العدد 3587 - الإثنين 02 يوليو 2012م الموافق 12 شعبان 1433هـ

أدباء كبار بعضهم يتنفس سياسة وبعضهم يتجنبها! (2)

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

سعدي يوسف

بالنسبة إلى سعدي يوسف هي المرة الأولى التي يلتقي في أمسية شعرية مع مدرسة وجيل هو على تباين واختلاف معه (محمد مهدي الجواهري) وخصوصاً مع تراكم تجربة الأول وتنوعها وتعددها من جهة، والعقدة والكفر بما يسمى بالريادة التي يتحسس من تكريسها عدد من الأسماء الكبيرة، ولم يكن سعدي يوسف بمنأى عنهم. حدث ذات ورطة أن قدمت الجواهري وسعدي يوسف في أمسية استضافها النادي الأهلي في دبي. وقد ذكرت في مقال سابق أن استنفاراً مرورياً وأمنياً واختناقاً طال المدينة التي لم تعرف تجربة كتلك. بالمناسبة سعدي يوسف هو الآخر لا يحبذ الكلام في السياسة في دول النفط بحسب تعبيره ريثما يتأكد أن طائرته أقلعت إلى حدود لا سلطة للنفط عليها!

لسعدي يوسف قصة أخرى. في فيلا سلطان بن علي العويس في خورفكان، استدرجته للقاء مجلة شقيقة لصحيفة «البيان» في دبي، لم يبدِ رفضاً كان بسيطاً متواضعاً. عليك أن تعرف سعدي فيما أنجز بالتفاصيل المملة. يستهويه موضوع هجراته المتعددة من عمّان، عدن، وعواصم أخرى وصولاً إلى العاصمة البريطانية (لندن) التي عرف فيها استقراراً شبه نهائي. كان صلفاً وبخيلاً في الوقت نفسه. ذلك ما حدث ليلة مغادرته الإمارات بعد فوزه بجائزة الشعر. في مطار دبي حدثت الورطة. وزن حقائبه التي امتلأت كتباً مهداة إليه وأشياء أخرى تطلبت دفع رسوم لا تتجاوز 400 درهم. سبق ذلك مشكلة مع الفندق في مكالمات هاتفية خارجية لا تلتزم بها الجهة المضيفة وتم حسم الأمر من قبل لجنة الإشراف على الضيوف بتحمّل الفاتورة. في دبي الأمر اختلف نوعاً ما بخروج سعدي عن طوره في كلام يصعب التصريح به؛ لم يكن أمامي إلا الاتصال بالزميل عبدالإله عبدالقادر وكان وقتها مدير اتحاد كتاب وأدباء الإمارات المشرف على الجائزة قبل أن تستقل بترخيص رئاسي شكلت لها أمانة تولى هو إدارة المؤسسة فيها؛ إذ تولى حل الإشكال والتكفل برسوم الوزن الزائد لرجل يحمل في جيبه شيكاً بِـ 100 ألف دولار!

ألفريد فرج

مع ألفريد فرج في بساطته كماء ذلك الفارع في بنيته ونصه لا تملك إلا أن تحبه. حاد كشفرة حلاق. واضح كأفق، حاسم كمجرى نهر لن يفرض شيء أو أحد عليه خريطة مساره. كل أعماله لم تكُ بمنأى عن الإنسان. الإنسان في غصته وعذاباته وحتى لهوه المستفز. ظل يتعامل مع الحياة باعتبارها مسرحاً مفتوحاً على الخيارات التي نريد لا ما تريد هي.

لا أحد يشبه ألفريد فرج في جرأته وقدرته على المراهنة على انحياز من يلتقيه إلى روحه التي لا تشبه أي روح أيضاً. كان استثنائياً في حضوره وبساطته وتواضعه. كان نجم الاحتفالية والأيام التي قضاها في الشارقة من دون منازع.

علي جواد الطاهر

علي جواد الطاهر، بكل نسكه المعرفي وهدوئه واطمئنانه تصغي إلى سرد المستقبل والحياة وهو الضليع في أدق تفاصيل تاريخ بلاده (العراق) وما بعد حدودها في خريطة العالم. كأن الحياة تصغي إليه. يحدثك عن المستقبل وهو منشغل بسرد التاريخ.

أصعب شيء أن تملك أنهاراً من قيمة الكلام، وتنتظر كلام من لا قيمة فيما يقول. الطاهر لم يكن يرى عدم قيمة في كلام أحد. حتى التفاهة لها قيمة. يكفي أنها نبهتك إلى تجنبها. إنها الندرة في رحابة النفس والروح والمعرفة.

جبرا إبراهيم جبرا

جبرا إبراهيم جبرا، وشكسبير الذي يظل مديناً له في قبره لأنه الأكفأ من بين من قدّمه إلى العربية. الحديث عن الجامعات البريطانية كان غالباً وتجربته كأستاذ زائر في جامعة هارفارد. بمعية تلميذه أستاذ النقد وخريج هارفارد عبدالواحد لؤلؤة والمستشار الثقافي الحالي لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وأحد أفضل الذين ترجموا نص تي إس إليوت «الأرض اليباب»، ذلك الفلسطيني العراقي كان يتجنب وفي ثنايا تلميحاته ألاّ تتجاوز ما لا أحب. السياسة غصّة لمن يحاول استدراجه. وخصوصاً في ارتباط تاريخ الرجل بجوائز وأوسمة أنعم بها عليه طاغية بلاد الرشيد. كان ذلك سبباً كي تنسى الحديث عن منغصات السياسة!

إحسان عباس

اختم بشيخ النقاد والمترجمين والمؤرخين البروفيسور إحسان عباس. لا مجال لديه كي يكون رخواً أمام المتطفلين ممن يقلّبون عيشهم في ثرثرة تحت بند لقاء من دون أن يكونوا قرأوا اليسير من الجهد المعرفي الذي تم إنجازه بتراكمه وتنوعه وتعدده. ضالع في الإصغاء ولا يعنيه دوره في الكلام. لا ينتظر دوراً للكلام أساساً. إنه مشغول بمختبر فعله. أول من قدم الشاعر الفلسطيني محمود درويش في تاريخ القراءات وتتبع مشروعه الشعري. كانت دراسته المعمقة اعترافاً منهجياً بالموجة الجديدة من التعبير عن أشكال ظلت حكراً لقرون على الثابت من بنيتها وشكلها وسذاجتها التي لم تخلُ منها في الوقت نفسه.

إحسان عباس الوحيد من بين كل أولئك، كان موغلاً ومباشراً في حديثه وتناوله للشأن السياسي وبجرأة يفتقدها حتى الذين نظن ونتيقن من تهورهم أو حتى توهمهم!

في الزمن الصعب وفي زمن الثرثرة المفتوح والمتاح للذين لا يحسنون صنعاً في الحياة بين العاقل وذي القيمة والصدفة نشعر بغربة الحكمة والحكماء، أولئك الذين صنعوا المبهر والمدهش والجميل والمختلف في حياتنا. وإن رأوا أن التعاطي مع السياسة هو بمثابة فخ لن يؤدي بالتأكيد إلى جناح ملكي بفندق؛ بل إلى جناح من لظى لا قدرة لصاحبه على التحليق به شبراً عما هو مضطر إلى الانشداد إليه (الطاعة بمواصفات من يريدها كاملة غير منقوصة).

بتنا اليوم ننام ونصحو على النهيق ووكلائه!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3587 - الإثنين 02 يوليو 2012م الموافق 12 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً