العدد 3590 - الخميس 05 يوليو 2012م الموافق 15 شعبان 1433هـ

حكم القانون... لكن قانون من؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لا يوجد أدنى شك بأن مدى هيمنة حكم القانون، ما يعرف بـ Rule of Law ، يقيس مدى مدنية وتحضُّر أيِ مجتمع. وحكم القانون في قواميس السياسة هو نوع من الحكم حيث لا سلطة تمارس على أحد إلا حسب أسس ومنهجية ومحدّدات القانون، وحيث يستطيع أي مواطن أن يترافع بقضيته ضدَّ أي شخص مهما علا قدره وضدَّ أي مسئول في الدولة يمارس خرق القانون.

مناسبة الحديث عن موضوع حكم القانون هي ما يراه ويسمعه ويقرؤه الإنسان يومياً عبر وسائل الإعلام وهي تتعامل مع نشاطات ومواقف شباب الثورات والحراكات العربية في الأقطار التي وصلها الربيع العربي. فوسائل الإعلام تظل تردد بصورة ببغاوية بأن هذا النشاط مخالف للقانون وذاك الموقف يكسر القانون وذلك المطلب لا يقرّه القانون. وشيئاً فشيئاً تبدو الثورات والحراكات وكأنها عبث خارج حكم القانون، وبالتالي يجب أن تتوقَّف عند حدود معيَّنه وأن تقوم الدولة بالضَّرب بيد من حديد على القائمين بها، وعلى الأخص الشباب منهم.

لكن وسائل الإعلام تحتاج إلى التذكير بأن عبارة «حكم القانون، التي يرفعونها في وجوه شباب الثورات، لها متطلبات وشروط إذا أريد الاحتكام إليها. من أهمِّها ما أكده المجلس الدولي لممارسي مهنة القانون في إعلان له سنة 2005 عندما اعتبر أن من أبرز مكوّنات «حكم القانون» وجود قضاء مستقل ومحايد يمارس تطبيق القانون بصورة عادلة وعلنيّة وبدون تأخيرمتعمد يضرُ الناس. وعليه اعتبر المجلس أنه من غير المقبول على الإطلاق القبض التعسُّفي غير المبرر على أي مواطن، ولا احتجازه دون محاكمة، ولا معاملته بقسوة أو بصورة مهينة تحطُ من كرامته ومعتقداته أو بممارسة تعذيبه، ولا محاكمته بصورة سرية.

ولسريان حكم القانون هناك وجه سياسي يجب أن يتوافر. فتطبيق حكم القانون يحتاج أن يكون من خلال وسائل ديمقراطية توفّر أولاً الأسس التي تؤمّن أم الفضائل وهي العدالة، ولا تستثني ثانياً أحداً أيا كان من حكم القانون الذي يطبق بالتساوي على المجتمع وعلى الحكومة، والتي تفعّل ثالثاً الفصل الحقيقي لا الصوري بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي رابعاً تتأكد من انطلاق جميع القوانين من القائمة الشاملة لحقوق الإنسان العالمية، والتي خامساً مثلما تؤكّد استقلالية القضاء تصُّر على استقلالية مهنة المحاماة.

هل قائمة المتطلبات طويلة ومعقَّدة؟ نعم، إذ بدونها يمكن لحكم القانون أن يصبح ممارسة تعسُّفية ظالمة وفاسدة. والبديل لتلك المتطلبات الصّارمة أن ينتهي حكم القانون إلى الممارسات النَّازية والستالينيَّة البشعة في معسكرات الاعتقال، إلى التحايل والتلاعب الأميركي في غوانتنامو، إلى ألوف سجناء الرأي والحرية العرب القابعين في أقبية سجون ومراكز التوقيف العربية دون محاكمات أو بمحاكمات صورية، الى إهانة أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا يومياً في محاكم الجهل أو الفساد، إلى مجتمع يعيش حالة الجحيم.

لنأخذ مثالاً واحداً لتوضيح ما ذكرنا في الفقرات السابقة. أي كلام إعلامي مضحك ذاك الذي يطالب شباب ثورة مصر بقبول ما صدر من أحكام بحق الطُّغاة والفاسدين والسُراق من رجالات الحكم البائد، والتي استندت فيها الأحكام إلى القوانين المصرية السارية. يتجاهل هؤلاء وجود إشكاليات، فالذي صاغ تلك القوانين مؤسسات تشريعية سابقة جاءت عن طريق انتخابات مزوَّرة وبالتالي لا تمثل المواطنين، والذي أصدرها نظام حكم استبدادي فاسد معني بما يخدم بقاءه وليس بمصالح المواطنين والمجتمع. إن الغالبية السَّاحقة من المتطلبات والشروط التي ذكرناها سابقاً لا تتوافر فيما تسمّيه وسائل الإعلام بحكم القانون وتنادي ليل نهار باحترامه. فلماذا يطلب من شباب ثورة مصر عدم التحفُّظ على تلك الأحكام وعدم رفع عقيرة الاحتجاجات في الساحات، بل ويتجرَأ البعض باتهامهم بممارسة الفوضى وينصحهم بالرجوع إلى بيوتهم قبل أن تتحقق أهداف ومطالب الثورة؟

نعلم أن القضيَّة شائكة، ولكن إلى حين تغيير القوانين الجائرة السَّابقة وتوافر المتطلبات المذكورة سابقاً في عملية تشريع القوانين الجديدة وتطبيقها، أي ممارسة حكم القانون النّزيه، ينبغي الاحتكام إلى توافر عنصرين أساسيّين في كل حكم سيصدر: الأول هو تحقيق أهداف الثورة وعدم التلاعب بها وتأجيلها، وهذا حق للذين استشهدوا في سبيلها، والثاني هو الأمر الإلهي باقامة الحق والعدل والقسط والميزان كشرط للسلام وكل الفضائل وسموّ الإنسان، وكذلك أمر الحكمة الإنسانية: «كيف السبيل إلى محاربة عنف الناس، ياحكيم الصين؟ بالعدل يامولاي، بالعدل»، قالها كونفوشيوس.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3590 - الخميس 05 يوليو 2012م الموافق 15 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:52 ص

      قوانين على وقوانين ضد فقط وفقط

      القوانين بهذه الديرة وجدت لتطبق على وضد فئة معينة فقط.
      وعندما تكون في صالح هذه الفئة فتحوّر وتغير وتوجد الثغرات قسرا وقهرا لكي تصرف عن صالح هذه الفئة.
      من المفروض ان تكون الشعوب هي مصدر هذه القوانين لا فقط هي مصدر تطبيق هذه القوانين.
      تشريع القوانين من طرف لكي تطبق على طرف آخر
      وبصورة انتقائية فذلك يفرغها من قوتها ومن احترامها
      ومن اسمها كقوانين وإنما تصبح اجراءات فردية لا علاقة لها بقانون نعم هي اجراءات فردية يرأتي شخصا انها في مصلحته وبيده سلطة تطبيقها فيسعى الى ذلك والا فهي فاقدة لكل معايير

    • زائر 10 | 4:05 ص

      حكم القانون... لكن قانون من؟ الأجابة هي

      قانون من يملك القوة والسلاح والعتاد ليسكت كل من لا يتفق مع رؤاه ولا يقبل بخيارات المسئولين . ثانيا لا اعتقد ان هناك من يقرأ من الأعلاميين المضحكين لما تقول لأنهم ادنى مستوى من ذلك ولأنهم يريدون البقاء في العمى الفكري ويريدون البقاء في الأنقياد الأعمى .

    • زائر 9 | 3:05 ص

      عزيزنا الغالى يا دكتور

      كلمه لو حلوه والله يا دكتور لو يطبق القانون نريد سجن اكبر من مساحه بلد لهائولأء المتزمتين المنافقين الدين شهروا بأشرف الناس من محامين ودكاتره ومهندسين واساتده جامعين لكن بلعكس تراهم فى اعلى المناصب

    • زائر 8 | 2:52 ص

      عصا القانون

      واليوم باسم القانون تصادر حريات الناس في التعبير .. وجر الأعناق بحبل حوار معلوم سلفا نتائجه ، يفوت على المطالبين بالحريات والعدالة كل تضحياتهم ومطالبهم ، ليكرس الظلم في ثوب جديد

    • زائر 7 | 2:43 ص

      كلام عقلاني ومنطقي

    • زائر 6 | 2:33 ص

      «حكم القانون» نسمع ونرى..

      وجود قضاء مستقل ومحايد يمارس تطبيق القانون بصورة عادلة وعلنيّة وبدون تأخير متعمد يضرُ الناس. من غير المقبول على الإطلاق القبض التعسُّفي على أي مواطن، ولا احتجازه دون محاكمة، ولا معاملته بقسوة أو بصورة مهينة تحطُ من كرامته ومعتقداته أو تعذيبه.

      ونرى:
      في كل مرة بيان وزارة الداخلية «وفقاً للضوابط القانونية الواردة بقانون الاجتماعات العامة والمسيرات، تقرر منع هذه المسيرة في المكان والزمان المحددين، حيث إن إقامتها بهذه المنطقة الحيوية من شأنه الإخلال بالأمن العام والإضرار بمصالح الناس».

    • زائر 5 | 2:31 ص

      جبتها في الصميم يا دكتور ولا قانون من دون قضاء مستقل تماما

      لقد رأينا كم مرّة يحاكم فيها الرؤساء الامريكان وغيرهم من الحكام الأوروبيين. أثناء وبعد حكمهم وهذا الذي ينطبق عليه حكم القانون فعلا.
      أعطني قضاءا مستقلا استقلالا تاما أقول لك اذا حكى الشرع الكل ياكل تبن ولكن قضاء تابع ومسيّر وفي كل كلمة قلت القانون القانون فلا قيمة لكلمة القانون إنه
      قانون المصالح الشخصية لأفراد معينيين.

    • زائر 4 | 1:54 ص

      الابتعاد عن الازدواجية ..

      مقال رائع يا دكتور ، ولا تكمن روعته في طريقة طرحه العلمي المتزن فقط، وانما تكمن الروعة في سلوكه طريق الجادة الذي يؤدي الى بلوغ الهدف بيسر وسهولة ، وتجنبه الطرق الضبابية المنحنية المؤدية للانزلاق والتردي ، وبعده عن ازدواجية الطرح وكثرة خطوط الرجعة ، كما أنّ المقال يتجنب مسك العصا من الوسط بهدف ارضاء جميع الاطراف ، ويبتعد عن الجدلية العقيمة والبلهاء

    • زائر 3 | 1:47 ص

      ولا يوجد أي قانون من القوانين التي ترتضيها الشعوب لا يحفظ حق غير البالغ

      نعم لا يوجد أيها الدكتور الفاضل في أيّ بقعة من بقاع الدنيا قانون ترتضيه الشعوب لا يحفظ لمن لم يبلغوا الحلم حقوقهم، وجميع تلك القوانين تقول إن المعاملات التي يدخل فيها هؤلاء وتكون نتيجتها في صالحهم تسجّل بقوّة القانون في صالحهم، وأمّا النتائج التي تكون في غير صالحهم فتعتبر باطلة، وذلك ببساطة لأنهم لم يصلوا إلى السن الذي يجعلهم في كامل قواهم العقلية.
      ولكن القانون عندنا في البحرين، يبيح جرجرة الأطفال وتعذيبهم والزج بهم في السجون، ومحاكمتهم لمجرد تهم!!!

    • زائر 2 | 12:21 ص

      ابو كرار

      شكرا لك يا دكتورعلا هذه الكلمات وكما عرفناك حقاني ولا ترضى بغير الحق

    • زائر 1 | 12:08 ص

      I love you Doctor

      thank you for what you are writting Doctor you are one of the leaders in Bahrain and I wish that our Goverment listen to what you are writting, they always close thier ears not to hear what can take our country to the right and safe way, they do what ever they want because nobody judge them. We love you all

اقرأ ايضاً