العدد 3503 - الإثنين 09 أبريل 2012م الموافق 18 جمادى الأولى 1433هـ

لباس التسامح في الهند

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

إنه اليوم التالي لمهرجان هولي الهندوسي للألوان، الذي يحتفل بفصل الربيع وحصاد جيد. مازالت المساحيق الملونة من احتفالات اليوم السابق تزيّن مركز المدينة في ناسك، التي يسكنها مليون ونصف مليون شخص وتبعد نحو ثلاث ساعات ونصف شرقي مدينة مومبي.

تعمل مجموعة من الشباب، يلبسون جميعاً القمصان الهندية التقليدية الطويلة والسراويل، يعملون بجدٍّ لجمع القمامة التي تركتها الاحتفالات، يضعونها في أكياس بلاستيكية سوداء ويحملونها إلى شاحنة متوقفة على مسافة قريبة.

تلبس النساء زيّاً تقليديّاً أكثر، هي السراويل والقمصان الطويلة أو ما يعرف بِـ «الشالوار قميص»، الذي يصل إلى ركبهن. عبر الشارع، يصرخ صبي صغير منادياً عائشة، وتستدير طفلة وتلوح له. أعرف نتيجة للسنوات التي قضيتها في الشرق الأوسط أن عائشة هو اسم مسلم إلى حد بعيد.

عرفت بعد الاستعلام عبر الحديث أن هذه المجموعة من الشباب والشابات هي خليط من المسلمين والهندوس، احتفلوا بالمهرجان معاً وألقوا الألوان المختلفة على بعضهم بعضاً.

«نحب أن نفكر هنا في (ناسك) أننا جميعاً هنود بالدرجة الأولى، ثم أعضاء في الدين الذي ننتمي إليه»، يقول الطالب الجامعي شانكار، البالغ من العمر 22 عاماً بعد أن لاحظ كيف أنظر، والكاميرا التي أحملها، على بعد أمتار قليلة: «ستجد أنه في هذه المدينة، نلبس جميعنا الثياب نفسها، من السراويل إلى القمصان، وهذا يساعد على جعل المدينة مكاناً أفضل».

ما يجعل (ناسك) فريدة هو أنه عندما يعبر المرء مدينة الحج الهندوسية هذه؛ يسمع نداء الصلاة من مسجد قريب، بينما يبث معبد هندوسي الصلاة عبر مكبر الصوت.

سونيترا طالبة هندسة عمرها 21 عاماً تدرس في جامعة قريبة، هي وأصدقاؤها طلاب جامعيون عاديون. لكنهم يقولون، بعكس الطلبة في الجامعات الأخرى في المدن الكبيرة: «نجتمع جميعاً معاً وأصبحنا مقربين جدّاً من بعضنا بعضاً».

تشير سونيترا إلى خليط الأصدقاء المسلمين والهندوس في مجموعة أصدقاء مقربين. للوهلة الأولى، يصعب تمييزهم. الأمر سيان بالنسبة إلى مجموعة من الأصدقاء الرجال من الهندوس.

«لسنا نخاف من ديننا ولسنا مضطرين إلى الاختباء وراء ما يتوقع منا الناس أن نلبس»، تضيف سونيترا، وهي هندوسية. «منذ عقود عدة هنا في (ناسك)، أصبح الأمر ببساطة أسلوب حياة. نحن مجتمع من الطبقة الوسطى وليست هناك حاجة إلى التمييز بين من هو الهندوسي ومن هو المسلم».

أخبرني أستاذ علم الإنسان السابق بجامعة ناسك والمقيم حاليّاً في المدينة راجيف كاديش أنه في ستينات القرن الماضي بدأ الشباب في ناسك تغيير أسلوب لبسهم، فـ «لم تكن الهند في السابق تتمحور حول المدينة. لذلك يجب عليك أن تفهم أن الناس من المناطق الريفية، حيث اختلطوا بشكل كاسح مع أتباع دينهم، كان لهم أسلوب معين في اللباس. وقد تغير ذلك كله، على الأقل هنا»، يقول كاديش.

وبحسب كاديش، ترك الشباب في المدينة لباس أجدادهم التقليدي ولبسوا بأسلوب غربي هندي مدجّن، كان بحسب قوله محاولة للانفصال عن أسلوب ومجتمع أجدادهم الراسخ، الذي يأمل الجيل التالي من الهنود تغييره. لذلك ذهبت الجلابيب الطويلة للجالية المسلمة وجاءت السراويل والقمصان. بالنسبة إلى النساء، ذهب الساري ليحل محله السروال الأكثر تواضعاً والقميص الطويل. كما استغنت النساء المسلمات عن غطاء الرأس.

واليوم تستمر هذه الحركة وقد أضافت نفَساً جديداً للحياة في دولة حيث دست الصراعات العرقية والدينية في المجتمعات الأخرى إسفيناً بين الجاليات والأصدقاء. ويقول الشباب الذين يحلمون تقاليد التسامح إنها تثقّف كيف يلبسون.

«إذا لم نبدُ مختلفين؛ فلن يعامل الناس أحداً بطريقة مختلفة، وهذا يساعدنا على أن نكون أصدقاء فقط وأن نكون هنوداً»، يقول شانكار.

ربما يكون من الأمور الساذجة أن نفكر في أن ما يلبسه المرء يحدد كيف يتم التعامل معه وكيف يعامله الآخرون. من تجربتي الشخصية، حيث عشت معظم حياتي كراشد في الشرق الأوسط، لا يؤثر اللباس على كيفية رؤيتنا للآخرين. وهذا أمر حقيقي أيضاً في الغرب. ربما يكون الوقت قد حان لإلقاء نظرة على ما تفعله المجتمعات المتنوعة بحق، للحد من التوترات التي يمكن للباس أن يرمز إليها في عالم اليوم، وفي الوقت نفسه الحفاظ على نزاهتها الدينية والثقافية. ويشكّل سكان (ناسك) مثالاً مشجعاً على التسامي عن الخلافات، تستطيع المجتمعات الأخرى أن تتعلم منه.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3503 - الإثنين 09 أبريل 2012م الموافق 18 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً