العدد 3552 - الإثنين 28 مايو 2012م الموافق 07 رجب 1433هـ

نظرة جديدة إلى المسلمين والعلمانية في المملكة المتحدة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

برز الجدل بشأن العلمانية في المملكة المتحدة حديثاً إلى المقدمة وبشكل متزايد، وخاصة بعد قضية المرأة المسيحية ناديا عويضة التي غطّاها الإعلام بشكل واسع، والتي طُلِب منها تغطية الصليب الذي كانت ترتديه أثناء عملها في الخطوط الجوية البريطانية. دافع عمدة لندن المنتخب حديثاً بوريس جونسون عن حق السيدة عويضة بارتداء الصليب، مشيراً إلى أمثلة أخرى من التعبير الديني في المجال العام. إلا أن قصتها أدت إلى حوار ساخن بين هؤلاء الذين يشعرون أن من حقهم ارتداء رموز دياناتهم علناً وهؤلاء الذين ينادون بفصل صارم بين الدين والمجال العام.

على سبيل المثال، يَفترِض بعض البريطانيين أن المسلمين في المملكة المتحدة يسعون إلى دور أكبر للدين في المجال العام. إلا أنه في مضمون الحوار الحالي حول العلمانية، من المجدي التأكيد على أن العديد من المسلمين لا يرون فعلياً أي تضارب بين القيم الدينية وإطار الإجراءات والمؤسسات العلمانية في المملكة المتحدة.

توصف بريطانيا أحياناً بأنها مجتمع يلتزم «بالعلمانية الإجرائية». يعني ذلك من الناحية النظرية أنها تمكّن جميع الأصوات، دينية أكانت أم غير ذلك، من الوصول إلى المجال العام بشكل متساوٍ. في «وضعِ مضمونٍ للإسلام»، وهو مشروع بحث ريادي أجرته جامعة كامبريدج، طُلِب من مجموعة متنوعة من المسلمين المشاركين الإجابة عن السؤال: «ماذا يعني لك أن تعيش بصدق كمسلم في بريطانيا اليوم؟» أكّدت غالبية ساحقة من المشاركين على دعمها لهذا النموذج، وأبدوا ملاحظات بأن العلمانية الإجرائية توفر الكثير من الفوائد للمسلمين البريطانيين، بما فيها الحرية الدينية.

باستطاعتنا كمسلمين بريطانيين وإلى درجة بعيدة أن نمارس إيماننا في جو من الاحترام والأمن، مع حق اللجوء لأحكام راسخة ضد التفرقة إذا لم يكن ذلك هو الحال. لدى العديد من أماكن عمل القطاع الع ام اليوم غرف صلاة متعددة الديانات، كما يتوفر خيار الطعام الحلال في كافيتريات المدارس.

يرى العديد من الناس الجدل حول التعبير الديني على أنه جدل بين هؤلاء الذين يدعمون الوضع الراهن للعلمانية الإجرائية و «العلمانيون الايديولوجيون»، الذين يرفضون العلمانية الإجرائية، ويقولون إن الأصوات الدينية يجب أن تستثنى أو يسيطَر عليها بدقة متناهية في المؤسسات العامة والخاصة. عبّر العديد من المسلمين، إضافة إلى المسيحيين عبر المملكة المتحدة، عن قلقهم حول زيادة محتملة في العلمانية الايديولوجية، وهم قلقون على حقهم في التعبير الديني الذي يجري تقييده.

يستشهد مشجعو العلمانية الايديولوجية أحياناً بالدور السلبي الذي يمكن للدين أن يلعبه عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل حقوق المرأة، وذلك كأسس لرفضهم السماح للدين بدخول المجال العام. عندما يتكلم الناشطون الدينيون المحافظون بشدة ضد حقوق المرأة ويستخدمون جدلاً دينياً مفترضاً، فإن ذلك يؤدي إلى المزيد من سوء الفهم.

إلا أن أعمالاً متطرفة كهذه لها علاقة أوثق مع الثقافة مما لها مع الدين. على سبيل المثال، الزواج القسري هو ممارسة ثقافية سلبية. وعلى رغم أنه يتم أحياناً إلحاقها بالإسلام، إلا أنها تتعارض بشكل كامل مع التاريخ الإسلامي، الذي يضم أمثلة على النبي محمد (ص) وهو ينهي زواجاً لم يكن فيه قبول من الطرفين.

تقترح الأبحاث، بعكس معظم خطاب إعلام التيار الرئيس حول المسلمين، أن الغالبية الكاسحة من المسلمين البريطانيين يشعرون بارتياح في دولة علمانية إجرائية. يحدد تقرير «إيجاد مضمون الإسلام في بريطانيا» وبشكل صحيح أن المجموعات الوحيدة التي تطرح حواراً عكس ذلك هي المجموعات الهامشية (المسلمة وغير المسلمة) التي ليست لها مصالح تذكر في تشجيع مجتمع متماسك تعددي.

يملك المسلمون في دولة علمانية إجرائية مثل بريطانيا حقوقاً ومسئوليات تتماشى مع التعاليم الإسلامية. بعيداً عن الدعوة للانسحاب من المجتمع، تعتبر التعاليم الإسلامية في التيار الرئيس المشاركة المجتمعية على أنها مرغوب بها إلى حدّ كبير للمواطنين المسلمين. إن تفهّم أن كون الإنسان مسلماً متديناً في بريطانيا اليوم يعني كذلك أن يعيش الإنسان حياة كاملة كمواطن، مع كل الحقوق والمسئوليات التي ينطوي عليها ذلك، يشكل خطوة حاسمة باتجاه أن نصبح مواطنين منخرطين جيداً في بريطانيا اليوم.

لدى التاريخ الإسلامي شيء يقوله حول الرابط بين المواطنة والدين كذلك. أظهر الإمام أبوإسحق الشاطبي، وهو عالم أندلسي عاش في القرن الرابع عشر، أظهر هذا المبدأ في كتابه «مقاصد الشريعة»، حيث رسم خطوطاً متوازية بين حقوق المواطن ومسئولياته في الدولة، مثل حرية الضمير والالتزام بالتكلم ضد الظلم والطغيان وعن أهداف الإسلام.

هناك حاجة لعمل المزيد لإبراز مجال الفكر هذا، وكيف يمكن استخدامه كإلهام في حياة المسلمين اليوم.

في نهاية المطاف، ليست النظرية وحدها هي التي ستساعد المواطنين من خلفيات متعددة على العيش معاً في مجتمع علماني. يتوجب على الحكومة والمنظمات التطوعية في المملكة المتحدة أن تأتي باستراتيجيات وموارد عملية لتشجيع مجتمع شمولي ومساعدة الجيل القادم من المواطنين، بمن فيهم المسلمون الشباب، على فهم دورهم فيه.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3552 - الإثنين 28 مايو 2012م الموافق 07 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً