. لاشك هذه الإشكالات وتلك ستكون مرهونة بالظرف السياسي المحلي وبتجاذب الاتجاهات بين أفراد الأسرة الحاكمة وبما يطرح في المجلس من قضايا للتأثير على الكتل الانتخابية كقضايا الفساد والمال العام والاستجواب و»البدون»وحاملي مزدوجي الجنسية وغيرها، فضلاً عن تأثير الظرف الإقليمي السياسي والدولي.


حظوظ المرأة صفر

(2) تراجع حظوظ (23) امرأة مرشحة عن الفوز في الوقت الذي كان صوتها الانتخابي مطلوباً بشدة لتحقيق النصر للمترشحين، لمَ لا وهي التي تمثل (53 في المئة) من المقترعين، وعلى رغم إقرار البعض بتمتع بعضهن بطرح ورؤية مقبولة من الناحية النظرية للخروج من الأزمة التي تمر بها الكويت، فإن تفسيرات فشلهن في الفوز بالمقعد النيابي أرجعها آخرون إلى عدم التزام بعض المقترعين بالتصويت لأربعة مترشحين في القوائم ما انعكس سلباً عن النتائج لصالحهن وخصوصاً وقد استفدن من ذلك التكتيك في تحالفاتهن للانتخابات السابقة، كما ذكر غيرهن بأنهن فقدن رونقهن بسبب ضعف الثقة بهن ومواقف بعض النائبات في المجلس الماضي وتواضع أدائهن، وأن المرأة تدفع ثمن موالاة معظم النائبات السابقات للحكومة فضلاً عن إقصائهن من قبل التيار الإسلامي.

مما سبق، بالطبع الكويت مقبلة على مرحلة تاريخية ومفصل خطير ولاسيما مع حالة الاستقطاب الطائفي والقبلي وما بينهما من تحالفات وتداخلات إقليمية، وحتماً فوز الإسلاميين بتياراتهم وأبرزها الإخوان والسلف والمستقلون...الخ وحصولهم على غالبية معارضة للحكومة سيكون مؤثراً في هذا المستقبل؟

لكن السؤال الأهم هل يمكن اعتبار صعودهم استلحاقاً لما حدث في مصر وتونس والمغرب؟ إن كان الأمر كذلك؟ ألا يدعو الأمر إلى تفكيك خطابهم ومراجعته وإحداث تغير جوهري في مضمونه ينعكس على رؤيتهم تجاه الممارسة الديمقراطية، وقبول الآخر، والموقف من المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية، وغيرها من قضايا حسمها تيار الإخوان في تونس ومصر والمغرب لمغازلة الغرب، ولو نظريّاً حتى اللحظة لهدف ترسيخ الشرعية والوجود؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3441 - الثلثاء 07 فبراير 2012م الموافق 15 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً