العدد 3557 - السبت 02 يونيو 2012م الموافق 12 رجب 1433هـ

ملاحظات عن الصين وأحوال المسلمين من واقع زيارة جديدة (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

بدعوة من جمعية التفاهم الدولي الصينية، وهي منظمة غير حكومية، ولكنها شبه رسمية، شملت نخبة من المفكرين والأكاديميين والسياسيين من بعض دول مجلس التعاون لزيارة الصين، دون أن يكون لمعظمنا سابق معرفة ببعضنا البعض، ولكن ما ان وطأت أقدامنا أرض الصين فإن الفترة التي قضيناها معاً كعرب ومع بعض الزملاء والزميلات من الصين جعلت منا إخوة، وإن اختلفت دولنا وتنوعت مشاربنا الفكرية وآراؤنا السياسية. ولقد كانت النخبة شبه ممثلة للأمة العربية من أقصى المغرب العربي «موريتانيا والجزائر» إلى شماله «لبنان» إلى وسطه «مصر والسودان» وأقصاه الشرقي «الكويت والإمارات والبحرين» ومثلت قطر رابطة العقد حيث كان 4 من بين الـ 11 عضواً كان 4 من قناة الجزيرة (الفضائية ومركز الدراسات)، وكانت الحوارات مع بعضنا بعضاً، ومع الجانب الصيني حوارات مثمرة وبناءة ومفيدة. ومن ثم فإنني أتوجه بالشكر لجمعية التفاهم الدولي على مبادرتها بجمع أبناء العروبة على أرضها وتعريفهم بعضهم بعضا، وإن لم يكن ذلك مقصوداً، إذا كان الهدف الأساسي من الدعوة هو تعريف أو تعميق معرفة الجميع بالصين وتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبأحوال المسلمين الصينيين ودورهم وبالسياسة الخارجية الصينية ومواقفها وخاصة تجاه قضايا الشرق الأوسط وعلى الأخص ثلاث قضايا مهمة هي التغيرات في العالم العربي وأثرها على العلاقات الصينية العربية، الموقف الصيني من الأحداث في سورية والموقف الصيني التقليدي من قضية فلسطين.

وقد لمست خلال المناقشات أن الجانب الصيني على قدر كبير من المعرفة والمتابعة وإن كانت الصورة غير واضحة لديهم على النحو الذي كنا نأمله لاعتبارات ثلاثة: أولها بعد المسافة والأولويات الجيوستراتيجية، وثانيها طبيعة مبادئ السياسة الصينية منذ الإصلاح والانفتاح بالتركيز على البعد الاقتصادي في التعامل الدولي وتجنب البعد السياسي الداخلي في علاقاتها مع الدول الأخرى، وثالثها الاهتمام بمدى تأثير الأحداث في المنطقة العربية على الصين داخلياً وعلاقاتها مع الدول العربية وعلاقاتها الإستراتيجية العالمية بخاصة مع الولايات المتحدة. ومن هنا تتجلى المفارقة في تناسق الموقفين الصيني والروسي، رغم اختلاف مبررات وأسباب كل من الموقفين، تجاه كل من الأحداث في سورية رغم عنفها ودمويتها، وتجاه البرنامج النووي الإيراني والدور الإيراني في منطقة الخليج العربي، ومن هنا أيضاً التنوع في وجهات النظر العربية وخاصة تجاه الفيتو الصيني بالنسبة للتطورات في سورية فكان فريق ينتقده وفريق يعبر عن التقدير له.

ولن نتناول تفاصيل زيارة مكثفة استمرت أسبوعاً كاملاً وحفلت ببرنامج مزدحم من الصباح حتى المساء وشملت لقاءات رسميين في مجالات السياسة والاقتصاد في ثلاث مدن كبرى هي العاصمة بكين، ومدينة ينتشوان عاصمة منطقة ننشيا المقاطعة ذات الحكم الذاتي لقومية خوى المسلمة وأخيراً مدينة شنغهاي العاصمة الثانية للصين بل يمكن القول انها العاصمة الاقتصادية الأولى للصين فهي تصدر ثلث صادرات الصين وتنتج وتساهم بـ1/20 من إنتاج الصين وفي اقتصادها الوطني وهي مدينة تتطور بسرعة مذهلة وبها مطاران دوليان ضخمان، ومنها خرجت قيادات مهمة للصين المعاصرة.

ولعله من المفيد أن نسوق عدداً من الملاحظات ذات الدلالة، والتي تفيدنا كدول وكشعوب وكنظم عربية نعيش جميعاً مرحلة انتقال سياسي واقتصادي واجتماعي بحثاً عن مكانة تليق بنا حضارياً في القرن الحادي والعشرين، وتعكس ثلاث حقائق: الأولى هي إمكاناتنا الكبيرة من حيث الموارد الطبيعية وخاصة النفط والغاز، والثانية مواردنا البشرية نحو 350 مليون نسمة، ودينامية جيل الشباب الذي يصل إلى 50 في المئة من السكان والدور المتزايد للمرأة التي تمثل نصف المجتمع وتزايد انفتاح العالم العربي على مصادر التكنولوجيا الحديثة وبخاصة الإعلام الاجتماعي الجديد.

الثالثة حضارتنا العربية التي تألقت يوماً ما ثم تراجعت وسيطرت قوى أجنبية علينا وأدخلت في روعنا بعد ذلك مجموعة من الأوهام ومنها ان شعوبنا متخلفة حضارياً وسياسيا نتيجة الإسلام، وان شعوبنا غير صالحة للديمقراطية، وأن شعوبنا غير قادرة على الدفاع عن أمنها الوطني أو الإقليمي أو القومي، وهذا باختصار ما أطلق عليه المفكر العربي الجزائري الأصل مالك بن نبي «القابلية للاستعمار» أو ما يمكن أن نطلق عليه «إضعاف/ تدمير الثقة بالنفس»، ومن ثم أصبحنا نعيش مهمشين اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً وعلى الساحة الدولية، وأصبح بأسنا – أحياناً – بيننا أشد من بأسنا في مواجهة خصومنا أو أعدائنا أو حتى منافسينا من دول الجوار العربي، أو من دول ذات إستراتيجيات كونية أو إقليمية.

نعود للملاحظات من واقع زيارة الصين وتتمثل في الآتي:

الملاحظة الأولى: استمرار حالة التواضع الصيني رغم زيادة الثقة بالنفس نتيجة الإنجازات واستمرار حالة الرغبة في عدم التورط في مشاكل دولية تراها غير مجدية أو ربما تعوق عملية تقدمها. فمازال التوجه الصيني غير المعلن، أن منطقة الشرق الأوسط أكثر ميلاً سياسياً وإستراتيجياً نحو الغرب وأن الأخير أكثر تأثيراً عليها، وان الصين لا يمكنها منافسته في هذه المرحلة على الأقل. وربما كان هذا أحد نقاط الخلاف بين الفكرين العربي والصيني، ولكنه في جميع الأحوال يعكس رؤية واقعية ومفهوما براغماتيا في الوقت نفسه.

الملاحظة الثانية: ان الصين تسير في إطار ديمقراطي سياسي بمفهوم خاص يتلاءم مع ظروفها وتاريخها وحضارتها ونظامها السياسي وتراثها الثقافي فهو مفهوم يختلف عن الديمقراطية الغربية، وإن كان لا يعارضها ولا يرغب في مناطحتها وإنما التعايش معها بصورة أو بأخرى سعياً للحفاظ على استقلاليته وترابه الوطني وسعياً لاستعادة باقي الأراضي الصينية وبخاصة إقليم تايوان. وهنا يقدم الصينيون نظريتهم المبتكرة في الوحدة، وهي «الوحدة بنظامين» كما حدث مع هونغ كونغ ومكاو، أو «الوحدة بثلاثة أنظمة» كما تسعى لاستعادة تايوان، هذه المرونة الصينية الفكرية والسياسية تعكس منهجاً عملياً واقعياً وليس مثالياً، كما نفكر نحن العرب ونتحدث كثيراً عن المبادئ ونعمل ضدها في كثير من الأحيان. ومن ثم فإن الحكمة الكونفوشية عندما سأله أحد تلاميذه عما بعد الموت ويوم القيامة فقال له «إننا لم ننته من فهم هذا العالم وتطويره حتى نبحث عما بعده» إن هذه هي الواقعية الفكرية والسياسية في الثقافة الصينية.

الملاحظة الثالثة: تتعلق بالمسلمين في الصين وأحوالهم، وهنا تدرك الصين اهتمام العرب بالمسلمين في الصين، بل اهتمام العالم أيضاً، كل لاعتباراته الخاصة. ولذلك حرص منظمو الزيارة على أن تشمل الجولة مقاطعة ننشيا Ningxia التي تمثل فيها قومية خوى Hui المسلمة الأغلبية، وهي أغلبية بمفهوم صيني أي انها أكثر القوميات عدداً في المقاطعة فهي تمثل 35 في المئة من السكان البالغ عددهم 6.4 ملايين نسمة.

ويرى الصينيون أن قومية خوى هي القومية الإسلامية المهمة في الصين إذ يبلغ عددها 12 مليون نسمة ومتواجدة في مختلف أقاليم الصين لأنها حصيلة تفاعل بشري ومصاهرة بين العرب والفرس والصينيين (الهان)، وهذا بخلاف قومية اليوجور المسلمة التي تعيش في إقليم سينكيانج وتسودها نزعة استقلالية تصل لدى البعض للدعوة للانفصال، وهذا يتعارض جذرياً مع المفهوم الصيني الداعي للوحدة ولهذا يشهد إقليم سينكيانج أحداثا وصراعات من حين لاخر، بخلاف إقليم ننشيا وهو إقليم مسالم ومستوعب في التراث والثقافة الصينية.

الملاحظة الرابعة: وهي تتعلق بالتعامل مع المسلمين الصينيين هذا التعامل يقوم على أساس الفلسفة الصينية وهي تعتمد عدة مبادئ منها: مبدأ الانصهار في المجتمع، مبدأ السيادة للحزب الشيوعي سياسياً وايديولوجياً، ومبدأ الحرية الثقافية والدينية والقومية والحفاظ على التراث بل وإحياؤه إذا لم تشبه دعاوى انفصالية أو استقلالية عن الوطن الأم. وأخيراً مبدأ التناغم والانسجام Harmony، وهو من المبادئ الجوهرية في التراث الصيني بمعنى أنه عادة يرفض مبدأ الصراع، ولهذا فإن الفلسفة الصينية التقليدية دعت لما أطلق عليه «دع مئة زهرة تتفتح ومئة مدرسة فكرية تتبارى» وذلك بوجه خاص ظهر في المرحلة التي أطلق عليها تاريخياً عصر «الربيع والخريف» في الصين القديمة (771-476 قبل الميلاد)، والذي جاء بعدها مرحلة من الصراع بين الأقاليم الصينية وأطلق عليها عصر «الدول المتحاربة»(476-453 قبل الميلاد).

الثقافة الصينية أدركت عدم جدوى الصراع وآمنت بمبدأ التنوع والتعدد. ومن هنا كان سر إخفاق الثورة الثقافية الكبرى التي أطلقها ماوتسي تونج 1966 - 1976، وجدوى الانفتاح والإصلاح الذي أطلقه «دنج سياو بنج» العام 1978، ولكن الانفتاح والإصلاح بخصائص صينية وليس بالمفهوم الغربي.

فكل شيء بخصائص صينية من السوق الاشتراكي، إلى التطور إلى السياسة وإلى الأديان أيضاً، وهذا من الناحية النظرية أمر محبب لأن لكل دولة خصائصها ولكل إقليم خصائصه، ولكن هناك سمات مشتركة لا يجب الخروج عليها. ولعلي أسوق ثلاثة أمثلة من الواقع العملي. أولها إنشاء وزارات خارجية في كل إقليم ولكن يطلق عليها «مكتب الشئون الخارجية» أما الوزارة الحقيقية فهي مركزية في العاصمة بكين. وثانيها: ترك الأقاليم الصينية تعقد اتفاقات تعاون اقتصادي وتجاري وتتسابق لجذب الاستثمارات من الداخل ومن الخارج ولكن ذلك كله في إطار إستراتيجية مركزية وخطة مركزية تتسم بقدر كبير من المرونة. وثالثها ان المناصب القيادية في مناطق القوميات (الأقليات) لأفراد من القومية التي تمثل الأغلبية في المنطقة المعنية، ولكن لابد أن يكون هؤلاء من الحزب الشيوعي الصيني أي من الحزب الحاكم في الدولة. وبالنسبة لعدد المسلمين فهو في حقيقته أحد الألغاز الكبرى فالعدد ثابت لا يتغير كان 20 مليون نسمة عام 1954 عندما صدر أحد الكتيبات الرسمية الصينية آنذاك وعندما تحدث رئيس وزراء الصين شوان لأي، منذ قيام الدولة عام 1949 حتى وفاته، مع جمال عبدالناصر في مؤتمر باندونج عام 1955، ومازال هذا الرقم 20 مليون نسمة عام 2012م، وان ذكر بعض الرسميين رقم 24 مليون نسمة على استحياء، هذا من المفارقات لأن عام 1954 كان عدد سكان الصين 800 مليون نسمة، والآن أصبح عددها 1.4 مليار نسمة، ولذلك تبرز بعض الكتابات الغربية أن عدد المسلمين في الصين يتراوح بين 70 و100 مليون نسمة، وهذا رقم منطقي إذا أخذنا في الحسبان الزيادة الطبيعية وحتى سماح الصين للمسلمين بأن يكون من حقهم إنجاب أكثر من طفل واحد رغم سياسة الصين الرسمية بطفل واحد لقومية هان، وهي القومية التي تزيد نسبتها عن 91 في المئة من السكان أما باقي القوميات (الأقليات) الـ55 فإن أعدادها لا تزيد عن 8 في المئة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3557 - السبت 02 يونيو 2012م الموافق 12 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً