العدد 3552 - الإثنين 28 مايو 2012م الموافق 07 رجب 1433هـ

حزن أحمد... واغتراب علي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

فقد الشاب أحمد حيويته ومرحه المعهود، وغابت عنه ضحكته المجلجلة التي عهدتها، تحولت إلى نصف ابتسامة. أحمد شاب متعدد المواهب، فهو مصور فوتوغرافي، وكاتب له مقالاته دأب على نشرها في الصحف المحلية، ولديه حصيلة ثقافية هائلة تأتت من حبه العميق للكتب والقراءة، كما أن له نشاطاً اجتماعياً واسعاً في منطقته.

تعرض أحمد الذي احتفل قبل أسابيع بعيد ميلاده الخامس والثلاثين إلى ما يسميه «ظلماً ممنهجاً» عقب فبراير/ شباط 2011، فقد تم تغيير وظيفته من رئيس قسم بإحدى الوزارات الحكومية إلى موظف برتبة «ناطور» في أحد المخازن التابعة لوزارته.

ليس هذا ما أفقد أحمد تلقائيته الحلوة وشغفه العميق بالحياة؛ فعندما صادفته في أحد مقاهي «الكوفي شوب» بأحد المجمعات التي لطالما كان يقصدها صحبة أصدقائه فيما مضى، وجدته سارحاً متأملاً وأمامه قهوته الباردة وفي يده كتاب لم يقرأ منه شيئاً. استقبلني بابتسامته الحزينة إياها، وفي حديث عابر كشف أنه «مواطن حزين جداً»، ليس لأنه يسكن في منطقة طقوسها اليومية أصواتٌ لطلقات رصاص - قد تكون صوتية، وقد تكون غير ذلك - وأدخنة سامة، يطوف في شوارعها الخوف والرعب وأحياناً الموت، وتكتظ ساحاتها بفصول لا تنتهي من المواجهات اليومية بين شباب القرية ورجال الأمن.

فهمت من أحمد أن حزنه ناشئ من كونه فقد الإحساس بفرح الحياة، لأنه فقد أصدقاءه، الذين شاركوه شغف الارتباط بالحياة والطموح والصخب الذي يرافق الموهوبين في العادة، مجموعة من أصدقائه اختاروا بيروت وطناً بديلاً ولو مؤقتاً، ومجموعة أخرى اختارت قاهرة المعز ومدينة ميدان التحرير الذي عبره الربيع العربي، وآخرون في لندن والبعض في القارة الأميركية وقد ابتلعتهم الهجرة واختطفهم العمل الحقوقي وشواغل السياسة.

يشعر أحمد بأنه تُرك وحيداً نهباً للأحزان وسأم الاغتراب في وطن لم يألفه.

السؤال: كم نسخة مكررة لأحمد تعيش بيننا؟

ما يجري على الأرض أن البحرينيين انقسموا في الداخل وتفرقوا في الخارج، ولقد طارت من البلد أسراب من الكفاءات المهاجرة إلى حيث لا تصل إليها اليد، ولا يتعقبها أحد بسبب رأي مخالف، وقد يرتحل الانسان عن وطنه، ولكن تبقى «الارض» ساكنة فيه أينما حل وارتحل. هكذا، لن نقوى مثلاً على نسيان «فلسطين» من خلال سيرة وآراء المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (ت 2003) حتى وإن قضى ثلاثة أرباع حياته في الولايات المتحدة بين قاعات الدرس بجامعة كولومبيا أو بين رفوف مكتبته الخاصة. كما ستخلد الروائية التشيلية إيزابيل الليندي تاريخ وطنها عبر ثلاثيتها الروائية الرائعة (ابنة الحظ، صورة عتيقة، بيت الأرواح) رغم الترحال الطويل للعائلة في المهجر الفنزويلي والأميركي بعد أن حطت بها عصا الترحال في بلاد العم سام، وفي كل ما كتبته، نعثر على «تشيلي» الأرض والبشر والحكايات والنساء والحب والشجر.

لدينا في بلدنا وضع خاص، نصف المجتمع اليوم مجروح، والنصف الآخر غير مطمئن. نصفه يتوق للتغيير الذي يأتي بالمساواة وتكافؤ الفرص والحرية والعدالة، ونصفه الآخر متخوفٌ من هذه «المغامرة المرعبة». نصف المجتمع محمي من الدولة، ونصفه الآخر يشعر بأنه مستهدف منها.

يهدف النظام الملكي الدستوري الذي تطالب به قوى المعارضة إلى حماية المجتمع التعددي تحت مظلة واحدة، وهذه التعددية في بريطانيا على سبيل المثال هي الاثنيات المختلفة تاريخياً (الانجليز، الغال، الاسكوتلنديون، الايرلنديون) فيما هي في بلد عربي مثل المغرب عبارة عن الأحزاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وهي في اسبانيا «المصالحة» التاريخية بين الملكيين والجمهوريين بعد الحرب الأهلية. وهي في البلدان الاسكندنافية وهولندا تظلل مجتمعاً واحداً وحضارة واحدة وعرقاً واحداً.

البحرين ليست نشازاً من بين هذه النماذج، ومشكلة التاريخ أنه لا يبقى في مكانه، والأجيال تتغير، والبحرين اليوم هي غيرها بحرين السبعينيات والخمسينيات والعشرينيات. المعلومة لم تعد تؤخذ من مذياع خشبي، والتعليم ليس بالطبشور وألواح الكتاتيب. تويتر والفيسبوك تكفلا بمسائل جمة، وعلى الأنظمة العربية أن تصغي أكثر لمطالب شعوبها. هذا بديهي طبعاً، ولكن كم من البديهيات تحوّلت إلى معضل وطني في بلادنا بسبب التشكك الرسمي بنوايا المطالبين بالاصلاح؟ وكم من المشاكل كان من الممكن حلها بيسر لو تم النظر إليها نظرة تعقل ومسئولية بعيداً عن الأطر المذهبية الضيقة.

فهل سيستعيد أحمد ضحكته المجلجلة وحضوره الباهي بين أصدقائه، صاخباً مثرثراً وقد عادت الروح لهذا الوطن وعاد كل بنيه – علي ونزار وعقيل وآخرون - إلى حضنه؟ أتمنى من كل قلبي.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3552 - الإثنين 28 مايو 2012م الموافق 07 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:20 ص

      You r right Wesam

      I study abroad and came to bahrain for my vacation, and Im telling you my brain couldn't function back then, I am sure Bahrain lost and still losing a lot of its human resources

    • زائر 4 | 7:32 ص

      ولدى وسام

      ماهذا الابداع اول مرة اقرا لك وسامحني صحيح من قال ان بنى 000000اصبحوا ميدعون فهيا للامام فالصعاب تعلم الانسان

    • زائر 3 | 2:52 ص

      سلمت يداك

      نعم هذا واقعنا الذي نتعايش فيه الآن في البحرين .. سلمت يداك على الطرح المميز الذي استطعت به ان تصف على الفئة المستهدفة في وطننا الحبيب .. جميل جدا وننتظر جديدك !

اقرأ ايضاً