العدد 3566 - الإثنين 11 يونيو 2012م الموافق 21 رجب 1433هـ

حياة... ذات مغزى

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

لي صديق لديه محاولات أدبية واعدة في كتابة القصة والرواية، لكنه يتهيّب نشر أعماله مخافة النقد المحتمل. هو يكتب ويكتب دون أن يمتحن هذه الموهبة ومدى نضجها مما يعتقد أنه سيصله من القراء والنقاد. وفي حديث لا يخلو من صراحة بدا هذا الصديق متردداً في نشر نتاجه، لأنه ليس على يقين من «نضج محاولاته»، ذلك أن الأدب يحتاج إلى تفرغ كما يقول، والتفرغ لا يملكه حالياً في ظل تزاحم الأعمال والالتزامات الكثيرة.

وفي الحقيقة إن عذر هذا الصديق لم يقنعني، فصرتُ أُعدّد له أسماء الأدباء الذين جمعوا بين هموم الوظيفة والمعاش والإنتاج الأدبي الخصب، فالموهبة تفرض نفسها مهما كانت الظروف المحيطة، والمبدع تصقله المحن وتنضجه التجارب بحلوها ومرّها. والإبداع وليد المعاناة، والموهوب يتحدّى دائماً ظروفه المعاكسة.

في كتابه الرائع «العادات السبع للناس الأكثر فعالية»، يتحدث الأميركي ستيفن كوفي عن «الشخصية الانفعالية»، ويقول إن الانفعاليين تحركهم المشاعر والملابسات والظروف والبيئة المحيطة بهم، في حين أن الأشخاص المبادرين تدفعهم القيم. هذا لا يعني أن الشخصية الإيجابية لا تتأثر بالمنبهات الخارجة سواءً كانت مادية أو اجتماعية أو نفسية، غير أن استجابتها لها تكون في العادة مؤسسةً على القيم.

لا ينقص الكثير منا القدرات والمواهب التي تؤهل لشغل مناصب مهنية أو لعب أدوار اجتماعية مهمة في الحياة، فمجتمعنا زاخرٌ بالطاقات الشبابية في مجالات جديدة لم تكن مألوفة وميادين لم تكن مطروقة قبل سنوات قليلة، كالإعلام الجديد والتصميم وعلوم الحاسوب وإدارة المحتوى الإلكتروني والبرمجة وإنتاج الأفلام القصيرة، غير أن الكثيرين منا يستكين إلى موقعٍ يصله بشق الأنفس ثم يخمد الحماس وتنطفئ شعلة الرغبة في التطوير الذاتي.

الرسالة التي يجب أن تصل و نتشرّبها كثقافة مجتمعية هي أن سلوكنا ما هو إلا تعبيرٌ عن قراراتنا وليس عن ظروفنا. إننا نستطيع أن نخضع المشاعر للقيم، فنحن بشر نملك المقدرة على المبادرة والمسئولية لصنع الأحداث.

يحتاج المرء باستمرار إلى التحفيز الذاتي المتواصل، وفي الاطلاع على التجارب الشخصية للمشاهير والناجحين في واحد من مجالات الحياة فوائدة جمة، ورد في الأثر «في التجارب علم مستفاد». فحياة الآخرين قد تعطيك دروساً ملهمةً وتعمل على تحفيزك باتجاه تحقيق النجاح الشخصي، ولكن ليس من الصواب أن تقارن نفسك بالآخرين دائماً، وإن كانت قصصهم تعرض دون شك إحدى سبل النجاح التي يمكن لأي شخص أن يتبعها.

تقابل في حياتك بعض الأشخاص الذين تستغرقهم الهموم الخاصة إلى درجة الهوس، وتسلب منهم طمأنينتهم النفسية وتفقدهم أي أملٍ ووعدٍ بحياة أفضل، يموت في هؤلاء أيّ حس للمبادرة وتتضخم ذواتهم المعتلة محدثةًً غمامةً سوداء على حياتهم ونظرتهم للحياة، سالبة منهم أي قدرة على التفكير الإيجابي. إنهم نموذج للشخص الذي يحترف سوق الأعذار والتبريرات لكي يضفي شرعية على سلبيته وانكفائه.

كتب الروائي الروسي العظيم دستويفسكي (ت 1881) قصة ذلك الرجل الأحمق الذي كان يقول لكل من يقابله إنه موسيقار عبقري، ولكنه لا يستطيع أن يكتب لحناً واحداً بسبب زوجته التي تفسد نبوغه وتقتل أحلامه كفنان.

كان هذا الفنان الواهم عندما يذهب إلى منزله ينظر إلى زوجته في نفور، ثم يضربها وهي صامتةٌ لا تتحرك ولا تعترض، وكانت الزوجة البائسة تبكي في صمت، ثم تقدّم لزوجها ما يحتاج إليه في طاعة الخادم الذليل.

مضت السنوات على هذا الوضع، إلى أن دخل عليها يوماً ما فوجدها مكوّمةً في ركن مظلم من البيت، أخذ يناديها فلم تجب، اقترب منها، هزّها بيديه ولم تستيقظ. لقد ماتت حزينةً بعد شقاءٍ استمر عشرين عاماً. فزع الموسيقار العبقري وخرج من بيته وظل يجري في الظلام حتى وقع على وجهه في الطريق ومات.

تتحدث قصة دستويفسكي الذي طالما برع في تصوير المشاعر الإنسانية بصدقٍ مدهش، عن نموذجٍ سنجده متكرراً عند عدد ليس بالقليل من الناس في كل زمان ومكان. نموذج الإنسان الذي يعفي نفسه من أية مسئولية والتزام، ناحياً باللائمة على الظروف والأشخاص والمعوقات من حوله، فالموسيقار العبقري لا يكفّ عن الشكوى، في الوقت الذي نجده لا يدرب نفسه، ولا يسمع الموسيقى، ولا يحاول أن يتعلم... وكل ما يشغله وينشغل به هو مجرد الشكوى والتذمر. وحين تموت زوجته تفاجئه الحقيقة الرهيبة وهي أن مشكلته في ذاته هو.

في المقابل، تقدح المعاناة لدى البعض شعلة الإبداع ليتحدى الظروف الممانعة، ولتجعل منه كائناً يسخر من القيود والكوابح، وهذا النموذج الباهر موجود في هذا السيل المتدفق من هذه الهمم المتوثبة لأبناء البحرين في المجالات المختلفة، والتي مع جزيل الأسف يجري التنكر لها ومحاربتها لدواعٍ سياسية، لا يبدو أنها في طريقها للحل، وغمامة الإشاعات والأحقاد وحروب الغنائم تسمّم الأفق وتعبث بمصائر شعب بأسره.

ضمن هذه النظرة المعطوبة، سيجري النظر من صحيفة محلية معروفة بسقم أطروحاتها إلى إنجازٍ وطني بحجم فوز رئيس تحرير صحيفة بحرينية بجائزة «تحقيق السلام من خلال الإعلام» للعام 2012 باعتبارها جائزة صهيونية!

وتلك فئة من الناس أعمت بصيرتها الأحقاد واستحكمت فيها أوشاب الكراهية وأدرانها المرذولة.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3566 - الإثنين 11 يونيو 2012م الموافق 21 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:29 ص

      فازت رغم كيد الحاقدين

      هذه الوسط يبا محد يقدر ينافسها واللى ينافسها خسران وهذا قائدها يبا منصور ومنصورين والناصر الله

    • زائر 3 | 1:13 ص

      دائما متميز

      المقال فيه الكثير من الايجابيات تمنح القارئ التفاؤل والمزيد من العطاء... تبهرني دائما كتاباتك المتميزة وننتظرك الاسبوع القادم ...

    • زائر 2 | 12:30 ص

      شكرًا لك

      اشكرك علي المقال .
      اتمنا من جريدة الوسط ان تكتب قصص عن بعض الرواد في كل اسبوع

    • زائر 1 | 11:27 م

      تحية

      هذا المقال الثاني الذي أقرأه لك، وقد أعجبتني فيك روح الإيجابية الدائمة وتحليلاتك الواقعية والموضوعية لها، وكأنك الشابي شاعر الإيجابية والثورة،، أحيك، أحد المبدعين.

اقرأ ايضاً