العدد 353 - الأحد 24 أغسطس 2003م الموافق 25 جمادى الآخرة 1424هـ

شارون دفن «الهدنة» و«حكومة عباس»... وربما «الخريطة»

الصحف العبرية تتحدث عن اغتيال أبوشنب

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

تناولت الصحف العبرية قضية اغتيال القائد في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسماعيل أبوشنب بعد أن أطلقت حكومة ارييل شارون رصاصة الرحمة على الهدنة التي أعلنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 29 يونيو/ حزيران الماضي، وربما على «خريطة الطريق» أيضا والاتفاقات السياسية والأمنية المنبثقة عنها عندما اغتالت مروحيات عسكرية إسرائيلية، القيادي السياسي البارز الذي استشهد مع اثنين من مرافقيه جراء قصف صاروخي دمر سيارتهم في مدينة غزة. وإذ لاحظت جميعها مسارعة كل من «حماس» وحركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة «فتح» إلى إعلان سقوط الهدنة بعد أن تعهدت مختلف الفصائل بالرد على الجريمة الإسرائيلية التي دانتها السلطة الوطنية

لاحظ المراقبون ان اغتيال أبوشنب، قد يكون جنّب الساحة الفلسطينية، صداما كان حتى قبل سقوطه شبه محتم. وفي هذا السياق أكدت معلومات «واشنطن بوست»، في خبر افتتاحي، ان وزير الشئون الأمنية محمد دحلان كان يضع اللمسات الأخيرة على خطة أمنية لمصادرة أسلحة الفصائل الفلسطينية عندما حصلت عملية الاغتيال. فيما تتقاطع معلومات فلسطينية تفيد بأن الفصائل كانت على أهبة الاستعداد لرفض مشروع دحلان. وفي خبر افتتاحي، نقلت «هآرتس»، عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع انه في حال لم تتخذ السلطة الفلسطينية خلال الساعات المقبلة (إثر اغتيال أبوشنب) أية خطوة ضد «حماس» وفي حال لم تقم بشيء لوقف العمليات فإن «إسرائيل» ستواصل حملتها ضد «حماس» و«الجهاد» بما في ذلك اغتيال المزيد من القياديين في الحركات الراديكالية الإسلامية وتوسيع نطاق عملياتها في الضفة الغربية وربما فتح جبهات جديدة في غزة.

ونقلت من جهة أخرى عن مصادر فلسطينية ان خطط دحلان، لاتخاذ تدابير ضد «حماس»، فقدت معناها مع اغتيال أبوشنب، كما انها نقلت عن مصادر فلسطينية أخرى انه مع حصول الاغتيال، بدأ العد العكسي لسقوط حكومة محمود عباس. كما نقلت عن مصدر فلسطيني رفيع المستوى ان اغتيال أبوشنب ألغى آخر فرصة لتغيير توازن في القوى بين حركة «حماس» والسلطة الفلسطينية في غزة كما انها نقلت عنها قولها ان شارون، لم يعط حكومة عباس 24 ساعة كي تبرهن على جدية نواياها في اتخاذ تدابير تجاه مرتكبي «عملية القدس».

وإذ أجمعت الصحف العبرية أيضا، على ان اغتيال الشهيد أبوشنب أضعف حكومة أبومازن، كان من اللافت، ان الإدارة الأميركية أقدمت على إحداث تغيير جوهري في موقفها من الرئيس الفلسطيني. وبدلا من المقاطعة والعزلة التي فرضتها عليه منذ حوادث «سفينة كارين إي»، وجه وزير الخارجية الأميركي كولن باول، نداء خاصا للرئيس ياسر عرفات، طالبا منه أن يضع «العصا الغليظة» المتمثلة بالأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها تحت تصرف أبومازن ودحلان لتنفيذ الخطة الأمنية. وبعد أن أعاد تصريح باول الرئيس الفلسطيني إلى دائرة «المسئولية» يبدو ان أبومازن، سيكون الضحية الأولى لانهيار الهدنة. ففي واشنطن بدأ البحث في مرحلة ما بعد أبومازن. بحسب ما نقلت «هآرتس»، عن الكاتب الأميركي داغ بلومفيلد ان مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، وبّخ عباس لأنه لا يبذل جهودا كافية لمكافحة «الارهاب» بينما نسب إلى نائب بيرنز، ديفيد ترفيلد القول «المسألة لا تتعلق بقدرة عباس وإنما برغبته. المقياس هو للتنفيذ ونحن لسنا راضين عنه». وقالت الصحيفة العبرية، ان المعنيين في واشنطن ومثلهم في العواصم الاوروبية وفي القدس شرعوا في التركيز على مرحلة ما بعد أبومازن، وهناك من يقترح درس إمكان اطلاق سراح مروان البرغوثي الذي يتفوق على عباس في استطلاعات الرأي بصورة ثابتة.

وعكست الصحف العبرية، الموقف الأميركي المستجد من الزعيم الفلسطيني، وعلى رغم ان افتتاحية «هآرتس»، لم تشر إلى طلب باول من عرفات التعاون مع عباس، تطرقت في مستهل افتتاحيتها إلى النزاع بين رئيس السلطة الفلسطينية عرفات، ورئيس وزرائها محمود عباس، معتبرة انه نزاع على السلطات فعرفات لا يريد أن يحصل رئيس الوزراء على أيٍ من صلاحياته الحكومية، مضيفة ان نتائج هذا النزاع هي التي أثرت على قدرات الحكومة الفلسطينية على مكافحة ما أسمته إرهاب حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي. وأوضحت «هآرتس»، ان النزاع على السلطات بين عرفات وعباس، ترك لرئيس الوزراء ومحمد دحلان، مسئولية الأمن الوقائي (نظير جهاز «الشين بت» الإسرائيلي كما وصفته) كما ان عرفات حصل بذلك على مسئولية الأمن القومي (المقابل لوحدات الجيش الإسرائيلي) كما انه أنشأ مجلس الأمن القومي الذي قلّل أيضا وأيضا من صلاحيات عباس ودحلان. ولاحظت «هآرتس»، من جهة أخرى ان عباس، حاول الحوار مع «حماس» والجهاد الإسلامي وذلك بسبب خوفه من أن يكون غير قادر على مواجهتهما عسكريا. وأوضحت الصحيفة العبرية ان عدد رجال الأمن في قطاع غزة مثلا هو 50 ألف غير ان بعض مئات منهم فقط يعملون فعليا على الأرض والباقون يحصلون على رواتبهم من دون القيام بشيء، بحسب «هآرتس»، التي استنتجت ان عباس، ليس لديه قوة عسكرية أو على الأقل قوة أمنية لمواجهة «حماس» والجهاد الإسلامي. ومن هنا رأت وجوب تعبئة كل أجهزة الأمن الفلسطينية بما فيها تلك التابعة لعرفات من أجل القضاء على «حماس» والجهاد في غزة. كما انها طالبت الحكومة الإسرائيلية بدعم أولئك الذين يودون مكافحة «الإرهاب» من السلطة الفلسطينية. لكن «هآرتس»، علّقت على اغتيال الشهيد أبوشنب، بالقول ان هذا الرد على عملية القدس سيصعب الأمر على حكومة عباس، وسيلغي آخر فرصة لإعادة إحياء عملية السلام على أساس «خريطة الطريق» التي وافقت عليها كل الأطراف مبدئيا على حد قول «هآرتس».

أما داني روبنشتاين في «هآرتس»، فاعتبر ان على عرفات أن يسلم عباس كل الصلاحيات الأمنية كي يكون قادرا على مواجهة الفصائل الفلسطينية. ولاحظ ان الحديث الذي كان سائدا في القيادة الفلسطينية بعد اغتيال أبوشنب، هو اعتبار انتهاء الهدنة هو نهاية الحكومة الفلسطينية بمعنى ان الجميع في السلطة يربطون بين مصير الحكومة الفلسطينية ومصير الهدنة. وأضاف انه لهذا السبب ربما طالب محمود عباس، بتدخل خارجي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وهو أيضا السبب على حد ملاحظة روبنشتاين، الذي دفع وزير الخارجية الأميركي، إلى دعوة رئيس السلطة الفلسطينية، إلى استعمال كل أجهزة الأمن الفلسطينية لوقف «الاعتداءات الإرهابية».

وعلق على خطة رئيس الوزراء الفلسطيني، التي تقضي على حد قوله، بالتزام الهدوء (في إشارة إلى الهدنة) الذي من شأنه أن يحسن ظروف حياة الفلسطينيين هذا التحسن الذي، بحسب اعتقاده، سيساعده على إعادة تنظيم أجهزة الأمن والمؤسسات الحكومية الفلسطينية. من هذا المنطلق استنتج الكاتب الإسرائيلي انه من دون هذا الهدوء لن يستطيع أبومازن، القيام بأي تقدم دبلوماسي كما انه لن يستطيع القيام بأي إصلاح داخل الإدارة الفلسطينية كما انه لن يكون بمقدوره تطبيق أي بند من بنود «خريطة الطريق» التي من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية. من جهة أخرى، ذكر روبنشتاين، ان وزير الإعلام الفلسطيني نبيل عمرو، قال ان عباس لا يخطط لتقديم استقالته بينما قال أعضاء آخرون في الحكومة الفلسطينية انه في حال استمر التصعيد فإن عباس لن يجد أمامه في النهاية سوى خيار الاستقالة، مضيفين ان احتمال أن يقدم عباس استقالته سيتوضح في الساعات أو الأيام المقبلة. أما من جانب عرفات، فرأى روبنشتاين، ان عليه أن يسلم عباس، كل الصلاحيات الأمنية كي يكون قادرا على مواجهة الفصائل الفلسطينية لأنه بات من المعروف ان غالبية رجال الأمن الفلسطينيين تحت أمرة عرفات، بما فيهم جهاز الأمن القومي.

لكن جدعون ساميت في «هآرتس»، حمل بشدة على سياسات شارون الحالية وتقنيات الرد لديه التي لا تهدد المؤسسة الصهيونية فحسب بل تقول له على الملأ «احزم حقائبك وعد إلى بيتك». وتساءل في مستهل مقالته هل يكفي وضع مسئولية الأزمات المتلاحقة في «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية على من أسماهم «العصابات» الإرهابية وعلى عباس الذي وصفه بالضعيف عندما يريد الإسرائيليون المغفرة لرئيس وزرائهم؟ وذكر في هذا السياق ان إيهود باراك، قال حديثا ان استراتيجية الالتفاف التي يتبعها شارون وتكتل الليكود تهدد المؤسسة الصهيونية كما لم يحصل من قبل معلقا أي ساميت، على ذلك بالقول ان باراك، لم يبالغ حين قال ذلك لأن سياسات شارون الحالية وتقنيات الرد لديه لا تهدد المؤسسة الصهيونية فحسب بل تقول لشارون، على الملأ «احزم حقائبك وعد إلى بيتك». وأوضح ساميت، انه لم يحصل في تاريخ «إسرائيل» أن قام رئيس وزراء بالمساس بمنصبه كما فعل شارون، مطمئنا إلى ان حصانته كرئيس للوزراء تكفيه كي يقوم بما يحلو له وما يحلو لأبنائه في إشارة إلى تورطهما في الفساد. وأضاف ساميت، ان ما من رئيس للوزراء في «إسرائيل» لقي معارضة كما لقي شارون، حتى من داخل حزبه في إشارة إلى بنيامين نتنياهو. وختم بالقول ان سنتين من الانهيار تكفيان للقول يجب أن يرحل شارن من رئاسة الوزراء.

من جانبه، زئيف شيف في «هآرتس»، عزا مجمل التطورات الأخيرة بين الفلسطينيين و«إسرائيل» إلى الخلل القائم في «خريطة الطريق» وإلى ما معناه تسليم الإسرائيليين «رقبتهم» إلى الأميركيين!! فقد انطلق من الفكرة السائدة في «إسرائيل»، التي تقول إن «إسرائيل»، بقبولها خطة «خريطة الطريق» أصبحت شريكة في قيام دولة فلسطينية راعية لـ «الإرهاب»، ليستنتج ان السبب وراء نشوء هذه الفكرة هو الخلل الكبير في «خريطة الطريق».

وأوضح ان هذا الخلل يبدأ أولا من ان هذه الخريطة تنص على قيام الدولة الفلسطينية في المرحلة الثانية منها أي قبل حل المشكلات العالقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بدءا بما يسميه «الإرهاب» وانتهاء بحق العودة. وتابع شيف، قائلا انه سيكون على «إسرائيل» أن تواجه كيانين مستقلين عند تطبيق «خريطة الطريق» من دون حل المشكلات بين «إسرائيل» والفلسطينيين، وهما الدولة الفلسطينية التي ستوقع الاتفاقات وحركتي «حماس» والجهاد الإسلامي اللتين ستكملان حربهما ضد «إسرائيل» مدعومتين بمنظمة التحرير الفلسطينية.

ولفت شيف، من جهة أخرى إلى ان «إسرائيل»، أخطأت حين اعتمدت على البيت الأبيض للقيام بكل شيء عنها بما في ذلك استنباط الحلول للمشكلات العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأن البيت الأبيض لم يتخذ أية خطوة ملموسة في هذا الاتجاه. مضيفا ان على الجانب الإسرائيلي اليوم أن يتحرك فورا لتصحيح الخلل في «خريطة الطريق» بالإضافة إلى التخلي عن انتظار الإدارة الأميركية لتتحرك بدلا منه معتبرا ان «خريطة الطريق» ليست مُنزلة ويمكن إجراء تعديلات عليها. وعرض شيف التعديلات التي يجب إجراؤها وهي: أولا: عدم الانتقال من مرحلة إلى أخرى في «خريطة الطريق» من دون موافقة «إسرائيل» على ذلك. ثانيا: عدم ترك أية مسألة عالقة من مرحلة ما والانتقال إلى أخرى قبل حلها. وثالثا: قيام الدولة الفلسطينية بعد حل المشكلات الأساسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإلغاء حق العودة إلى دولة «إسرائيل».

وعلقت «نيويورك تايمز»، في افتتاحيتها على عملية اغتيال أبوشنب، بالقول ان العملية ستعطي نتائج عكسية موضحة ان رئيس الوزراء الفلسطيني ووزير الدولة لشئون الأمن الفلسطيني نددا بعملية القدس ووعدا بفتح تحقيق وبملاحقة الفاعلين، لذلك فإن الإسرائيليين بلجوئهم إلى ما وصفته بالعمل الوقائي لم يعطوا تبريرا لحركة حماس، للتصعيد فحسب بل قوضوا كل خطط عباس، والسلطة الفلسطينية. وأكدت الصحيفة الأميركية من هذا المنطلق ان الوضع في غاية التعقيد فعباس ودحلان، ظهرا عاجزين عن تنفيذ التزاماتهما تجاه «خريطة الطريق» كما ان الجانب الإسرائيلي أيضا لم يستطع أن يضع حدا للنشاط الاستيطاني كما تنص عليه «خريطة الطريق» محملة الجانبين مسئولية الوضع الراهن ومطالبة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالتحرك فورا وبالكف عن لوم بعضهما بعضا. وطالبت أيضا في هذا السياق الإدارة الأميركية بمضاعفة جهودها لإحياء عملية السلام وبالتالي إحياء حكومة عباس معتبرة ان خروج هذا الأخير من السلطة سيكون نهاية «خريطة الطريق» لأنه لن يكون من السهل إيجاد بديل عنه مؤكدة ان هذا ما يجب أن يدركه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون قبل غيره. وختمت بالقول انه من الواضح ان عباس، لجأ إلى الهدنة كي يهرب من مواجهة حركة «حماس» والمجموعات الراديكالية الأخرى غير انها أكدت انه لا يجب التعامل مع هذه المجموعات بوسيلة الهروب لأن هدفها هو تدمير الدولة اليهودية لذلك فمن الأفضل لرئيس الوزراء الفلسطيني والأطراف المعنية أن تواجهها على هذا الأساس

العدد 353 - الأحد 24 أغسطس 2003م الموافق 25 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً