العدد 3596 - الأربعاء 11 يوليو 2012م الموافق 21 شعبان 1433هـ

مستقبل الإسلام في مصر

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يتساءل الكثير من الناس بعد انتخاب محمد مرسي من الإخوان المسلمين رئيساً لمصر، عما يعنيه ذلك بالنسبة للكيفية التي يرى فيها المصريون العاديون دور الدين في الحياة العامة. تراقب الولايات المتحدة بشكل خاص مصر باهتمام الآن بالذات بسبب العلاقة القوية تقليدياً بين الدولتين.

ولكن حتى يتسنى فهم دور الدين في مصر، من المهم أن نفهم أن مصر تضم أصواتاً دينية غير حزبية تمنع علماء الدين من الوقوف إلى جانب الأحزاب الدينية كما حصل في إيران. لاشك أن ثقافة مصر مازالت دينية عميقة، ومن غير المقبول اجتماعياً بشكل عام معارضة الدين. إذا كانت الديمقراطية بأسلوب جيفرسون، وهي مفهوم يقول بأنه يتوجب على المؤمنين ترك الدين في المنزل عندما يناقشون علناً الأمور السياسية، إذا كانت مستحيلة في المضمون المصري، فإن السؤال ليس ما إذا كان الدين سيُظهِر نفسه في المجال العام، وإنما كيف سيفعل ذلك.

بالنسبة للمصريين المسلمين، وهم غالبية السكان، هناك ثلاث قوى تؤثّر على كيف يُرى الدين في الحياة العامة: جماعة الإخوان المسلمين، التي تدعم دولة مدنية ولكن لها فهم شديد التسيّس للإسلام، والأحزاب السياسية السلفية مثل حزب النور أو حزب الأصالة، التي تؤكد على منظور للإسلام يرتكز على العقيدة الوهابية وهي ليست أصيلة في مصر، وتنادي بتطبيق قوانين بالأسلوب السعودي، وجامعة الأزهر، الجامعة الإسلامية الأكثر شعبية واحتراماً في المنطقة العربية وأقدم جامعة في العالم مازالت قائمة (تأسست العام 971 في القاهرة). يركّز الأزهر على علاقة الإسلام مع القضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة ولكن من خلال عدسة مختلفة عبر الاعتماد على التراث الفكري الإسلامي.

وفي الوقت الذي قام العديد من المحللين بفحص، وهو أمر مفهوم ومتوقع، الإخوان المسلمين والأحزاب السياسية السلفية كقوى تستطيع تشكيل وجهات نظر الجمهور المصري في دور الدين في السياسة في مصر ما بعد الثورة، إلا أنها أغفلت وبشكل كامل الدور الحاسم للأزهر.

يشكّل إغفال الأزهر خطأً كبيراً إذا أخذنا بالاعتبار تاريخه الممتد لمدة تزيد على الألف عام وتجربته الفريدة ومنهجيته ومجلس البحوث ذا الشهرة العالمية وعدد خريجيه. وعلى رغم أن لدى الإخوان المسلمين نحو 600.000 عضو، تضم مؤسسات الأزهر التعليمية حالياً مليوني طالب (500,000 في المستوى الجامعي و1.5 مليون في مدارس ابتدائية وثانوية). إضافة إلى ذلك فإن خريجي جامعة الأزهر أئمة أو دعاة في 110.000 مسجد يشكلون 80 في المئة من المجموع في مصر. وهناك أيضاً عشرة ملايين خريج من الجامعة.

يتطلع غالبية المسلمين المصريين إلى علماء جامعة الأزهر للإرشاد الروحي والفكري، وليس للإخوان المسلمين أو الجماعات السلفية.

إن توجُّه جامعة الأزهر هو أكثر اتزاناً وعلماً، ومنهجه هو البحث عن الصالح العام وتجنب السياسة الحزبية. وبسبب تاريخه الطويل، ومدى تأثيره وتوجهه، فهو حاسم في الصورة السياسية الحالية في مصر وتيسير التحول السلس الذي يعتبر حيوياً لمستقبل الدولة.

حافَظ علماء الدين في الأزهر منذ فترة طويلة على موقف الوسطاء بين الشعب والحكومة وتصرفوا أحياناً على أنهم الضمير الاجتماعي وحماة المشاعر العامة والتقاليد. وقد أعلن الأزهر في بداية هذه الدورة الانتخابية أنه لن يؤيد مؤسسياً أي مرشح، حيث إن هدفه هو العمل مع كل الجماعات سعياً لتحقيق الصالح العام.

أصدر الأزهر مؤخراً على سبيل المثال إرشادات للدستور الجديد، بشكل يضمن المواطنة الكاملة أمام القانون لجميع أعضاء المجتمع المصري بغض النظر عن الدين أو العرق أو العقيدة، وتحدّى ممارسات الحملات المشبوهة التي قامت بها أحزاب إسلامية، مثل الطلب من الأئمة تشجيع أحزاب أو جماعات معينة. غيّرت الأحزاب علنياً ممارسات حملاتها ورضخت لسلطة الأزهر، رغم أن بعض هذه الممارسات استمر ولكن بقدر أقل من العلانية.

تتطلب تقوية القيم الديمقراطية والتعمّق بها شرعية ليست معروضة من أي طرف باستثناء هؤلاء الذين لعبوا هذا الدور التاريخي بشكل مستمر في المجتمع المصري، ألا وهم علماء الأزهر.

لذا فإنه من الحيوي لمصالح الولايات المتحدة على المدى البعيد في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ألا تصبح فقط على علم ومعرفة أوسع، وإنما العمل كذلك مع مؤسسات مثل الأزهر. يمكن لهذه العلاقة أن تتخذ أشكالاً عديدة، مثل بعثات لأفضل خريجي الأزهر، الذين يمثلون القادة المستقبليين الفكريين والدينيين في العالم العربي، إلى الجامعات الرئيسية في الولايات المتحدة، والتعاون في مجال البحوث وترجمة النصوص الدينية الغربية والإسلامية، وفي النهاية فتح فرع لجامعة الأزهر في الولايات المتحدة نفسها.

إذا كانت مصائر الحضارة الإسلامية والغرب متداخلة، فإن العمل مع مؤسسات التيار الرئيسي المسلمة مثل الأزهر هو الذي يشكّل الوعد الأعظم لتحقيق التفاهم المتبادل والتعاون الدولي.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3596 - الأربعاء 11 يوليو 2012م الموافق 21 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً