العدد 3497 - الثلثاء 03 أبريل 2012م الموافق 12 جمادى الأولى 1433هـ

في ذكرى الاغتيال... مارتن لوثر لايزال يحلم

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

اتخذ اللاعنف طريقا لنيل كرامته، كان يؤمن بأن الكراهية تولد الكراهية، والعنف ينسل العنف، والفظاظة تسبِّب فظاظة أكبر، وكان كثيرا ما يقول أمام أنصاره «علينا أن نقابل قوى الكراهية بقدرة المحبة، وغايتنا ينبغي ألا تكون أبدًا هزيمة الرجل الأبيض أو إذلاله، بل كسب صداقته وتفهُّمه، فالنزاع ليس بين البيض والسود، لكن بين العدل والظلم». مارتن لوثر كان يدعو لإيجاد المجتمع الحبيب، وهذا يعني تقبل الألم وقسوته دون الانتقام من مسببه، لان العدالة ستتحقق حتما.

مارتن لوثر كنج جونيور الذي ولد في 15 يناير/ كانون الثاني العام 1929م من أصول افريقية في مدينة أتلانتا الأميركية، من أشهر المدافعين عن إنهاء التمييز العنصري والحرية وحقوق الإنسان، سار على درب أبيه وجده في حركة نضال الأفارقة للمطالبة بالحقوق المدنية للأقليات. دخل مارتن المدارس العامة في سنة 1935، وكان متفوقا الأمر الذي أهله لدخول كلية مورهاوس إذ نال شهادة البكالوريوس في الآداب في سنة 1948، ولم يكن عمره آنذاك يزيد على 19 عاما. بعد خمس سنوات تزوج مارتن بفتاة من أصول افريقية تدعى «كوريتاسكوت»، ونزح معها إلى مدينة مونتجمري التي كانت ميدانا لنضاله، إذ كان السود هناك يعانون من مظاهر الاضطهاد والاحتقار وخاصة في حافلات المدينة حيث كانت تخصص لهم المقاعد الخلفية في حين لا تسمح لغير البيض بالمقاعد الأمامية، وفي يوم الخميس الأول من ديسمبر/ كانون الاول 1955، امتنعت سيدة سوداء عن ترك مقعدها لراكب أبيض، الأمر الذي جعل سائق الحافلة أن يستدعي الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القوانين، فكانت البداية التي حركت الزنوج للانتقام لولا تدخل مارتن الذي نادى بمعالجة الموضوع باللاعنف والسلمية متأثرا بمنهج مهاتما غاندي.

بدأ مارتن لوثر يتزعم حركة مناهضة التفرقة العنصرية بالسلمية إذ ابتدع طرقا عدة من اجل نيل الحقوق وفي ذلك المخاض كان يلقى عليه القبض ويودع في السجن مرات عدة ويوضع مع مجموعة من السكارى واللصوص والقتلة، وغالبا ما كان يعاني من أوضاع سيئة وغير إنسانية داخل السجن، كما تعرضت أسرته للانتقام مرات عدة، أبرزها في 30 يناير 1956، عندما كان مارتن يخطب في أنصاره حين ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وحين وصل إلى منزله وجد جمعا غاضبا من الأفارقة مسلحين على استعداد للانتقام، وأصبحت مونتجمري على حافة الانفجار من الغضب، ساعتها وقف مارتن يخاطب أنصاره: «دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف». لم يكتف بحصول الزنوج على العدالة داخل الحافلات بل قاد حملة «أعطونا حق الانتخاب»، لقد نجح في ضم البيض إلى جهاده حين قاد العام 1963م أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، إذ سار متقدما نحو 250 ألف شخص 60 ألفا منهم من البيض صوب نصب لنيكولن التذكاري، وهنالك ألقى خطبته المشهورة «اني أحلم» التي قال فيها: «لدي حلم أن يوما من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم».

من اجل نيل الحقوق، وعلى رغم الاختلاف في الرأي والمعتقد، أعلن لوثر العام 1964م اتحاده مع الزعماء الأميركان الأفارقة منهم زعيم المسلمين الأفارقة، وذلك لمواجهة عدوهم المشترك سويا. وفي العام نفسه، حصل لوثر على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف، فكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة - 35 عاما -.

ولم يتوقف لوثر عن مناقشة قضايا الفقر والسود والدعوة إلى إعادة توزيع المال العام بشكل عادل وإنقاذ السود من حياة البؤس المتمثلة في الجدران المنهارة والأدوات الصحية الفاسدة والعيش وسط الجرذان والحشرات. يبدو أن البعض لم يعجبه مسار مارتن لوثر لذا عجل برحيله، ففي الرابع من ابريل/ نيسان العام 1968م، بينما كان لوثر يتأهب لقيادة مسيرة في ممفيس لتأييد إضراب (جامعي النفايات) الذي يقال انه سيطال نحو مئة مدينة أميركية اغتيل على يد قناص قبل مغادرته فندق لورن والذي تم تحويله فيما بعد إلى المتحف الوطني للحقوق المدنية ليكون شاهدا على رجل ظل بسلم يحلم.

بعد أربعين عاما يشير الكثيرون الى أن رسالة لوثر قد تحققت في اليوم الذي اعتلى فيه باراك أوباما من أصول افريقية رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، لكن اليوم هل بالفعل نسي الشعب الأميركي هذه التفرقة، يقول النشطاء السود «لايزال الطريق أمامنا طويلا» بينما تقول الشيوعية السابقة والمدافعة عن حقوق الإنسان إنجيلا ديفيس - 64 عاما - «إننا لا نعيش اليوم حلم مارتن لوثر كينج»، وهل حلم لوثر للأفارقة الأميركان فقط أم حلم يسمو للعالم كله؟ وكيف وهو القائل «الظلم في أي مكان يهدد العدالة في كل مكان».

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 3497 - الثلثاء 03 أبريل 2012م الموافق 12 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً