العدد 353 - الأحد 24 أغسطس 2003م الموافق 25 جمادى الآخرة 1424هـ

مقاومات عراقية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كل يوم، تقريبا، تنقل الصحف والفضائيات ووسائل الإعلام العربية رسائل أو بيانات أو أشرطة منسوبة إلى فصائل مقاومة عراقية. ليست هذه مشكلة.

المشكلة تبدأ في تنوع وتشرذم «المقاومات» وتشتت مشروعاتها وأهدافها. والأهم من ذلك لغة البيانات والأشرطة والرسائل. فاللغة عامة وأحيانا سطحية تكشف عن نوع من تدني السياسة وضعف البرامج وقلة الخبرة في تحديد الأولويات. فاللغة أشبه بالخليط من مجموعة أفكار لا صلة لها بالواقع والخطوات المرحلية التي تريد المقاومة تحقيقها وصولا إلى طرد الاحتلال واستعادة الوحدة والاستقلال. فهناك بعض الأشرطة المشبوهة التي تتعمد أحيانا وضع صور «صدام حسين» في خلفية المشهد لتظهر المقاومة أمام الرأي العام العراقي وكأنها مسلوبة الإرادة أو محكومة بوظيفة محددة وهي عودة النظام السابق إلى حكم دولة عانى شعبها الأمرّين من تسلط الأسرة - العشيرة.

إلى ذلك يمكن القول ان مثل هذه الأشرطة المشبوهة تشوه سمعة المقاومة وتسهم في عزلها عن محيطها السياسي - السكاني... مضافا إليها انها تعطل برنامج أولويات المقاومة وتكسر سلسلة حلقات لابد من التخلص منها قبل التوصل إلى البحث عن النظام الجديد أو البديل. فالمقاومة أصلا نهضت ضد الاحتلال. والاحتلال هو المشكلة الأولى والرئيسية ومهمة ازالة الاحتلال هي أساس كل المهمات الأخرى من دون انتقاص منها.

نظام الاولويات ينظم أهداف المقاومة ويحدد أطر أنشطتها ويقلل إلى الحدود الدنيا خسائرها كذلك يساعدها على تجاوز الأخطاء التي يمكن ان تقع بها.

تحديد الاولويات وتركيز الجهود والضربات على قوات الاحتلال يعزز من شعبية المقاومة ويزيد من فعاليتها السياسية ويضعها في النهاية في سياق الخط السليم... بينما تشتيت المقاومة يعطل أهدافها المركزية ويوسع من دائرة خصومها ويشوش على مشاعر الكثير من المتعاطفين معها.

الصراع الآن في العراق ليس على النظام وطبيعة السلطة أو نوع (واسم) العشيرة التي تريد حكم الدولة. فهذا الموضوع يمكن تأجيله وهو الآن ليس هدفا للتضحيات في وقت يكون الاحتلال يركز أقدامه من خلال ابرام العقود لمصلحة شركات النقل والنفط والاتصالات والبناء اضافة إلى صفقات الأسلحة والتسليح. فالمقاومة يجب ان تنتبه إلى مثل هذه القضايا لأنها في النهاية هي السبب الذي دفع دولة كبرى مثل الولايات المتحدة إلى المغامرة بسمعتها الدولية وشن حرب عدوانية على العراق.

هدف الاحتلال ليس التحرير ولا تأسيس دولة فيدرالية - ديمقراطية بقدر ما هو محاولة للسيطرة على أرض العراق (الموقع الاستراتيجي) وثروته (النفط والسوق) والانطلاق من هناك لزعزعة استقرار المنطقة والعبث بأمنها. وكل هذه الأمور تصب في مصلحة «إسرائيل» ومشروعاتها التوسعية أو تلك التي تتجه نحو تثبيت احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية.

وحين تنجح المقاومة في تحديد الأهداف - التي جاءت من أجلها قوات الاحتلال - تستطيع ان تحدد أولويات أهدافها وهي منع الولايات المتحدة من فرض شروطها وهيمنتها على العراق ودولته المقبلة.

المشكلة في المقاومة العراقية انها حتى الآن لم تتوصل إلى توحيد أهدافها ووضع سلم أولويات يحدد خطواتها ضمن برنامج طويل المدى يبدأ بمنع الشعب من التطبع أو التطبيع مع الاحتلال وصولا إلى هزيمة قواته وإخراجها من بلاد الرافدين.

وحتى تتعلم المقاومة العراقية لابد لها من قراءة التجارب السابقة وأخذ الدروس من معظم ما فعلته حركات التحرر في العالم. فالحركات الناجحة لم تقاتل خارج الوعي السياسي بل وضعت دائما في برامجها سلسلة أهداف من دون ان تخلط الرئيسي بالثانوي. بينما الحركات الفاشلة لجأت كثيرا إلى الضرب العشوائي فانتهى بها الامر إلى الانحسار والتراجع.

المقاومة العراقية تكثر من البيانات والرسائل والأشرطة الامر الذي يثير علامات استفهام عن بعض محتويات تلك الصور ولغتها العامة وأحيانا المبهمة... بينما المطلوب تقليل الكلام وتطوير نوعية المواجهة ضمن أفق سياسي لا يخرج عن دائرة توحّد كل العراقيين وتجمّعهم من دون تمييز في مناطقهم وطوائفهم. وتلك الدائرة تقوم على معادلة بسيطة وهي: إزالة الاحتلال مقدمة للاستقلال وإعادة بناء الدولة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 353 - الأحد 24 أغسطس 2003م الموافق 25 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً