العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ

الأميركيون استخدموا قنابل النابالم في حرب العراق

مازالت صورة الفتاة العارية التي هرعت باتجاه مجموعة من الصحافيين وقد احترق نصف جسدها، راسخة في الأذهان لاسيما وأنها اعتبرت من أبرز صور حوادث القرن الماضي ورمزا لحرب فيتنام.

وراء هذه الصورة مخالفة أميركية واضحة للقوانين الدولية إذ قامت القوات الأميركية في حربها ضد الفيتكونغ باستخدام قنابل النابالم المحظور استخدامها دوليا، كما استخدمتها «إسرائيل» في حرب العام 1967. وكشف تقرير تلفزيوني بثته محطة التلفزة الألمانية الأولى (ARD) أن الأميركيين استخدموا القنابل الحارقة في حرب العراق. والسائد حتى الآن أن هذا السلاح المرعب، محرّم استخدامه دوليا إلا أن التلفزيون الألماني حصل على معلومات تؤكد أن الأميركيين استخدموا قنابل النابالم الحارقة في هجومهم على العراق متجاهلين القوانين والمواثيق الدولية. وظهرت شكوك بشأن استخدامه من خلال الحروق التي أصابت الجسد النحيل لطفل عراقي فقد يديه بعد أن فقد غالبية أفراد أسرته، وهذه الحروق التي التهمت أكثر من نصف جسده هي نتيجة استخدام سلاح محظور.

أميركا فوق القانون

وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قبل صدور اتهامات عبر برنامج «مونيتور» الناقد، نفت استخدام قواتها النابالم في العراق. ولم يكشف أي من الصحافيين الـ 600 الذين رافقوا الجيش الأميركي في مهمة غزو العراق عن وجود قنابل النابالم الحارقة في مخازن الأسلحة.

وقال الصحافيان الألمانيان جون غوتز وغيرغ ريستلي اللذان حصلا على معلومات تدحض تصريحات كبار مسئولي وزارة الدفاع الأميركية إن واشنطن كذبت حين نفت استخدامها النابالم في العراق.

فقبل 35 عاما قامت الطائرات الحربية الأميركية بقصف قرى في فيتنام ضمن سياسة الأرض المحروقة، وتسببت في هجرة مئات آلاف البشر، ونشر الخوف والذعر في نفوس الشعب الفيتنامي وكان السلاح المؤثر في هذه الحرب: قنابل النابالم الحارقة.

الآن تم تأكيد المعلومات التي عرضها التلفزيون الألماني قبل أيام، وقالت وزارة الدفاع الأميركية إنها استخدمت سلاحا يشبه سلاح النابالم، ولكن الوزارة لم تقل إن هذا السلاح هو النوع المطور لسلاح النابالم إذ يتوقع المرء أن تكون الولايات المتحدة قد عملت خلال الـ 35 سنة الماضية على تطوير هذا السلاح المحرم دوليا. وكان واضحا منذ بداية حرب العراق أن القوات الأميركية لن تتأخر عن استخدام أي نوع من الأسلحة في سبيل تحقيق أهدافها العسكرية. وأبرز دليل على هذا استخدامها قنابل يبلغ زنة الواحدة منها 900 كغ، وقنابل عنقودية وانشطارية تستطيع تمشيط مساحات واسعة من الاراضي. كما كان واضحا أيضا أنها ستستخدم القنابل الحارقة.

متابعة ألمانية

وجاء في تقارير الصحافيين الذين رافقوا قوات الغزو عند زحفها إلى بغداد أنه شوهدت مناظر مرعبة نتيجة الغارات الجوية وخصوصا عند الهجوم على مواقع الجيش العراقي على الحدود العراقية/ الكويتية. وقال الصحافيان الألمانيان غوتز وريستلي في تقريرهما التلفزيوني إن الأمر بدا أكثر من معركة حربية، بل كان مجزرة ففي كل مكان تبعثرت أشلاء الجنود. والمؤكد أن الطائرات الحربية الأميركية استخدمت أسلحة محظورة دوليا من ضمنها النابالم، السلاح نفسه الذي تقززت له الأبدان بسبب الأذى الذي سببه للمدنيين في حرب فيتنام وهو السلاح نفسه الذي تسبب بأذى الفلسطينيين والمصريين في حرب الأيام الستة.

وقال الصحافي الأميركي جيمس كرولي الذي كان بين فرق الصحافيين الذين رافقوا القوات الأميركية إنه حاول الاستفسار عن نوع الأسلحة التي يستخدمها الأميركيون ضد الجيش العراقي، فقيل له إنه يجري استخدام قنابل الليزر وقنابل النابالم أيضا، ولكن سرعان ما نفت وزارة الدفاع الأميركية هذه المعلومات وقالت إن قواتها لم تستخدم النابالم في حرب العراق كما أنها لن تستخدمه.

غير أن مجموعة من الصور التي التقطت من غرف قيادة المقاتلات الحربية الأميركية تثير أكثر من سؤال بشأن نوعية القنابل التي تم رميها على رؤوس العراقيين وبوسع أي خبير عسكري أن يشير إلى أنها قنابل النابالم. وفي سياق التحقيقات التي قام بها الصحافيان الألمانيان سافرا إلى سان دييغو، وزارا قاعدة تابعة للبحرية الأميركية، وقالا إن متحدثا عسكريا باسم البحرية أكد أن القوات الأميركية استخدمت قنابل النابالم في العراق. وظهر العقيد الأميركي جوزيف بوم في برنامج (مونيتور) ليقول: قمنا باستخدام 30 برميلا من السائل الحارق خلال 30 يوما من المعارك العسكرية تسهيلا لزحف القوات البرية إلى بغداد، ولكن المتحدث العسكري الأميركي رفض الحديث عن الأماكن التي تم رميها بقنابل النابالم مكتفيا بالقول: النابالم سلاح كأي سلاح قاتل ومؤثر أيضا.

هذا وتصف العسكرية الأميركية قنابل النابالم باسم MK 77، وهو السلاح المطور لقنابل Na - Palm التي استخدمت في حرب فيتنام حيث تم اختبارها وأثارت نقمة عالمية على الولايات المتحدة.

التبجح بالاستخدام

ويؤكد الخبير الأميركي جيمس سنايدر - الذي أعد مجموعة من الدراسات عن القنابل الحارقة - أنه ليس هناك أي فرق بين قنابل النابالم وقنابل MK 77، وقد تم صنعهما من أجل هدف واحد. ويجد جيمس سنايدر الفارق الوحيد في نوعية المزيج الحارق، ويقول إن هدفهما القضاء على أكبر عدد ممكن من البشر واختراق المخابئ وانتشار النيران على مساحات واسعة.

وأبلغ متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية التلفزيون الألماني ردا على استفسار عن هذا الموضوع: نؤكد لكم أنه لم يجرِ استخدام قنابل MK 77 خلال المعارك العسكرية على الحدود العراقية/ الكويتية. ومضت وزارة الدفاع الأميركية في بيانها - الذي هو أقرب إلى النفي - تقول عن السؤال عن نوع السلاح الذي خلف قنابل النابالم: تطلق تسمية نابالم على قنابل MK 77 لأن فعلها مشابه إلى حد كبير للفعل الذي تحدثه قنابل النابالم.

هكذا يتضح بما لا يدعو الى الشك أن حرب العراق التي قامت بناء على أكاذيب وأضاليل، سمحت الحكومة الأميركية فيها للعسكريين باستخدام الأسلحة المحرمة نفسها التي تم استخدامها في حرب فيتنام على رغم أن الجيش العراقي لم يبدِ مقاومة تذكر، وأن الأميركيين كانوا يعرفون أن هذا الجيش أصبح قوة عسكرية هامشية في المنطقة العربية. وليس بوسع الذين تعرضوا لأذى قنابل النابالم أن ينسوا في حياتهم التجارب المريرة التي تعرضوا لها وهي من أسلحة الدمار الشامل.

وقال الخبير الأميركي جيمس سنايدر: «إنني لا أتصور ميتة أسوأ من الموت حرقا بقنابل النابالم فهي الجحيم بعينه». وكانت صور الغارات الحارقة التي نفّذها الأميركيون في فيتنام قد قادت إلى حظر استخدام قنابل النابالم دوليا. ويقول أستاذ القانون الدولي بجامعة بوخوم الألمانية البروفيسور هانز يواخيم هاينتزي: «يحظر القانون الدولي استخدام هذا السلاح مهما كانت الظروف، وخصوصا ضد المدنيين أو الأهداف المدنية». وأكد خبير القانون الدولي أن استخدام قنابل النابالم مخالف لحقوق الشعوب لأنها تلحق خسائر جهنمية بالبشر ولأنها تعذّب الضحايا بصورة مروعة.

ولكن استخدام هذا السلاح المحرم دوليا مسألة عادية بالنسبة الى البحرية الأميركية. وقال العقيد جوزف بوم للتلفزيون الألماني عند مواجهته بالإثم الذي اقترفته بلاده بحق العراقيين: «هذا ليس أمرا مهما بالنسبة إلينا ولا نعتبره سلاحا خطيرا، وليس بوسعي أن أقول الكثير عن فعل سلاح النابالم لأنه لم يسبق وأن تعرضت لهجوم استُخدم فيه هذا السلاح. كل ما أستطيع قوله إنه سلاح قاتل، ولهذا السبب نقوم باستعماله فهو لا يختلف عن صنوف السلاح الأخرى التي نملكها».

بعد أكثر من ثلاثة اشهر على النهاية الرسمية لحرب العراق ظهرت أولى الحقائق عن نوعية أسلحة الدمار الشامل التي استخدمها الأميركيون في حرب قامت على أساس البحث عن أسلحة الدمار الشامل

العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً