العدد 3548 - الخميس 24 مايو 2012م الموافق 03 رجب 1433هـ

الذكرى الرابعة والستون للنكبة... عودة الأمل

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

صادف منتصف هذا الشهر مرور الذكرى 64 للنكبة. مرت الذكرى وسط ثورات عربية مؤثرة ومواجهات فلسطينية تتحدى الاحتلال نتج عنها مئات الجرحى. النكبة لا تزال حاضرة، لأن ما نتج عنها من ظلم واقتلاع يتكرر كل يوم، فحين قامت «إسرائيل» العام 1948، لم يمتلك يهود فلسطين سوى 6 ? من أراضيها، ولتشرع «إسرائيل» سرقة الأرض بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 وبعد تهجيرها لما يقارب 900 ألف مواطن عربي فلسطيني من أصل مليون و400 ألف، قامت بمصادرة أملاك الفلسطينيين تحت مسمى قانون أملاك الغائب، وأمعنت في الوقت نفسه بتدمير مئات القرى ومنع عودة من شردتهم بعد سيطرتها عسكرياً على 77? من الأرض. وفي سنوات النكبة الاولى، قامت «إسرائيل» بجلب مئات الآلاف من اليهود من أوروبا ومن البلاد العربية، وأسكنت معظمهم في مدن فلسطينية سبق أن شردت أهلها. منذ يومها الأول، أصبحت النكبة الرمز الأكبر لظلم واقتلاع مصحوبين بفقدان شامل للأرض والحقوق.

ورغم مرور 64 عاماً على النكبة، نجد أن التمييز والعنصرية والتوسع والاستيطان التي تميز سياسة «إسرائيل»، تعيد بناء الصلة بين ما وقع في الأمس وما يقع اليوم، فمنذ هزيمة 1967 واحتلال «إسرائيل» ما تبقى من أرض فلسطين، ازدادت حدة الصراع ومعاني النكبة. وفي الوقت ذاته، هناك في الضفة الغربية وفي القدس العربية المحتلتين نصف مليون مستوطن اسرائيلي جاء معظمهم في السنوات العشرين الماضية، وذلك بعد أن صادروا جزءاً كبيراً من الأرض المحتلة عام 1967. وقد أقامت «إسرائيل» في الضفة الغربية جداراً كبيراً يفصل بين الأراضي والقرى والمستوطنين، ما يعمق ذاكرة النكبة الأولى وقساوتها، ويضيف عليها ما يتواصل مع سياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. أما في غزة، فالحصار مازال قائماً، واضعاً مواطني غزة في منطقة هي الأكثف سكانياً في العالم.

وفي ذكرى النكبة، مازالت المخيمات الفلسطينية المنتشرة في الدول العربية المحيطة بـ «إسرائيل»، والمنتشرة أيضاً في الضفة الغربية المحتلة وغزة، شاهداً على جرائم ما وقع عام 1948 وعام 1967 وبعدهما، فالمخيمات تعبير عن معاناة أحفاد النكبة. في كل مخيم قصة من قصص الماضي والتاريخ، وفي كل مخيم مصاعب وموانع ناجمة عن الحاضر.

في الذكرى الرابعة والستين للنكبة، لا يزال الشعب الفلسطيني في الحلبة: لم يستسلم، نهض المرة تلو الأخرى في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، وذلك بعد ضربات شبه قاتلة، رافعاً لواء العودة والثورة. وفي الذكرى 64 للنكبة، لا يزال الشعب الفلسطيني يعيش على الأرض التي تستهدفها «اسرائيل» بعدد يساوي عدد الاسرائيليين من اليهود. الاسرائيليون تجاوزوا الخمسة ملايين وكذلك الفلسطينيون القاطنون على أرض فلسطين تجاوزوا الخمسة ملايين. هذه الحقيقة السكانية أصبحت جوهر الصراع وأساس تعبيراته القادمة.

وتبرز بين الفلسطينيين في هذه المرحلة روح جديدة تتساءل عن الطريق القادم، فطريق السلام الذي بدأ مع أوسلو العام 1993 بدأ يصل إلى مأزقه الطبيعي لأن «اسرائيل» ملتزمة بالتوسع والاستيطان وتسعى ليهودية الدولة وقضم القدس والأرض والضغط على السكان بهدف جعل الحياة بالنسبة إليهم على الأرض شائكة. وتمر «اسرائيل» بمرحلة هي الأكثر عنصرية في تاريخها بينما يمر الشعب الفلسطيني بمرحلة هي الأعلى، بثباته على حقوقه وتمسكه بأرضه. في هذا الإطار يتراجع الطريق التفاوضي على مراحل من دون أن يعني ذلك الانتقال إلى النقيض المفتوح.

ويترافق الجديد مع نمو في الوعي الفلسطيني الذي يرى أن مشروع الدولة لم يعد جوهر الموضوع بالرغم من أنه الشعار الرئيسي حتى الآن للحركة الوطنية الفلسطينية. فالحركة الفلسطينية تتحول نحو التركيز على حقوق الفلسطينيين في كل الأرض، سواء كانت تلك الأرض في «اسرائيل 1948» أو في الضفة وغزة والقدس. ففي كل يوم يتعمق التحول في النضال الفلسطيني من السياسي إلى الحقوقي، وذلك بهدف تثبيت الحقوق في كل منزل ومكان، بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني بالديموقراطية على أرضه وحقه في التعليم النوعي والانتقال الحر في بلده.

إن ملايين الفلسطينيين على الأرض سيكثفون من تحديهم في المرحلة القادمة للقوانين العنصرية الإسرائيلية، مثل الجدار والفصل وقوانين مصادرة الأراضي، وقوانين السجن والحبس والإبعاد والاعتقال، وقوانين نسف المنازل وتهويد المناطق. الصراع القادم سيتعامل مع القانون الدولي والمحلي والعالمي، وسيرفع من قيمة الحقوق في مواجهة العنصرية. إن إضراب السجون الأخير يمثل علامة فارقة في هذا الطريق الطويل الذي سيأخذ الحالة الفلسطينية إلى مرحلة جديدة.

ويمثل الجيل الفلسطيني الجديد القوة الاجتماعية الأكثر قدرة على إحداث تغييرات جوهرية في العلاقة مع الاحتلال والعنصرية، ففي فلسطين تنمو قدرات وإمكانيات بين جيل جديد يزداد انفتاحاً على ذاته، بينما يبتكر وسائل نضال جديدة. هذا الجيل نجده أيضاً بين عرب 1948 الذين يعيدون تعريف مكانتهم في الحركة الوطنية الفلسطينية بصفتهم جزءًا لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني. في ذكرى النكبة، فشلت «اسرائيل» في تقسيم وتدمير الفلسطينيين وسحق هويتهم الوطنية والحقوقية، وفشلت أيضاً في إبعاد فلسطينيي 1948 عن القضية الفلسطينية.

ويترافق هذا الوضع مع نمو أجيال جديدة بين الفلسطينيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، ممن يعيدون اكتشاف أرضهم وحقوقهم وهويتهم العربية والفلسطينية. هناك مئات الألوف من الفلسطينيين الذين دفعتهم النكبة ونتائجها والقوانين المانعة والحروب في دول عربية عدة للهجرة إلى الغرب، وبين هؤلاء تبرز رؤى جديدة واكتشاف لبوصلة العودة إلى فلسطين التاريخية.

وفي ذكرى النكبة، يواجه الوسط اليهودي العالمي مأزقاً مصيرياً حيث تكثر التساؤلات في ظلّ تركيز «إسرائيل» على يهودية الدولة. إن هوس «إسرائيل» بيهودية الدولة يعمّق من عنصريتها وكراهيتها للآخر، كما يكتشف الكثير من اليهود في العالم، وعلى الأخص من العلمانيين والليبراليين، أن «اسرائيل» الراهنة ليست «اسرائيل» التي حلموا بها أو تصوّروها في مخيّلاتهم، وذلك لأنها تزداد تطرفاً ويمينية وأصولية وسلفية، بل وكرهاً للكثير من اليهود الليبراليين والعلمانيين ممن يشكّلون أغلبية اليهود في أوروبا وأميركا. ما يقع في «إسرائيل» لن يكون في المدى البعيد مجال اعتزاز لليهود، لأنه سيناقض جوهر حقوق الإنسان كما يعرفه العالم.

في ذكرى النكبة، تؤثر يقظة العرب والثورات العربية على أبناء النكبة، فكما أثرت ثورات فلسطين على كل حراك عربي في شوارع القاهرة وبيروت والمغرب وعمان والدول العربية، تؤثر الحالة العربية الراهنة على الوضع الفلسطيني. إن أثر الثورات العربية على القضية الفلسطينية سيكون ملموساً في نهاية هذه الحقبة التاريخية التي تتحرك كالإعصار في وطننا العربي الكبير.

في الذكرى الرابعة والستين للنكبة، يزداد الأمل وتبدأ ملامح مرحلة لم نكتشف حتى الآن ملامحها.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 3548 - الخميس 24 مايو 2012م الموافق 03 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً