العدد 3530 - الأحد 06 مايو 2012م الموافق 15 جمادى الآخرة 1433هـ

هل الإسلاميون صالحون للحكم؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زعامة الحكم أشبه ببحر ماء لُجِّي، لا يُبان قاعه، ولا منتهاه. وكل مَنْ أراد أن يعوم في مائه المتلاطم، فعليه أن يتخفف من سراويله، وأكمامه، وما يعتمره من غطاء على رأسه، كي لا يعيق كل ذلك الاتشاح الثقيل، من حركته في ذلك الماء الهائج. أقصى حالات التسامح هي أن تلبس ما يستر حدَّ الكفاف من البدن، أو أن تلبس ما يَصِف ويَشفّ من اللبس.تلك شروط فنية متسالَمٌ عليها للسباحة الصحيحة ولا استثناء فيها لأحد، لا لصغير ولا لكبير.

ثقافة الحكم والرئاسة (والتي هي بمثابة بحر عميق القاع)، لا تحتمل أن يأتيها المتزعِّمون، أو الرائدون، بكل ما يحملونه من أفكار وأيديولوجيات، والتي هي بمثابة الملابس الثقيلة؛ لأن الفرق في ذلك واضح جدًا. ففي الأفكار والرؤى، أنتَ تتعامل مع نصوص وكلمات. تستطيع أن تجلس مُحَملِقًا في بطون الكتب وتتأمل، ثم تقول، وتنفي، وتستدعي، وتنتقي وتحتجّ، أو أن تقارِب، وأن تجترح، وتتفلسف وتناظر إن كنتَ ذا بيان ولسان، دون استحقاقات عملية أو أن تدفع ضريبة.

في الحكم، يختلف الأمر تمامًا. فأنتَ تتعامل مع أدوات، ومعادلات حسابية، وجُمُوح بشري متغاير، له ميول واتجاهات، وغرائز مختلفة، ومتطلبات حياتية، متباينة، ومصالح جغرافية واقتصادية لا تهاون في الدفاع عنها بأيّ وسيلة. في الدولة، أنتَ تتعامل مع خصوم، لديهم أدوات مماثلة، ولديهم مصلحة، في أن يُباغتوك من الخلف، طعنًا، أو استحواذًا. وبالتالي، فأنت لا تستطيع أن تلجأ للأفكار، والأيديولوجيات، لكي تدافع أو تتعامل مع كلّ تلك التحديات.

عندما كان المنصف المرزوقي معارضًا لنظام الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، كان الرجل يعتاش على التنكيل بدموية الحكم التونسي لبن علي من خلال تعييره بالقمع، وبفرض حالة الطوارئ على فضاء الدولة والمجتمع في تونس. لكنه اليوم، وعندما أصبح رئيسًا للجمهورية التونسية، بات يفرض حالة الطوارئ، ويُمددها للمرة الخامسة دون مشكلة.

وعندما كان الشيخ راشد الغنوشي، معارضًا سياسيًا، يقرأ الصحف في حديقة بيته غرب لندن كل صباح، ويرتشف القهوة، كان يقول ويكتب بحرية ما يؤمن به من أفكار في كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ويصدر البيانات اللازمة في المناسبات الإسلامية والعربية، وتلك الخاصة بالقضية الفلسطينية، لكنه اليوم لا يقول بمثل ما كان يكتبه ويُصرِّح به، ليس أقلها حديثه في دافوس، وموضوع الدستور.

لا أريد الاسترسال في ضرب الأمثال، بقدر ما أود المقاربة مع ما أقول. أيضًا، لا أريد أن أخلص إلى نتيجة صلاح حكم الإسلاميين من عدمه، فهي من حقوق الشعوب، حين تنتخبهم أو تلفظهم، لكنني أودُّ أن أتذكر مع القارئ، ما قاله الفيلسوف الفرنسي كورزيلسكي، من أن الخارطة ليست هي الميدان. نعم... السياسة والحكم هما ميدان، والأفكار مجرد خارطة فقط.

