العدد 3512 - الأربعاء 18 أبريل 2012م الموافق 26 جمادى الأولى 1433هـ

عبدالقيس: حلقة الوصل بين السامية والعربية

تناولنا في الفصول السابقة الحُقب اللغوية التي تعاقبت على مملكة البحرين وشرق الجزيرة العربية، بدءاً بالحقب السومرية وصولاً إلى بداية حقبة دخول اللغة العربية الشمالية التي سادت على المنطقة. إلا أن هذه اللغة الأخيرة تداخلتها العديد من تأثيرات اللغات التي سبقتها، وهذه التأثيرات لم توثق بصورة واضحة ودقيقة لكنها تذكر بصورة متفرقة في كتب اللغة. تلك التأثيرات لم تنقرض تماماً؛ بل استمرت ضمن اللهجات الحضرية التي تطورت من اللغة العربية الأم التي سادت في المنطقة وبالتحديد اللهجة البحرانية. وحتى نثبت وجود تأثيرات أو تداخل مفردات من اللغات السامية التي سبقت العربية الشمالية التي سادت في شرق الجزيرة العربية فإنه يتوجب علينا أن نبحث عن توثيق، ولو ضئيل، لوجود تداخل لمفردات سامية ضمن لغات القبائل العربية التي سكنت المنطقة وذلك ضمن المعاجم اللغوية القديمة، ثم نبحث بعد ذلك عن تأثيرات تلك اللغات السامية ضمن اللهجة الحضرية المحكية عند العامة؛ أي اللهجة البحرانية، في الوقت الراهن.

بهذه الصورة يمكننا أن نثبت وجود امتداد لتداخل المفردات السامية في اللهجة البحرانية، وإن ما نراه من تأثيرات سامية في اللهجة البحرانية حدث منذ زمن طويل. وبما أن منطقة البحرين القديمة (أي جزر البحرين وشرق الجزيرة العربية) قد ارتبط، بصورة أساسية، بقبيلة عبدالقيس فإننا سنقتصر بالبحث في بعض المفردات التي تميزت بها قبيلة عبدالقيس عن غيرها ووثقت في كتب اللغة القديمة باسم هذه القبيلة.

عبدالقيس من البداوة إلى الحضرية

عند مجيء القبائل العربية لم يعيشوا منعزلين عن باقي الشعوب التي كانت تستوطن البحرين وشرق الجزيرة العربية من المتحدثين بالفارسية والآرامية؛ بل اندمجوا معهم، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد من المتقدمين وحتى المتأخرين من الكتاب، وقد وردت عدة إشارات تدل على أن القبائل العربية عابت على بعض القبائل كقبيلة عبدالقيس أنها اندمجت مع الشعوب الأخرى وتقبلت العمل في الزراعة وغيرها من المهن التي كانت تترفع عنها القبائل العربية وانعكس ذلك في العديد من الأشعار (العماري، بدون تاريخ، ص 17 - 19). ولم تكن قبيلة عبدالقيس حضرية في الأصل؛ بل كانت أقرب إلى البداوة منها إلى الحضارة وذلك حينما كان العبديون، نسبة لعبدالقيس، في تهامة الموطن الأصلي لهم «ولكنهم لما هاجروا إلى البحرين واستوطنوها، فإن حياتهم أصبحت تميل إلى الاستقرار، وساعدتهم على ذلك طبيعة البحرين الجغرافية، التي تميزت بوفرة المياه وتعدد العيون والينابيع؛ ما جعل أرضها تمتاز بالخصوبة عن غيرها. ومعلوم أن الاستقرار والرخاء المعيشي من شأنه أن يؤدي إلى الازدهار في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومجتمع عبدالقيس يبدو أنه انتقل نقلة جذرية، من حياة البداوة إلى حياة التحضر» (آل الشيخ مبارك 1995، ص 37).

وقد ذابت قبيلة عبدالقيس مع الشعوب الحضرية وأصبحت من ضمن الجماعات التي امتهنت الزراعة والملاحة وارتبطت بالأرض، وبعضها قد يكون غير عربي، أو عربي اندمج في الحياة الحضرية وأخذ شيئاً فشيئاً يصبح ذا علاقة بالاستقرار والاستيطان، وقد تخلت كلية عن حياة البادية، وبقي قسم من قبيلة عبدالقيس بدوياً حتى القرن الحادي عشر الميلادي، وهذا الجزء البدوي من عبدالقيس كان يمثله العيونيون، الذين أخذوا يندمجون في الحياة الحضرية وانتقلوا من أطراف الصحراء إلى سكنى الريف؛ بل آثروا الحياة الحضرية على الحياة البدوية، واستطاعوا تكوين إمارة لهم وهي الدولة العيونية (العماري، بدون تاريخ، ص17 - 18).

تداخل الألفاظ السامية لغة عبدالقيس

إن انخراط قبيلة عبدالقيس في الحياة الحضرية يفرض عليها استخدام ألفاظ الحضارة التي ترتبط بالمهن الحضرية المختلفة وقد تم توثيق عدد من الألفاظ التي انفردت بها قبيلة عبدالقيس منذ القدم وهي ألفاظ يرجح أنها ليست من أصول أكدية أو آرامية، نذكر بعضها هنا.

1 - النون والشدة الشرقية

لقد ولدت الشَّدة الشرقية منذ العصور القديمة لدى بعض القبائل السريانية الشرقية في العراق نوناً؛ أي إضافة حرف النون بعد الحرف المشدد (اغناطيوس يعقوب الثالث 1969، ص 25)، ويمكن العثور على ذلك في ألفاظ عربية ذات أصل آرامي ومنها ألفاظ نسبت لقبيلة عبدالقيس من مثل قول رنز أي رز، جاء في تاج العروس مادة «رنز»: «الرُّنْزُ، بالضَّمِّ، أَهمله الجَوْهَرِيّ. وقال ابن سِيده: لُغة في الأُرْز، لعبد القَيْس، كرهوا التشديد فأَبدلوا من الزَّاي الأُولى نُوناً، كما قالوا إنْجَاص في إجّاص».

وهناك ألفاظ أخرى من مثل زبيل وزنبيل، وهذه الظاهرة بقيت حتى في اللهجة البحرانية من مثل إنتين وإنتون والأصل أتين وأتون وهذا ما سنناقشه بالتفصيل في فصول مقبلة.

2 - السخين (الصخين)

السخين ويلفظ «الصخين» (أي بالتفخيم) وهو مسحاة معقوفة من الأمام تستخدم في الحفر أو حرث الأرض والجمع سخاخين، جاء في تاج العروس «السَّخاخِينُ: المَساحِي بلُغَةِ عبْدِالقَيْسِ، (الواحِدُ كسِكِّينٍ لا كأَميرٍ كما تَوَهَّمَ الجوْهرِيُّ) ... وهي مِسْحاةٌ مُنْعطِفَةٌ، كما في الصِّحاحِ وفي بعضِ نسخِها: مُنْعقِفَةٌ».

ومازال يعرف في البحرين وشرق الجزيرة العربية والعراق والإمارات باسم «صخين» وفي عُمان «خصين» (بتقديم الخاء)، ومن المرجّح أن الاسم من أصل أكدي؛ إذ يعرف بالأكدية «خصينو»Holes 200، p. 293

3 - الكنار (ثمار السدرة)

الكنار عند العامة في مملكة البحرين ومناطق أخرى في الخليج العربي هو النبق أي ثمار شجرة السدرة؛ وعليه تسمى السدرة أيضاً شجرة الكنار. جاء في معجم «تاج العروس» مادة «كنر»: «الكُنَار، كغُراب، أهمله الجَوْهَرِيّ، وقال ابنُ دريد: عَبْدُالقَيْس تُسمَّي النَّبِق الكُنَار. قلتُ: وقد استعملها الفُرْسُ في لسانهم».

واسم الكنار ربما كان من أصل آرامي فقد ورد في التلمود البابلي، الذي يعود تاريخه لما بين القرن الثالث والقرن الخامس الميلادي، الاسم «كاناري» بمعنى السدرة (Dafni et. al. 2005).

4 – الفرزوم والقرزوم

القرزوم هو لغة في الفرزوم وهو في لغة عبدقيس المِئْزَرُ (تاج العروس مادة قرزم). وجاء في دراسة «الألفاظ السريانية في المعاجم العربية»: «ف? أقرب الموارد: «الفرزوم نوع من الث?اب ?قال له المرط أو المئزر». وف? الجوال?ق? ص 266 «قال أبوبکر: وتسمي عبدالق?س المرط والمئزر: فرزوماً، بالفاء وأحسبه معرّبا» وف? الهامش: قال ابن در?د أ?ضاً 3:337: «فأما الفرزوم بالفاء فإزار تأتزر به المرأة ف? لغة عبدالق?س وأحسبه‏ معرّباً» والمادة بهذا المعن? لم تذکر ف? اللسان ولا ف? القاموس. قلنا ه?‏ سر?ان?ة frozoumo والفعل ethfarzam: تأزر لبس‏ سراو?ل. فاللفظ معرب من السر?ان?ة» (مار اغناطيوس أفرام الأول 1949، م 24 ج 3 ص 337).

5 – الرَّكْلُ والرَكَّالٌ

الركل في لغة عبدالقيس هو ما تسميه العامة اليوم «بقل» وفي اللغة العربية «الكراث»، جاء في معجم «تاج العروس» مادة «ركل»: «الرَّكْلُ: الْكُرَّاثُ، وهو الطِّيطَانُ، عن ابنِ الأعْرابِيِّ، وخَصَّهُ ابنُ دُرَيْدٍ بِلُغَةِ عبدِالقَيْسِ، ومثلُه في الكامِل للمُبَرِّد، قال الشاعِرُ:

ألاَ حَبَّذَا الأَحْساءُ طِيبُ تُرابِهَا ورَكْلٌ بها غَادٍ عليْنا ورَائِحُ

وَبائِعُهُ رَكَّالٌ، كشَدَّادٍ، والرَّكْلَةُ: الْحُزْمَةُ مِنَ الْبَقْلِ».

والركال في اللغة الآرامية هو البقال (اغناطيوس يعقوب الثالث 1969، ص 117).

العدد 3512 - الأربعاء 18 أبريل 2012م الموافق 26 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً