العدد 3506 - الخميس 12 أبريل 2012م الموافق 21 جمادى الأولى 1433هـ

في الوحدة والتداعي... قراءة نقدية

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في معرض الحديث عن العروبة الجديدة، الذي بدأنا بتناوله قبل أشهر عدة، طرحنا أسئلة مركزية وعدنا بمحاولة الإجابة عنها: أين تقف العروبة بعد التحولات التاريخية الكبرى التي عاشتها المنطقة العربية، فيما أصبح متعارفاً عليه بالربيع العربي؟ وهل طويت صفحة العوامل التي أدت إلى بروزها، كفكرة محركة للشارع، ومحرضة على النضال؟ وهل هذه الفكرة، خاضعة كغيرها من الأفكار للتغير ولقانون الحركة والتعاقب؟ وأين نضعها في سياق الأحداث الجارية بالوطن العربي؟ وما هي سبل النهوض بها؟

عالجنا بعض معضلات الفكر القومي في بداياته، وتابعنا بقراءة نقدية تطور حركته. وأشرنا إلى تأثره بطبيعة لحظة مقاومة المستعمر في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، والثانية، والدور الذي لعبه انشغال الحركة بمعركة التحرر الوطني في تعطيل بناء صياغة نظرية متكاملة لهذا الفكر. وتناولنا تأثيرات ذلك في غياب رؤية واضحة للعلاقة بين الأمة والدولة.

في راهنية المشروع النهضوي، تكشف لنا أن المراحل اللاحقة في هذا الفكر حملت دعوة لتحقيق الوحدة العربية، وقيام كيان سياسي يجمع العرب من الخليج الى المحيط. لكن هذه الرؤية لم تخرج عن دائرة الشعارات، ولم تطرح برنامجاً نضالياً عملياً للبلوغ بهذا المشروع حيز التنفيذ.

أشرنا إلى أن المعضلة الأولى لهذا الفكر، هي موقفه السلبي من الدولة الوطنية، ونوهنا إلى طابعه المشرقي، وإسقاطات ذلك على الدولة الوطنية. ما يهمنا في إعادة التركيز على هذه النقطة، هي إسقاطاتها على الحركة القومية، بعد تمكنها من تسلم السلطة في عدد من الأقطار العربية.

أوضحنا أن مشروع الأمة في مراحله الأولى، لم يطرح بحدة قضية الوحدة العربية، وأن ذلك الهدف لم يأخذ شكلاً أيديولوجياً، إلا بعد منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، أثناء احتدام المقاومة للاستعمار الغربي. وقد استمر هذا الطرح، في حلقات ممتدة، في الفكر القومي، أثناء مرحلة النهوض في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ولايزال ذلك مستقراً حتى يومنا هذا في أدبيات الفكر القومي.

الموضوع الذي ينبغي أن يطرح، في سياق تجديد الفكر القومي، وصياغة موقف نظري مغاير للعروبة الجديدة، لا يتعلق بمبدأ الوحدة ذاته، وعلاقته بالأمة. الحضور المكتمل للأمة لا يتحقق إلا في التطابق بين حدودها الطبيعية والسياسية، بمعنى وجود كيان سياسي، يستوعب البلدان العربية جميعها، ويجعل منها دولة ووطناً واحداً. والواقع أن الفكر القومي، لم يتمكن من تقديم إجابة عملية عن كيفية بلوغ هذا الهدف؟

إجابة واحدة التقت عليها جميع الحركات القومية، في بعدها الشعبي، لتحقيق هدف الوحدة، هي التركيز على قضية الاصطفاء. وترد في معظم الأدبيات تحت مسمى الطليعة. فحزب البعث، في دستوره الذي صدر في ابريل/ نيسان العام 1947م، رأى أن هدف الوحدة يتطلب وجود تنظيم قومي، تؤسس له فروع على مستوى الوطن العربي، يمثل في تشكيله وصدق ونقاء أعضائه الأمة المصغرة التي يتطلع القوميون إليها، حين يضم مناضلين من مختلف أقطار الوطن العربي. وهؤلاء المناضلون يمثلون طليعة الأمة، وهم في هيكلية تنظيمهم، يعبرون عن حضور معنوي للأمة التي يتطلعون في المستقبل إلى تحقيق وحدتها.

حركة القوميين العرب، في بداية الخمسينيات، نحت ذات المنحى، ورأت في تنظيمها طليعة قومية، تشكل رأس الحربة في تحقيق الوحدة العربية. وحتى الرئيس جمال عبد الناصر طرح فكرة التنظيم القومي. وإثر نكسة الخامس من يونيو/ حزيران العام 1967م، تشكل التنظيم الطليعي الناصري، في عدد من الأقطار العربية، على أساس تشكيل طليعة قومية تقود النضال في هذه البلدان وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية.

ولم يكن الأمر مختلفاً في حركة القوميين العرب، التي انتهت كحركة قومية بعد نكسة حزيران مباشرة، وتحولت إلى تنظيمات قطرية، وانقسمت كما انقسم البعث إلى عدة مجموعات. وخاضت صراع سلطة دموياً بين أجنحتها في اليمن الجنوبي، ذهب ضحيتها آلاف القتلى، وانتهت بفشل التجربة. أما التنظيم الطليعي الناصري، فتجربته قصيرة جداً، انتهت برحيل القائد الرئيس عبدالناصر. والنتيجة أننا أمام ما يشبه النهاية لمفهومي الطليعة والاصطفاء، اللذين تبنتهما الحركة القومية منذ بداية الأربعينيات في القرن الماضي.

في الستينيات من القرن الماضي، بدأ المفكر القومي نديم البيطار، بالكتابة عن آلية أخرى لتحقيق الوحدة العربية، اختزلها في تطبيق مفهوم الإقليم القاعدة. والمقصود بذلك، أن يعمل القوميون على تسلم الحكم في أحد الأقطار العربية، ويطبقوا نموذجهم في التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، بما يجعل من القطر الذي يقود القوميون فيه السلطة منطقة جاذبة ومؤثرة في نشر وتعزيز الفكر القومي، وبالتالي التسريع في تحقيق الوحدة. لكن هذا التنظير ووجه بفشل ذريع، بعد هزيمة الأنظمة القومية في مواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني، وعجزها عن مقابلة استحقاقات الناس في الحرية والكرامة والعدالة، والدفاع عن سلامة وأمن واستقرار البلدان التي تمكنوا من تسلم السلطة فيها.

وتبقى معضلة تحديد المفاهيم التي لازمت الفكر القومي منذ بداياته حتى يومنا هذا، وبضمنها مفهوم القومية ذاته، الذي هو عاطفة ونزوع باطني نحو بشر، وفقاً للمنظر القومي ساطع الحصري، وحب قبل كل شيء كما يراها مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق. هذه التعريفات وقضايا أخرى ذات علاقة بنقد الفكر القومي، ستكون موضوعاً لحديث قادم بإذن الله.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3506 - الخميس 12 أبريل 2012م الموافق 21 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً