العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ

زينل: العملية الديمقراطية مستمرة لكنها بحاجة إلى تطوير وإصلاح

في ورقته التي تحدثت عن نظام المجلسين (1 - 2)

الوسط - محرر الشئون البرلمانية 

29 أغسطس 2003

أكد عضو مجلس النواب يوسف زين العابدين زينل في ورقة قدمها عن وفد البحرين في المؤتمر السنوي الثاني للبرنامج البرلماني بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة والذي كان بعنوان الإصلاح البرلماني في الديمقراطيات الجديدة أن الفقه الديمقراطي العالمي يعتبر اختيار أعضاء المجالس التشريعية العليا بطريقة التعيين بالكامل طريقة تجافي من غير شك روح العصر الحاضر كما أنها تتنافى مع المبدأ الديمقراطي إذ يعتبر المجلس المعين بالكامل أنه لا يمثل الشعب وإنما يمثل إرادة السلطة التي عينته لكنه في حال وجود المجلسين بطريقة ديمقراطية فإن ذلك يمنع من استبداد السلطة التشريعية، فإذا اشتد أحد المجلسين في التشريع أوقفه المجلس الآخر عند حدود سلطته إذا ما جنح بها.

وأضاف زينل أن العملية الديمقراطية في البحرين مستمرة لكنها بحاجة إلى تطوير مستمر وإلى إصلاح. وتحدث زينل في ورقته عن تشكيل السلطة التشريعية في الدول من حيث أن بعضها يأخذ في تشكيل هذه السلطة بنظام المجلسين بينما يأخذ البعض الآخر في تشكيل هذه السلطة بنظام المجلس الواحد ويأتي الجزء الأول من ورقته كالآتي:

الملاحظ في الديمقراطيات الجديدة أن مشروعات الإصلاح السياسي تأتي بمبادرة من الحكم أساسا بعد أن يشهد البلد توترات سياسية واحتقانا شديدا. وهذه المبادرات على رغم شجاعتها في وضع حد لوضع مترد فإنها تتسم بشيء من التوفيقية، وهذا أمر طبيعي، فأطراف اللعبة السياسية خاضت صراعا مريرا لكن أي طرف لم يتمكن من حسم الأمور لصالحه. لذلك فإن الإصلاح السياسي هو طوق النجاة للأمة وللوطن، يحاول أطراف الصراع من خلاله الارتقاء بالصراع من شكل عنيف «همجي» إلى شكل سلمي «حضاري» هو الشكل البرلماني أو النيابي عموما.

وعلى رغم ذلك تبقى الشكوك ويبقى الارتياب يسود جزءا من علاقات القوى المتصارعة ضمن توازنات محلية وإقليمية ودولية، ويسعى كل طرف إلى تحسين وضعه من خلال الأدوات النيابية ومن خلال نصوص الميثاق والدستور والقوانين الأخرى ناهيك عن الشارع.

وشهدت البحرين خلال تاريخها صراعا سياسيا مريرا على امتداد نصف قرن من الزمان وكان الوصول إلى المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار أحد أهم أهداف نضال الشعب البحريني.

وفعلا توج بدخول البحرين بعد نيل الاستقلال في العام 1971م مرحلة من مراحل التطور السياسي وذلك بإقرار دستور للبلاد والدعوة إلى انتخابات مباشرة لعضوية المجلس الوطني (البرلمان) في ديسمبر/ كانون الأول من العام 1973م إلا انه لم يكتب لهذه التجربة أن تستمر إذ تم إجهاض الديمقراطية الوليدة آنذاك.

وبمبادرة شجاعة من صاحب الجلالة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة خرجت البحرين بعد حوالي ربع قرن من عنق الزجاجة إلى مرحلة وارفة من الديمقراطية. إلا أن شكوك الماضي ومحاولات بعض القوى المتضررة من الإصلاح في الحكم وفي المعارضة، ساهمت في تعكير المناخ الديمقراطي في البلد مستغلة في ذلك المثالب والنواقص في تفاصيل نظام المجلسين، وعموما فإن العملية الديمقراطية في البحرين مستمرة لكنها بحاجة إلى تطوير مستمر وإلى إصلاح.

سنقسم هذه الورقة البحثية إلى ثلاثة مطالب سنتناول في (المطلب الأول) تشكيل السلطة التشريعية في الدول من حيث أن بعضها يأخذ في تشكيل هذه السلطة بنظام المجلسين بينما يأخذ البعض الآخر في تشكيل هذه السلطة بنظام المجلس الواحد، ثم نتناول في (المطلب الثاني) دراسة تجربتنا الشخصية - من واقع دستور مملكة البحرين - فيما يتعلق بالنظام البرلماني، أما في (المطلب الثالث) فإننا سنتناول كيفية إصلاح المثالب التي تلحق بأنظمة السلطة التشريعية وذلك على النحو الآتي:

نظام المجلسين

ذهبت بعض الدول الأخرى إلى النص في دساتيرها على الأخذ بنظام المجلسين، فنص الدستور الفرنسي الصادر في العام 1985 على أن يتكون البرلمان من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، ويجري انتخاب نواب الجمعية الوطنية بالانتخاب العام المباشر، ويكون انتخاب مجلس الشيوخ بالاقتراع غير المباشر، وهذا يضمن تمثيل المجموعات الإقليمية (المادة 24).

كما ذهب دستور الولايات المتحدة الأميركية إلى أن جميع السلطات التشريعية المنصوص عليها في هذا الدستور تخول الكونغرس الذي يتألف من مجلس الشيوخ ومجلس النواب (المادة الأولى).

كما أخذت انجلترا بنظام المجلسين، إذ يوجد مجلس العموم ومجلس اللوردات.

ونذكر على سبيل المثال بالنسبة إلى الدول العربية المملكة الأردنية، إذ نص الدستور في المادة (62) على أن يتألف مجلس الأمة من مجلسين: الأعيان ومجلس النواب.

كما ذهب الدستور المغربي في الفصل السادس والثلاثين من الباب الثالث إلى أن البرلمان يتكون من مجلس النواب ومجلس المستشارين.

وفي مصر ذهبت دساتير ما قبل الثورة إلى الأخذ بنظام المجلسين، إذ نصت المادة (73) من دستور 1923 على أن يتكون البرلمان من مجلسين هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب، كما ذهب إلى ذلك أيضا دستور العام 1930، إذ نص في المادة (74) منه على أن (البرلمان يتكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب).

على أنه يتعين - بالنسبة إلى الدول التي تأخذ بنظام المجلسين - أن يكون هناك تباين بين المجلسين، بحيث لا يكونا متماثلين ومتطابقين وإلا انتفت الحكمة من وجود مجلسين، وأصبح يكفي وجود مجلس نيابي واحد. ويكون الاختلاف بين المجلسين في التكوين والاختصاص.

أولا: من حيث التشكيل أو التكوين:

الأصل أن يكون تشكيل أحد المجلسين النيابيين عن طريق الانتخاب بواسطة الشعب، وأن تكون مدته محددة غير طويلة حتى يمثل هذا المجلس القاعدة الشعبية تمثيلا حقيقيا، وحتى يتمكن الشعب بالتالي من بسط رقابته على أعضاء هذا المجلس عند تجديد مدته مرة أخرى.

وهذا الأصل هو ما ذهبت إليه غالبية الدساتير التي أخذت بنظام المجلسين، إذ نص الدستور الأردني في المادة (67) منه على أن (يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا).

كما ذهب الدستور المغربي إلى أن أعضاء مجلس النواب ينتخبون لمدة أربع سنين بالاقتراع العام المباشر.

وعلى هذا الاتجاه ذهب دستورا 1923 و1930 إذ نص الدستوران على أن يكون تكوين مجلس النواب من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام.

وإذا كان ذلك بالنسبة إلى المجلس النيابي، فيتعين أن يكون تشكيل المجلس الآخر - ويطلق عليه المجلس الأعلى - مغايرا لأسلوب تشكيل المجلس الآخر - وهو مجلس النواب - وإلا انتفت حكمة ازدواج المجلسين، وبذلك نجد أن الدول التي أخذت بنظام المجلسين غايرت في طريقة تشكيل المجلس الأعلى بصورة أو أكثر من الصور الآتية:

(الصورة الأولى): جعل عضوية المجلس الأعلى بالوراثة، ومثال على ذلك مجلس اللوردات في انجلترا، إذ خصصت غالبية مقاعد هذا المجلس للذين يحملون لقب لورد.

(الصورة الثانية): جعل عضوية المجلس الأعلى بالتعيين، إذ ذهبت بعض الدساتير إلى تخويل رئيس الدولة حق تعيين جميع أعضاء المجلس الأعلى بالكامل، وذلك ما ذهب إليه الدستور الليبي إبان العهد الملكي وكذلك الدستور الأردني، إذ نص في المادة (36) على أن (يعين الملك أعضاء مجلس الأعيان ويقبل استقالتهم).

وقد يكون تعيين أعضاء المجلس الأعلى بواسطة رئيس الدولة لمدى الحياة كما كان الحال في إيطاليا الناشئة.

وأجمع الفقه على أن هذه الطريقة في اختيار أعضاء المجالس العليا تجافي من غير شك روح العصر الحاضر كما أنها تتنافى مع المبدأ الديمقراطي، إذ يعتبر المجلس المعين بالكامل بواسطة رئيس الدولة أنه لا يمثل الشعب وإنما يمثل إرادة السلطة التي عينته.

(الصورة الثالثة): الجمع بين أسلوبي الانتخاب والتعيين في تشكيل المجلس الأعلى، وهذه الطريقة أخذت بها بعض الدساتير، إذ يتولى رئيس الدولة تعيين بعض أعضاء المجلس الأعلى ويتولى الشعب انتخاب البعض الآخر. وهذا ما أخذ به دستور 1923، إذ نص في المادة 74 منه على أن (يعين الملك خمسي أعضاء مجلس الشيوخ، وينتخب الثلاثة الأخماس الباقون بالاقتراع العام) على مقتضى أحكام قانون الانتخاب. كما ذهب الدستور المصري الصادر في سنة 1930 إلى أن مجلس الشيوخ يؤلف من مئة عضو يعين الملك ستين منهم وينتخب الأربعون الآخرون طبقا لأحكام المادة 81 وقانون الانتخاب.

(الصورة الرابعة): انتخاب كل أعضاء المجلس الأعلى، وذلك إما على درجة واحدة كما ذهب دستور تشيكوسلوفاكيا العام 1920، وقد يكون الانتخاب على درجتين، وإلى ذلك ذهب الدستور الفرنسي الحالي الصادر في سنة 1958، إذ نص في المادة 24 منه على أن (يكون انتخاب مجلس الشيوخ بالاقتراع غير المباشر وهو يضمن تمثيل المجموعات الإقليمية بالجمهورية).

(الصورة الخامسة): إذا تعذر التفرقة بين المجلسين على أية صورة من الصور السابقة، فإن بعض الدساتير تلجأ إلى وسائل أخرى للتفرقة بين المجلسين، ومن بين هذه الوسائل اختلاف مدة النيابة وطريقة التجديد، فينص الدستور الأميركي الحالي على أن يتألف مجلس النواب من أعضاء ينتخبون لمدة عامين من قبل أهالي الولايات المختلفة، أما مجلس الشيوخ فيتألف من شيخين عن كل ولاية يختارهما سكان الولاية لمدة ست سنوات.

وفي مصر، وفقا لدستور 1923، كانت عضوية مجلس النواب لخمس سنوات وعضوية مجلس الشيوخ لعشر سنوات، بحيث يتجدد اختيار نصف الشيوخ المعينين ونصف المنتخبين كل خمس سنوات. ويلاحظ في هذا الخصوص أن مدة المجالس النيابية المنتخبة تكون في معظم الدساتير أقل من مدة المجالس العليا، ويرجع ذلك إلى أن المجالس النيابية تكون أكثر تمثيلا للشعب، ومن ثم يتعين ألا تكون مدتها النيابية طويلة حتى يتمكن الشعب من رقابة نوابه المنتخبين وصدق تمثيلهم له، وذلك عند انتهاء المدة النيابية وإجراء انتخابات برلمانية جديدة لانتخاب أعضاء المجلس النيابي الجديد.

اختلاف عدد المجلسين

تذهب الدساتير عادة إلى جعل عدد أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أكثر من عدد أعضاء المجالس العليا، إذ ان المجالس الأولى أكثر تمثيلا للقاعدة الشعبية وإرادة الأمة من المجالس العليا. وعلى سبيل المثال تنص المادة (63) من دستور المملكة الأردنية على أن (يتألف مجلس الأعيان بما فيه الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب).