قد تصِف لأحد ما، وصفًا على الورق، لتحدد له مكانًا يسأل عنه، بأن عليك أن تسلك هذا الطريق، ثم تنعطف يمينًا بعد فرسخيْن، على أن تسلك الممر الملتف على المبنى السابع من جهة الشمال، لكنك تتفاجأ، حين تذهب لذات الطريق، أن الوصف لا ينطبق على الموصوف مطلقاً، بسبب تعديلات أو تحويلات جرى وضعها أو إجراؤها على تلك الطرق والممرات.

بالتأكيد، الأمر ليس متعلقاً بالإسلاميين فقط، وإنما هو ينسحب على باقي الانتماءات السياسية والأيديولوجية الأخرى. فهل يَعتبِر الشيوعيون اليوم، أن ستالين، كان شيوعيًا بحق؟! أبدًا، فالشيوعية لم تكن تقول بضرورة بناء السجن الأحمر، ولا بتهجير المعارضين السياسيين إلى سهوب سيبيريا، ولا باغتيال الرفاق وتصفيتهم، حتى تخوم المكسيك.

وهل كانت الديمقراطية الغربية في أوروبا على حق، عندما عاقبت النمسا، وهي العضو بالاتحاد الأوربي، وهددتها بفرض عقوبات اقتصادية، ووقف كافة أشكال التعاون معها، وعدم مصافحة أعضائها، عندما انتخب النمساويون (وبشكل ديمقراطي حر، وفقاً لأدبيات الحياة السياسية الأوروبية المرعية) اليميني المتطرف يورغ هايدر، وتشكلت حكومة ائتلافية في العام 2000 بين حزب الحرية اليميني الهايدري، وحزب الشعب بزعامة وولف جانج شوسيل.

خلاصة القول، إن الرئاسة والسياسة، خانقة. هي لا تمنحك إلاَّ النزر اليسير في أن تفعل ما تؤمن به في مجال المبادئ الأيديولوجية المسكوكة، والأفكار النظرية والمعلَّبة، وبالتحديد، في مجال الدين. بل إن السلطة هي أفضل وسيلة للفشل الفردي والجماعي والفكري. كثيرٌ من الأشخاص، كانوا معارضين، ولديهم كمٌ هائل من الأتباع، لكن دخولهم إلى السلطة، قد حوَّل أولئك الأتباع، إلى أشخاص كارهِيْن لمن كانوا يؤيدونهم. فالسلطة مجالٌ للازدراء والكره.

المشكلة أن أكثر الإسلاميين يستدعون من التاريخ والكتب نماذج مثالية لحركة الدولة وللسياسة والحكم، لكنهم يتعثرون في أول اختبار لهم. وهم بذلك يجعلون من الباب مفتوحًا أمام نقدهم، ونقد ما يلوكونه من أفكار، والتي هي في الغالب مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالدِّين وليس بالثقافة الدينية، وبالتالي تتأثر الأديان كثيرًا بتلك الصيغة من الخطاب. وقد حدث ذلك فعلاً خلال حكم الكنيسة في أوروبا، ويحدث اليوم في عالمنا المعاصر القريب.

لقد شَطَرَت تصرفات الكنيسة (الحاكِمة) الدِّين المسيحي، فأنتجت إلى جانب الكاثوليكية، البروتستانتية، الكاليفانية، والصراع على الهوية والمُلك، وبروز الإراسمية، وتجربة البابا بيوس التاسع. وربما نشهد اليوم، وخلال هذه المرحلة من التاريخ العربي، ومع صعود التيارات الإسلامية إلى الحكم، ذات الانشطارات، لتظهر أمامنا انتماءات فكرية غير معهودة، أمام سباق الجميع، على الظهور بالمظهر المدني، ومراعاة حقوق الإنسان والحريات.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3530 - الأحد 06 مايو 2012م الموافق 15 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 10:21 ص

      الاسلام

      لفهم الموضوع يجب توحيد التعاريف اولا
      مثلا يجب تعريف السياسة بشكل صحيح ومتفق عليه من جميع الأطراف . فإن أذعن كلا تعريفا لنفسه ثم بنى عليه سوف لا نصل الى نتيجة ، فإذا يجب الإتفاق على تعريف واحد للسياسة ... ما هي السياسة ؟
      فاليطرح الجميع تعاريفه للسياسة ثم يناقش بشكل موضوعي ثم يتفق على تعريف واحد و من ثم يجب تبني ذلك التعريف .
      وللوسط جزيل الشكر

    • زائر 10 | 7:18 ص

      جميع حكام العرب مفسدون .. يعني حبكت على الاسلاميين

      ليس هذا هو السؤال
      ولكن السؤال هو هل كان غيرهم اصلح منهم ؟

      نعم ، ربما يكون الاسلاميون فاسدين مفسدين يتدثرون بلباس الدين من اجل السلطة كما تدثر من اجلها غيرهم بلباس العروبة فدمر الامة العربية وباعها لامريكا واسرائيل بثمن بخس وهو فيها من الزاهدين .

      بل ربما يكون الاسلاميون اخطر على الاسلام لان فسادهم اكثر ايلاما فهو باسم الدين بينما كان غيرهم يفسد فيها باسم العروبة او الديمقراطية او العلمانية او غيرها

      وخليها على الله فالاسلام في واد والمسلمين في واد والاسلاميون لاإلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء

    • زائر 9 | 5:36 ص

      لماذا لم تتحقق دول لمعظم الانبياء

      النبي القدوة والحاكم والقاضي وجاء برسالة ناصعة وهو قائد
      مع كل هذه المؤهلا لم يتمكن اغلب الانبياء من اقناع الناس بدولة الحق، او الاصح ان اقول لم يتبع اغلب الناس ما جاء من الحق...

    • زائر 8 | 4:17 ص

      سؤال هل طبق الاسلام المحمدي الاصيل على الارض وفشل ؟؟

      هل جربنا الاسلام ؟
      هل اعطي الاسلام فرصة للتطبيق ؟لو العالم باسرة حارب الاسلام والمسلمين لكي يفشله ويقول للناس الاسلام لا يصلح للحكم على الارض ؟
      فيجب على المسلمين اثبات تجربة الاسلام كما فعل الاولون ، ادارو الاسلام السياسة والدولة ونجحوا في تقدم الدولة الاسلامية وحكمها وهناك العلماء والمكتشفون والرواد في جميع مناحي الحياة .
      اذا العيب في عدم تطبيق المسلمين للاسلام تطبيق صحيح ، يطبقون البعض ويتركون الكثير .

    • زائر 5 | 1:47 ص

      في حاله واحدة

      اذا حكم الاسلام بمعناه الحقيقي يقول الحق حق و الباطل باطل ولا يتعاون مع الظلام

    • زائر 3 | 12:29 ص

      حكم الإسلاميون

      لا بد من فصل الدين عن السياسة ففي أوربا لم تستقر الامور الا عندما تم أبعاد الكنيسة عن الحكم ، فالسياسة ودهاليز ها لا تستقيم مع الدين ، ولا يمكننا الاستشهاد بالدولة الاسلامية كمثال فالتحديات والمتطلبات لم تكن موجودة فلا وجه للمقارنة

    • زائر 2 | 12:21 ص

      الخلاصة

      أن الخارطة ليست هي الميدان. نعم... السياسة والحكم هما ميدان، والأفكار مجرد خارطة فقط

    • زائر 1 | 9:49 م

      الاسلام هو الحل

      لقد جربنا الحكم العلماني عشرات السنين في سوريا ومصر و تونس ولم تأت لنا الا بالظلم و الفقر و الفساد و الاستبداد فلنجرب الاسلام السياسي ومن ثم نحكم

اقرأ ايضاً