العدد 3503 - الإثنين 09 أبريل 2012م الموافق 18 جمادى الأولى 1433هـ

حلم الحضارة

إن أكبر عدو للحضارة هو الطمع والقوة (السلاح) الذي يستخدم من سلطة بلد ضد آخر للهيمنة بكل ما فيها من معنى وشرور وتقويض ثم تتسع الرقعة ويبدأ خراب الدول الضعيفة. إن وجود السلاح مع عدد قليل من القوم، وعدم وجوده مع كثير منهم يحول الغلبة أحياناً كثيرة إلى قليل القوم. أما ما يروض الشعوب عن الحرب ويحولهم إلى السلام فهو حضارة الفكر وتمدن البشر. استطاعت شعوب عدة أن تستعمر الكثير من بلدان العالم في فترات مختلفة من الزمن وقد قيل في هذا الشأن لكل زمان دولة ورجال! ومن هذه المقولة التي تدخل ضمن فلسفة الحياة والقوة والاستعمار، يؤكد التاريخ أن الزمن له تأثيره والدولة لها القوة التي تحدد بعدد ومستوى سلاحها والطمع بتعظيم الثروات ثم الرجال الذين يتخبط معظمهم الجنون وهو أنواع (جنون العظمة وجنون النفس الضعيفة - وجنون الإطراء وجنون المفاخرة - جنون المال - والجنون بسبب المجون) فيستحوذ عليهم هذا الجنون المختلف بوجود الدولة القوية وتأثير الزمن ليقوموا بغزو البلدان الأخرى الضعيفة النائية كثيرة الخيرات، فيعبّون من خيراتها ويسبون ويغتصبون نساءها ويقتلون الرجال فيها والمقولة هي إما الرضوخ والقبول باستعمارنا لكم أو التحطيم والقتل وربما حرق الأرض مثلما حدث لكثير من الدول سابقاً وحاضراً.

والدول التي استعمرت أجزاء كثيرة وكبيرة من العالم معروفة مثل بريطانيا التي كانت أكبر مستعمراتها هي الولايات المتحدة الأميركية ثم استعمرت الهند وغيرها من الدول فحرر أميركا من يدهم وسلطتهم جوروج جاستن واشنطن (1776م) وغاندي حرر الهند كذلك اليابان استعمرت الصين وكوريا (قبل أن تفصل) وكذلك جزر الهند الشرقية ولا ينسى التاريخ طبعاً الروم واليونان وفرنسا واسبانيا والبرتغال، وعلى ذكر إسبانيا فقد استطاعت أن تحوش على أميركا الجنوبية بالكامل لولا تدخل البرتغال وسيطرتها على البرازيل. الحضارة هي أن يتعلم الإنسان كيف يعيش في أمن وأمان مع غيره بمنطق العقل سواء داخل بلده أو خارجها. ترك الاستعمار القديم بعض فتيل الحرب في بلدان حددها هو وجعلها قنابل نائمة ولكنها قابلة للاشتعال والتفجير، والأغرب من هذا أنه استطاع أن يحل مشكلات بلدانه!

فكيف ذلك؟؟

- ترك كشمير (منطقة - دوله - قطعة أرض كبيرة أو مملكة) كطعم للحرب نائم بين بلدين كبيرين فيهما من كثرة الشعوب ما ليس في غيرهما (الهند 1.250 مليار نسمة ودولة باكستان 200 مليون نسمة) وذلك بعد تقسيم هندوستان إلى عدد من الدول تدخل من ضمنها بنغلاديش وبوتان والنيبال وباكستان التي هي أيضاً من ضمن بلاد هندوستان وقد كانت تسمى القارة الهندية من عظم حجمها.

- تايوان، الجزيرة التي أصبحت مثل الدمل على جسد الصين!

- جزر طنب الكبرى والصغرى (بين دولتي الخليج المسلمتين الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية).

- قبرص بين اليونان وتركيا.

- الصحراء الكبرى بين المغرب وشعب الأرض الذي يطالب بها ( الطوارق)، غير هذه المناطق استطاع الاستعمار أن يترك آثاراً قوية غير الجزر والمناطق الكثيرة التي لا و لن ينتهي ذكرها عبر التاريخ مثل انفصال بلدين، وتجزأة بلدان كثيرة أدت إلى نزاعات متواصلة عبر الزمن. ولا يغيب عنها أيضاً أن تزرع بذور المعارضين لكثير من البلدان وتعمل على سقيها وهذا ما يحدث في دول إفريقيا وأميركا الجنوبية وبعض بلدان الشرق الأقصى، فقط من أجل ترهل هذه الدول وضعفها والسيطرة عليها أو موت حضارتها إلى الأبد.

قد يستغرب القارئ لو عرف أن هذه الدول المستعمرة هي نفسها استطاعت أن توجد الحلول السهلة والسريعة في بلدانها لمشكلات تخص بلداناً ومناطق وجزراً مختلفة في أوساطها، ولكنها عملت على إخمادها وتذليلها بكل يسر وسهولة. هل يصدق القارئ أن دولة مثل إيطاليا يوجد داخل أراضيها دولتان مسجلتان في الأمم المتحدة (داخل أراضيها) وبدساتير وحكم مستقل؟ الأولى هي دولة الفاتيكان التي لا تتعدى مساحتها نصف كيلو متر مربع والثانية هي سان مارينو! وتعتبر أقدم جمهورية في أوروبا فقد تأسست منذ القرن الثالث عشر ومطوقة تماماً داخل الأراضي الإيطالية بمساحة 61 كيلومتراً مربعاً وبعدد من السكان يبلغ 31,000 نسمة وهي جمهورية ذات سيادة واللغة الرسمية هي الإيطالية والعملة هي اليورو طبعاً. و تقع داخل الشمال الشرقي لإيطاليا! مثال آخر إمارة أندورة التي تقع شمال شرق إسبانيا وجنوب شرق فرنسا، فيها نظام برلماني ومسجلة رسمياً في منظمة الأمم المتحدة كدولة معترف بها (إمارة)، مساحتها 468 كيلومتراً مربعاً وعدد سكانها 75,000 نسمة، و لغتها الرسمية الكاتلانية! وكذلك إمارة ليشتنشتاين وموناكو ولا تختلف عنهم جزيرة مالطا في البحر الأبيض المتوسط! جميعها مناطق وبلدان وجزر صغيرة تم حل مشكلاتها منذ فترة طويلة من الزمن ولا تختلف عن حالهما جزيرتي سردينيا وكورسيكا المتلاصقتين الواقعتين غرب إيطاليا وجنوب فرنسا فأصبحت سردينيا تابعة لإيطاليا وكورسيكا للجمهورية الفرنسية منذ أمد بعيد! فلماذا تركوا خارج نطاق بلدانهم قنابل موقوتة للشعوب الأخرى؟ بالطبع من أجل إيجاد التخلف كما ذكرت سابقاً والضعف والعجز في تلك البلدان أولاً ثم من أجل الطمع الذي يتفنن في إغراء تلك الدول من قبل دول أخرى كبيرة لكي تنهش في لحم وعظم الدول التي تتنازع على تلك المناطق فيأتي دور تجار السلاح لتوفيره وبيعه عليهم للاقتتال وإشعال الحروب والفتنة وإلهاء هذه الدول عن التقدم العلمي والحضارة! لهذه الأسباب تبقى الشعوب المستغلة تحلم بالحضارة ولكن الطمع والسلاح هما العدو الأول والأزلي لعدم تحقيق هذا الحلم.

العدد 3503 - الإثنين 09 أبريل 2012م الموافق 18 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً