العدد 3514 - الجمعة 20 أبريل 2012م الموافق 28 جمادى الأولى 1433هـ

أيام المنامة والفرص الضائعة

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لنذكركم بدايةً بأيام كانت ستكون من أجمل الأيام، لو اكتملت بعزائم الرأي الحصيف والمنطق الديمقراطي الحكيم. إنها أيام المنامة حين تأسس فيها في شهر مارس عام 2009 فريق عمل عربي بشأن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية ضم عدداً من الخبراء والناشطين الحقوقيين والقانونيين والإعلاميين والمفكرين العرب.

يومها كأن المنامة هي من بشّر بربيع العدالة الانتقالية العربي، وإن تأخر عنها. وقد أكد فريق العمل وقتها على ضرورة أن تتحقق أهداف العدالة الانتقالية على مستويين: الأول يتمثل في الحقيقة والإصلاح العام، والآخر يتمثل في عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب.

في أيام المنامة الدافئة تلك نشرت الصحافة البحرينية هذا التصريح حينها لرئيس اللجنة التنفيذية للمؤسسة العربية الديمقراطية علي فخرو بقوله: «أن العدالة الانتقالية هي عدالة في أحسن أحوالها عدالة ناقصة، وليست أكثر من تنازل مستبد عن جزء من استبداده، وتنازل الظالم عن جزء من ظلمه، وتنازل الضحية عن جزء من حقوقها والعدالة التي تطلبها، وذلك كله من أجل السلام الاجتماعي والانتقال من مرحلة إلى أخرى». لافتاً إلى أن فهمها بهذه الطريقة يعني الانتقال إلى القول إن العدالة الانتقالية تهيئ الأجواء لإمكان الانتقال الديمقراطي السلمي، وهو ما يهم المؤسسة العربية للديمقراطية باعتبار أنها تسعى إلى تثبيت انتقال المجتمعات العربية إلى المستوى الديمقراطي.

وقد أضاف هذا المفكر البحريني الكبير نقطةً مهمةً جداً على السطر لو تم الأخذ بها حينها لما وصل الحال لما هو عليه الآن، ولننتبه لها جيداً اليوم. فقد قال: «إن منطق التاريخ لا يتغير وهو أن القوى التي تسيطر لن تتنازل بسهولة عن الامتيازات التي لديها، إلا أننا نأمل أن نوجد نوعاً من الطريق السلمي لحل تلك الإشكالات، ولكن ما لم يكن هناك توازن بين الحكم والمجتمع سيبقى الخوف من الجهتين أن يتعاملا بندية، وعندها لا العدالة الانتقالية ولا غيرها سيحلون هذا الإشكال».

كما أضاف الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وقتها، عبدالله الدرازي: «ان العدالة الانتقالية لا تجلب الديمقراطية وإنّما التحولات الديمقراطية هي التي تأتي بالعدالة الانتقالية».

يومها، لو تم تشجيع المبادرة غير الرسمية التي شكلها التحالف البحريني من أجل العدالة الانتقالية منذ العام 2007، ومنحها حق تأسيس لجان الحقيقة والإنصاف والمصالحة، لما وصلنا لما نعيشه اليوم من أزمات مركبة.

ولو أخذنا بما ذكره الأمين العام للمؤسسة الديمقراطية العربية محسن مرزوق، من أن تجارب العدالة الانتقالية واجهت في تطبيقها مشكلات تراكم انتهاكات حقوق الإنسان والفقر والنزاعات السياسية. وأننا حين النظر في الانتهاكات يستوجب أن يكون الوضع مختلفاً عن الماضي، وأن يكون هناك تغيير إما سياسي أو شكلي بين الحاكم والمحكوم. والذي يؤدي إلى التحقيق في الانتهاكات ومن ثم النظر في الحقيقة، وهذا يفسّر أن التجارب الكبرى التي حدثت فيها عدالة انتقالية أوضحت أنها تعيش في مؤسسة ديمقراطية.

وفي أيام المنامة تلك، استعرض الخبراء الحقوقيون العرب وثيقة تأسيسية لإطلاق الفريق العربي المختص بالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. وجاء في مقدمة الوثيقة التأسيسية التي شارك في إعدادها خبراء من مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية وبالاشتراك مع المعهد العربي لحقوق الإنسان ومنظمة «لا سلم بدون عدالة»، وبالتعاون مع مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، أن أبرز أهداف فريق العمل تكمن في نقل الخبرات الدولية للمنطقة العربية في مجال المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي، وتأهيل خبرات عربية متخصصة ذات كفاءة في مجالات العدالة الانتقالية المختلفة، وتقديم خبرات لقوى المجتمع المدني والحكومات في الدول العربية في مجال التخطيط الاستراتيجي لسيرورات المصالحة الوطنية باعتماد منهجيات وآليات العدالة الانتقالية.

وآهٍ ممن لا يقرأون وهم يحضرون الافتتاحات لمثل تلك الاجتماعات قراءة صحية لما يفرزه الخبراء من سُبل الحلول فيها. فقد تبنت أيام المنامة تلك أهدافاً وردت في العبارات الحكيمة مدركة لما حدث وسيحدث لو نفذتها المنامة لكنا رواد تحقيق العدالة لانتقالية في الوطن العربي بل والعالم، ولما احتجنا لأي خبير يدربنا اليوم على أسس حُسن العلاقة بين الحاكم والمحكوم والآمر والمأمور. من تلك العبارات: «إن العدالة الانتقالية تجربة حقيقية وأداة مكتملة ذات قيمة، في السعي إلى تحقيق العدالة والمصالحة وعامل رئيس في استعادة ثقة الجمهور في مؤسسات الحكم الوطنية». ومنها “يتعيّن على أية استراتيجية في مجال التعاطي مع موضوع العدالة الانتقالية في المنطقة العربية أن تراعي وأن تتفاعل إيجابياً على الدوام مع صعوبات موضوعية وذاتية من بينها: استيعاب الاعتبارات السياسية لصناع القرار وحساسيتهم لإدارة وتدبير تركات الماضي، وقراراتهم السياسية بخصوص استتباب السلم المدني، وتشجيعهم على مواصلة مسلسلات الانفتاح على قضايا الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. مع وجود إدارة سياسية لدى بعض صناع القرار أو الجهات المؤثرة على صناعة القرار السياسي في بعض الدول العربية بخصوص إيجاد مخارج لأزمات الماضي، المتصلة ببعض قضايا العدالة الانتقالية».

تلك فقط أجزاء بسيطة من الفرص الضائعة أمامنا وبيدنا لتسجيل أهداف حقيقية في مرمي الحقيقة الأبدية في سياق العدل الإلهي الذي خلقنا المولى عزّ وجلّ له وأمرنا به، وما أكثر الفرص الضائعة والدروس المضيعة، فهل لنا في أيام المنامة أسوة حسنة؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3514 - الجمعة 20 أبريل 2012م الموافق 28 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:19 ص

      منامي

      قد لا أفقه كثيراً مما تقول أستاذي الفاضل, مع فائق الإحترام لشخصك الكريم!! فهلاّ خاطبني على قدر فهمي و أجبتني: لمَ لا تكتب عن مشروع "الإسكان" في العاصمة؟!!
      فبإعتباري من المنامة أدعوك لذلك و أؤكّد لك بأنّ المناميّون لا يرغبون بالخروج منها بتاتاً, و هذا هو أفضل شيء للحفاظ على إبقاء روح المنامة حيّة.

اقرأ ايضاً