العدد 3583 - الخميس 28 يونيو 2012م الموافق 08 شعبان 1433هـ

تحديات التجربة الديمقراطية المصرية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

بفوز محمد مرسي من حزب الحرية والعدالة بالانتخابات الرئاسية في مصر في أول تجربة لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة فإنني أعبر عن كثير من المصريين في بلاد الغربة بل عن كثير من العرب على اختلاف عقائدهم وعن المسلمين باختلاف مذاهبهم عن شعور بالفخر والاعتزاز لهذه السابقة التاريخية في دولنا العربية وإن كانت بعض دولنا الإسلامية غير العربية قد حققت ذلك بدرجات متفاوتة منذ أمد ليس ببعيد. إلا أن تحقق ذلك في مصر له صدى ومغرى مختلف، فمصر هي أم الدنيا كما وصفها رائد الفكر الاجتماعي الإسلامي العلامة عبدالرحمن بن خلدون، وكما وصفها النبي الكريم في وصيته إذا فتح الله عليكم مصر فخذوا من شعبها جنوداً فإنهم خير أجناد الأرض.

ولهذا لعبت مصر دوراً محورياً في تطور وتاريخ وحضارة أمتها العربية والإسلامية.

والواقع أن ثمة تأملات مهمة ترتبط بهذه التجربة الديمقراطية المصرية أولها أنه ثبت عدم صحة المقولة التقليدية بأن الدول العربية لا تستطيع أن تكون ديمقراطية أو أن الإسلام والديمقراطية غير متطابقين. وثانيهما أن مصر كعادتها وضعت تجربتها في المحك وهذا هو التحدي الحقيقي. إذ إن تحقيق انتخابات حرة وديمقراطية ليس أمراً عسيراً الحصول عليه. ولكن الأهم في ذلك ثلاثة أمور الأول الحفاظ على صدقية التجربة أي استمرار الوعي والممارسة الديمقراطية وليس كما ردد البعض أن الإسلاميين إذا وصلوا للسلطة عبر صندوق الانتخابات فإن وصولهم هو أولاً وأخيراً وتنتهي العملية الديمقراطية. وأنهم يتمسكون بالسلطة إلى الأبد. والثاني أن الإسلاميين يقدموا الكثير من الوعود فإذا حققوا هدفهم نكثوا بعهودهم لأن فكرهم الايديولوجي يملي عليهم التمسك بمبادئ تتعارض مع المجتمع الحديث وتنتمي إلى عالم مختلف لا يؤمن بالتعددية ولا بالحرية ولا بالمساواة.

والثالث أن وعود الانتخابات سواء من إسلاميين أو غيرهم كثيرة وتنفيذها قليل، لأن المرشح الفائز سرعان ما يصطدم بحقائق جديدة لم يكن يعرفها قبل وصوله للسلطة، وكان يعيش مناخاً مثالياً يختلف عن الحقائق الواقعية، ونموذج ذلك باراك أوباما والمثل الجميلة التي عبر عنها ثم لم ينفذها بل تخلي عن معظمها.

من هنا نقول إن الرئيس محمد مرسي أمام تحدٍ كبير ليثبت عكس تلك التوقعات وتتمثل أبعاد هذا التحدي في الأتي:

- الأول أنه تربى في مدرسة فكرية مختلفة بتراث إسلامي عربي مصري فرعوني، ثم تعرض لتراث ثقافي غربي أميركي، وعليه أن يبني فكره وفلسفته للجمع والمزاوجة بين الاثنين.

- الثاني لأن العالم المحيط بمصر عربياً ودولياً عالم مليء بالتناقضات والتحديات، وأن المثل السياسية تحتاج لخلطة واقعية وأن المثل العالية والقيم الرفيعة قد تتلاءم مع الفكر الديني في أرقى صوره، ولكن العمل السياسي يحتاج لجرعة واقعية تساير مصالح الطبقات والفئات المختلفة المكونة للمجتمع من ناحية، وتتعايش مع القوى الدولية والإقليمية من ناحية أخرى. وجوهر الإسلام كما عاشه وقدمه محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام هو الواقعية أنظر إلى نموذجه في فتح مكة بل نموذجه في صلح الحديبية بل في كل حياته كان جامعاً للقيم المثالية والممارسة الواقعية.

- الثالث أن تحديات العالم المعاصر أمام مصر تستلزم المزج بين الواقعية والمثالية، بين الطموحات وبين التحديات.

إن أكبر الدروس المستفادة من بناء الدولة الإسلامية عبر عصورها المختلفة كان العجز عن القدرة على المزاوجة بين الواقعية والمثالية فقد ظهر حكام في قمة المثالية وهم قلة محدودة وأحياناً، وظهر حكام في قمة الواقعية وهم كثرة وللأسف كلاهما أخفق في بناء الدولة الإسلامية بالمفهوم العصري الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن العلاقات الدولية والارتباطات الطائفية والدينية والاجتماعية في عصره.

إن التجربة الأميركية الحديثة أثبتت نجاحها في خمسة أمور أولها البناء على إنجازات السابقين مهما كانت الاختلافات والصراعات في مرحلة الانتخابات، ثانيها الاستفادة من الكوادر الجادة والمتميزة مهما كانت الاختلافات معهم أو انتماءاتهم الفكرية والسياسية، وفي حالتنا أيضاً الدينية أو الطائفية أو العرقية. وثالثها النظرة الشمولية لواقع المجتمع والدولة والعالم، الرابع الإيمان بمبدأ الحوار وحق الاختلاف والإقرار بدور المعارضة الوطني، ومن ثم تناوب السلطة من دون افتئات ومن دون انتقام ومن دون غضب مدمر، والخامس الالتزام بالقواعد القانونية في الشكل وأيضاً المضمون.

إن الديمقراطية هي شكل ومضمون في الوقت نفسه، وهذا سر نجاح وتقدم الدول الغربية وإخفاق التجارب العربية والإسلامية، لأن الحاكم لا يتمسك بالشكل تحت إغراء المضمون، وينتهي به المطاف لإضاعة الاثنين معاً. في حين أن الإسلام شكلاً ومضموناً كان هو الأساس في العبادات وفي المعاملات ولا يتسع المقال لشرح مستفيض أو لضرب الأمثال، ولكن كل دارس للتاريخ الإسلامي يلمس ذلك ويعرفه، وكما يقال في المثل العربي: «كل لبيب بالإشارة يفهم».

إن نجاح التجربة الديمقراطية المصرية هو أكبر التحديات لمصر وللمنطقة العربية.

لقد أقام النبي الكريم دولته على أساس المساواة والإخاء بين المسلمين وغير المسلمين في صحيفة المدينة، ولم يفرق بين الأنصار والمهاجرين بل قام بالمؤاخاة بينهما. ولم ينتقم من خصومه بل عفا عنهم على رغم أنهم ناصبوه العداء وأذاقوا أتباعه أشد العذاب.

السؤال هل يقدم الإسلاميون في مصر وبالذات الرئيس محمد مرسي مثل هذا النموذج في الإسلام العقلاني المعتدل المتسامح أم يقدم نموذجاً يؤكد مفاهيم الصراع والتشاحن. إن نظريات الصراع بين للطبقات والشعوب والطوائف هي التي أدت لإخفاق الدول الإسلامية بعد عهد الرسول والخلفاء الراشدين. كذلك مفهوم البذخ والاعتماد على اقتصاد الريع بدلاً من الإنتاج. لقد كانت التجارة في الحضارات القديمة هي المكون الرئيس للاقتصاد ولذلك قال النبي الكريم: تسعة إعشار الرزق في التجارة. ولكن مفهوم التجارة الحديثة يقوم على العلوم والتكنولوجيا ويربط بين التجارة بمفهومها التقليدي في السلع وبين تجارة الخدمات وحركة العمالة ورؤؤس الأموال. إن المجتمع المعاصر يبني على تراث الأجداد بمنظور متطور يتلاءم مع المتغيرات.

إن هذه هي أبرز التحديات التي تواجه الرئيس المصري الجديد وتواجه مصر بل تواجه العرب جميعاً لإنجاح مثل هذه التجربة لأنها كفيلة إذا نجحت بإخراجهم من الطريق المسدود في التطور والتقدم إلى الأفق الرحب في بناء الأمم والشعوب، وبغض النظر عن مفهوم الدولة الوطنية القائمة في منطقتنا العربية، فإن شعوبنا في معظمها متحدة في فكرها ووجدانها وآمالها وطموحاتها فإذا نجحت التجربة المصرية الديمقراطية فإن هذا كفيل بالاستفادة منها من قبل الدول العربية الأخرى، ولا نقول الاقتداء بها أو نسخها، فلكل مجتمع تراثه وثقافته وظروفه، ولكن القاسم المشترك بين شعوبنا العربية والإسلامية أكبر من أن يمكن تجاهله أو التغاضي عنه.

والتساؤل هل تنجح مصر في تجربتها؟ وهذا هو ما نأمل أن يتحقق وهذه هي مسئولية الرئيس الجديد القادم إلى منصبه عبر صندوق الاقتراع والذي عليه أن يحافظ على نزاهة هذا الصندوق، فلا يكون الاقتراع النزيه للمرة الأولى والأخيرة، كما يرجف المرجفون ويشكك المتشككون في أصحاب التيار الإسلامي. وعلى محمد مرسي أن يثبت لهم عكس تخوفاتهم، وعلى المثقفين المنافقين وحملة المباخر أن يمتنعوا عن بناء فرعون جديد / من منظور الاستبداد، وليس من منظور الإنجازات للحضارة الفرعونية العريقة، عبر النفاق، وعبر المزايدة والله خير شاهد وخير معين.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3583 - الخميس 28 يونيو 2012م الموافق 08 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً