العدد 3532 - الثلثاء 08 مايو 2012م الموافق 17 جمادى الآخرة 1433هـ

اختيار الموت

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الموت لنا بالمرصاد، وإننا أمام خيارين إما انتظار الموت أو تعجيله، لكن هل بيد الإنسان أن يختار؟، وهل يحق له أن ينهي حياته بيده؟ ومتى يكون الموت إنقاذا؟ ومتى تكون أيقونة يعزف عليها الأحرار. وإذا كان الموت بالتمني فما الذي يستحق أن نموت من أجله؟

الموت هو نهاية الحياة، وهو فقد موجع لإنسان يعيش من بيننا بل هو جزء من ذاتنا، كلنا نتأسى للموت، لذا جرى العرف عندما يحصد الموت الآلاف من الضحايا يسمى اليوم ذاته باليوم الأسود، فالأميركيون لم ينسوا الثاني من سبتمبر/ ايلول فهو يوم أسود وشؤم، والفلسطينيون أطلقوا على شهر كامل بالأسود - أيلول الأسود – فالموت يرمز له بالسواد لأن الرؤية تغيب معه، وبخلو المشهد من أي إضاءة سوى الكتم، ولا تصلح مع الحزن ألوان.

من ينهي حياته بيده، خيارات ليست متشابهة، ولا تأخذ معيار حكم واحد، بعضها خطأ لا يغتفر، وبعضها تقديرات واجتهادات لا تخلو من تسرع وحالة يأس وفقدان الثقة بالله ومن حوله، لكن بعضها يخلق الأمل، ومعه تحيى شعوب وتبنى أجيال، ولنا في تاريخنا صور وحكايات، للموت المختار مواقف واتجاهات وأنواع، فقد ينتج من شبح الخوف من الفقر والجوع الذي هو مدعاة لدى البعض أن ينهي حياته متعجلا.

في مصر عندما هبطت البورصة، وفقد الكثير من رجال الأعمال المضاربين أموالهم، أقدم الكثير منهم على الانتحار، حتى عنونت معظم الصحف المصرية في صفحاتها الأولى «اختيار الموت لم يترك غنيا أو فقيرا» وعلقت احدها على الموضوع بقولها «ان الفقر ليس هو السبب للانتحار لكن حب المال ومكانته في القلب قد يؤدي إلى التعجيل بالنهاية»، هناك موت الأحياء، يراه البعض موتا من نوع آخر، فعندما ينسلخ المرء من هويته، ويبتعد عن أصله ومعتقده وانتمائه يصبح ميتا باختياره، فقد علقت في صفحتها الالكترونية المعنونة بسودانية ثائرة على موضوع هجرة مجموعة من أبناء الجنوب السوداني إلى إسرائيل والاستقرار فيه، بقولها: «من الذي يجعل الموت خياره الوحيد بلا منازع إنها لغصة في الحلق».

الموت في ساحة الحرب، أو الموت ضد الظلم والطغيان، أو الموت من اجل الكرامة الإنسانية هو أقصى ما يمكن أن ينطبق عليه القول المأثور «والجود بالنفس أقصى غاية الجود» هو اختيار لموت نبيل لان الذهاب إليه برضا وصفاء وتصالح مع النفس من أجل الآخرين وليس نتيجة يأس أو من وطأة فقر أو فضيحة أو خوفا من مواجهة. مع الربيع العربي جرى السير نحو الموت بوضوح فإحراق النفس حتى الموت، أو منعها من الطعام كلها صور جديدة لم يألفها الناس لذا أصبحت مثار جدل واسع، فعندما أقدم البوعزيزي على إشعال النار في جسده حتى الموت، اعتبره البعض انتحارا، بينما أنكر آخرون هذه الرؤية وقاسها على غرار أصحاب الأخدود وفقا لما ورد في الآية الكريمة «قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود» (البروج: 4 - 6)، فإشعال البوعزيزي النار في جسده واحتراقه كانت سببا في إشعال ثورة تونس واحتراق عرش بن علي، هذا الأمر جعل علماء الأزهر يختلفون هل هو انتحار أم لا؟ لكنهم خلصوا إلى ان أمره «موكل إلى الله» لان هناك استثناءات، وهناك أوضاع لا تقاس، وهناك بشر مختلفون يخلقون إرادات، عندها تدور الحياة لتعطينا صورا نعجز عن وصفها.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 3532 - الثلثاء 08 مايو 2012م الموافق 17 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:32 ص

      قال الأمام علي عليه السلام

      الموت أولى من ركوب العار...
      فلا ضير لو قدمت النفس في سبيل عرضك وأرضك


      شكرا لشحذ الهمم أختنا العزيزة رملة

    • زائر 4 | 3:36 ص

      العود أحمد

      نورتِ اختي من زمان انتظر مقالاتك

    • زائر 3 | 2:43 ص

      نعم بعض الأوضاع توصل الناس الى طلب الموت

      لقد جعل الله كرامة الانسان فوق كل شيء ولم يبيح له نفسه ان يجعل من كرامته محطا للإهانة وحين لا يكون لكرامة الانسان اي قيمة فإن ذلك يعني لدى الاحرار من الناس لا فرق بين الرحيل او البقاء بل على العكس الرحيل يكون هو الخيار الافضل طمعا في حياة
      اخروية افضل من حياة دنيوية مذلة وذلك ما اختاره سيد شباب اهل الجنة بمحض ارادته عندما خير بين حياة
      ذليلة وموت بعز وكرامة .

    • زائر 2 | 2:40 ص

      رملة قطعتيين

      من فترة ما اشوف لش مقالات بالوسط ..

      خلش دوم جنبنا نقرا لك

      شكرا لك

اقرأ ايضاً