ثانيا: من ناحية الاختصاص:

الأصل أن يتساوى المجلسان في ممارسة الوظيفة التشريعية فيكون لكل منهما حق اقتراح القوانين، بحيث يتعين موافقة أحد المجلسين على مشروع القانون الذي أقره المجلس الآخر، فإذا اعترض أحد المجلسين على مشروع القانون استحال إصداره على هذا النحو، وإذا كان هذا هو الأصل العام فإنه يلاحظ أن بعض التشريعات الدستورية تجعل اختصاص أحد المجلسين أوسع مدى من اختصاص المجلس الآخر، ومن ثم تجعل اختصاص المجلس النيابي المنتخب بالكامل أوسع مدى من المجلس الأعلى باعتباره أصدق تمثيلا للشعب، فنجد بعض الدساتير التي تأخذ بالنظام البرلماني ذي المجلسين تجعل مسئولية الوزارة السياسية أمام مجلس النواب فقط من دون مجلس الشيوخ. وعلى سبيل المثال جعل الدستور المصري الصادر في العام 1923 مسئولية الحكومة السياسية أمام مجلس النواب فقط.

ولم يقتصر الأمر في التفرقة بين المجلسين في الاختصاص على هذا النحو فقط، بل قامت بعض الدساتير بالتفرقة بينهما أيضا في مسائل التشريع. فإذا كان الأصل العام هو المساواة بين المجلسين في أمور التشريع بحيث يكون لكل منهما حق اقتراح القوانين، فإن بعض الدساتير ذهبت إلى أنه في حال الخلاف بين المجلسين على صدور قانون معين، فإن الكلمة العليا النهائية في صدور القانون تكون للمجلس النيابي المنتخب بالكامل، إذا ما أعاد الموافقة عليه بغالبية خاصة وبالتالي لا تكفي في هذا الصدد الغالبية العادية (1). كما تجعل بعض الدساتير الأخرى للمجلس النيابي المنتخب امتيازا خاصا في مسائل القوانين والتشريعات المالية، ومثال ذلك ما ذهبت إليه المادة (28) من دستور 1923، إذ جعلت حق اقتراح القوانين الخاصة بإنشاء الضرائب أو زيادتها، قاصرة على الملك ومجلس النواب فقط من دون مجلس الشيوخ. كما أوجب المشرع الدستوري أيضا في الدستور ذاته أن تكون مناقشة الموازنة وتقريرها في مجلس النواب أولا (المادة 139).

وذهب الدستور الفرنسي الحالي الصادر في سنة 1958 المادة (2) إلى جعل أولوية النظر في مشروعات القوانين المالية للجمعية الوطنية.

ثالثا: مزايا نظام المجلسين:

1- إمكان تمثيل الطبقات والمصالح المختلفة في الدولة تمثيلا حقيقيا داخل البرلمان.

2- يؤدي نظام المجلسين إلى رفع مستوى الكفاية داخل البرلمان، عن طريق وجود مجلس نيابي منتخب بالكامل ووجود مجلس آخر يمكن تعيين بعض أعضائه من ذوي الكفايات وأصحاب الخبرة، وهذا يؤدي إلى رفع مستوى البرلمان وسد النقص في الكفايات داخله.

3- يمنع نظام المجلسين من استبداد السلطة التشريعية، فإذا اشتد أحد المجلسين في التشريع أوقفه المجلس الآخر عند حدود سلطته إذا ما جنح بها.

4- يؤدي نظام المجلسين إلى تخفيف النزاع بين البرلمان والحكومة.

ولا شك في أن نظام المجلسين يجعل المجلس الآخر يقوم بدور الحكم والوسيط بين الحكومة والمجلس النيابي. أما إذا اتفق المجلسان في الرأي في مواجهة السلطة التنفيذية، فإن ذلك يعد قرينة على صواب رأي البرلمان، الأمر الذي يحمل السلطة التنفيذية على العدول عن موقفها والخضوع لرأي البرلمان في نهاية الأمر.

5- يعتبر نظام المجلسين مسألة ضرورية في الدول الاتحادية، إذ يقوم أحد المجلسين بتمثيل إرادة شعب كل ولاية على حدة، بينما يقوم المجلس الآخر بتمثيل الشعب الاتحادي ككل.

6- نظام المجلسين يؤدي إلى منع الخطأ والتسرع في التشريع، فإذا أخطأ أحد المجلسين في تشريع معين تلافى المجلس الآخر هذا الخطأ عند عرضه عليه

العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً