العدد 3575 - الأربعاء 20 يونيو 2012م الموافق 30 رجب 1433هـ

الحياد الطبي... المفهوم وتساؤلات الواقع

نبيل حسن تمام comments [at] alwasatnews.com

طبيب بحريني

من واجب جميع العاملين في القطاع الصحي تقديم الرعاية الصحية لمن يحتاجها، بغضّ النظر عن هويته وأيديولوجيته وانتمائه، وهو ما يطلق عليه علميّاً: (الحياد الطبي) الذي وضعت له ضوابط وإرشادات من خلال معاهدات جنيف وبروتكولاتها في العام 1949، فباتت جميع المؤسسات الطبية الدولية تقدره وتحترمه باعتباره ميثاق شرف مهني.

وقد ظهر مصطلح الحياد الطبي منذ أكثر من 150 عاماً وذلك بعد معركة «سولفيرينو» التي خلفت ما يقارب ثلاثين ألف جريح من غير أدنى رعاية طبية في ساحة المعركة، فبات هذا سبباً مباشراً لبدء جدل انتهى مع انطلاق معاهدات جنيف التي تعنى بضحايا النزاعات وتقديم الرعاية الطبية لهم.

والأمثلة على عدم تطبيق مفهوم الحياد الطبي كثيرة في عدة دول، كالاستهداف المتعمد للطواقم الصحية في كسوفو، ومهاجمة المرضى والأطباء وعسكرة الخدمات الصحية في تيمور الشرقية، برغم أن المبادئ الأساسية للحياد الطبي واضحة تتضمن توفير الحماية لكلٍّ من الطواقم الصحية، والمرضى، والخدمات الصحية، وسيارات الإسعاف، إضافة إلى ضرورة عدم إعاقة الوصول للخدمات الصحية والعلاج، وتقديم الخدمات الصحية للمدنيين، وعدم التمييز في تقديم الخدمات الصحية للجرحى والمرضى.

يرتكز مفهوم الحياد الطبي على 3 أركان: أولها القانون الدولي الإنساني الذي يهدف إلى حماية الأشخاص الذين يعانون من ويلات الحرب، وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن هذا القانون يعني «مجموعة القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى معاهدات أو أعراف، والمخصصة بالتحديد لحل المشاكل ذات الصفة الإنسانية الناجمة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، والتي تحد - لاعتبارات إنسانية - من حق أطراف النزاع في اللجوء إلى ما يختارونه من أساليب أو وسائل للقتال، وتحمي الأشخاص والممتلكات».

ومن هذا المنطلق وضعت جنيف مبادئها الأربعة والبروتكولين الملحقين بها بشأن تحسين حالة الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان، وتحسين حالة الجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار، إضافة إلى أسرى الحرب، وأخيراً مبادئ حماية المدنيين في وقت الحرب.

أمّا الركن الثاني الذي يرتكز عليه مفهوم الحياد الطبي فهو القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما يعرف بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان المكون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية (1966) والبروتكولين الملحقين، وهناك خلط شائع ما بين الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان والذي يتكون من اتفاقيات جنيف الأربع الخاصة بالحروب التي ذكرتها أعلاه.

وأمّا الركن الثالث والأخير فهو أخلاقيات مهنة الطب، والذي اختصره القسم الطبي منذ أبو الطب «أبقراط» الذي يؤكد على ضرورة احترام الإنسانية والمهنة واضعاً من خلاله ميثاق شرف يسير عليه الأطباء في سلوكهم إلى أن تم التصديق على القسم الطبي في المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي الذي فصّل المفاهيم ذاتها بصياغة أخرى تتناسب والدين الإسلامي.

وتمثل أخلاقيات الطب مجموعة من القوانين واللوائح التي تم اكتسابها وتبنيها من قبل الهيئات الطبية على مدار تاريخ الطب واستناداً لست قيم دينية وفلسفية وأخلاقية، وهي: الاستقلال الذاتي الذي يعطي للمريض الحق في اختيار أو رفض طريقة معالجته، والمعاملة الحسنة التي يجب على صاحب المهنة أن يعامل بها المريض، وعدم إيذاء المريض، والعدالة التي تحث على الاهتمام بتوزيع مصادر الصحة النادرة، وتقرير مَن الذي يستحق أخذ علاج ما من خلال الإنصاف والمساواة، والمحافظة على كرامة المريض، وأخيراً الصدق والأمانة.

هذا هو مفهوم الحياد الطبي بشكله العام والمتعارف عليه دوليّاً، فهل حققت دول العالم بشكل عام ودولنا العربية بشكل خاص هذا المفهوم؟ وخصوصاً في فترات الحروب والثورات والتي كان آخرها ثورات الربيع العربي؟

إقرأ أيضا لـ "نبيل حسن تمام"

العدد 3575 - الأربعاء 20 يونيو 2012م الموافق 30 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:20 ص

      لم يمنعهم القسم ولا .....

      اناس أبوا الا ان يكونوا خارج كل انساني واخلاقي وديني

      لم يمنعهم القسم من شهادة الزور لا القسم الاول ولا الثاني باعوا دينهم واخلاقهم وانسانيتهم انهم باعة الضمير لا لشئ سوى انهم الطامعون منتهزوا الفرص المتمصلحون ومع الاسف جلهم من الغرباء الوافدين الذين يبحثون لهم عن مكان بين أبناء الوطن وفيه لكن لا مكان لهم ولن يكون

    • زائر 5 | 9:33 ص

      شكرا لكم

      شكرا لكم يا أشرف الناس. وأعطف الناس. وأحسن الناس.

    • زائر 3 | 1:57 ص

      شكرا لكم يا تاج الرؤوس وضمير الامة الحي

      انتم والله تاج الرؤوس وضمير امتنا الحي

    • زائر 1 | 12:39 ص

      ضمير الطبيب.

      شكرا لك يادكتور على هذا المقال التعريفي. اتمنى ان يقرؤه من باع ضميره من اطباءنا الذين شهدوا زورا على زملإهم وخانو اخلاقيات مهنتهم.

اقرأ ايضاً