العدد 3597 - الخميس 12 يوليو 2012م الموافق 22 شعبان 1433هـ

لقاء الحضارتين الإسلامية والصينية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

عقد مؤتمر لقاء الحضارتين الإسلامية والصينية في بكين يومي 28 - 29 يونيو/ حزيران 2012 بمبادرة من مركز الأبحاث الثقافية والتاريخية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي ومقره اسطنبول وبدعوة من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (معهد الأديان العالمية) وشارك في افتتاح الاجتماع كل من أمين عام منظمة التعاون الإسلامي ورئيس معهد أبحاث التاريخ والفن والثقافة الإسلامية ومديري معاهد أبحاث من المملكة العربية السعودية وباكستان وماليزيا، وباحثون من البحرين ومصر واليابان وقطر وبريطانيا والجزائر والصين والولايات المتحدة وغيرها من المتخصصين في الدراسات الصينية، واستمرت مداولات المؤتمر على مدى يومين تم خلالها استعراض العلاقات التاريخية والثقافية بين الصين والعالم الإسلامي، والتأثير المتبادل بين المجموعتين والأبعاد التجارية والاقتصادية، وكذلك التعاون على مستوى دول منظمة التعاون الإسلامي سواء في إطار تنظيمي أو في إطار ثنائي.

عكست مداولات المؤتمر ومناقشاته عمق العلاقات، ورصانة البحوث التي قدمت، والآمال العريقة المعقودة على تطور تلك العلاقات في المستقبل، استناداً إلى ماضيها التاريخي العريق، وحاضرها الجيد، وإلى رغبة الطرفين في تعميقها.

القوة الدافعة وراء المؤتمر كانت مبادرة منظمة التعاون الإسلامي وخاصة أمينها العام البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلو ومركز أبحاث التاريخ والثقافة الإسلامية في اسطنبول ورئيسه البروفسور خالد إرن ومعهد الأديان العالمية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.

ويمكننا الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات التي ارتبطت بأعمال المؤتمر:

الأولى: إن المشاركين تم اختيارهم من قبل منظمي المؤتمر بعد التدقيق في تخصصاتهم ووجود أبحاث ودراسات متعمقة لهم حول الحضارتين الصينية والإسلامية وتم اختيارهم بصفتهم الشخصية كباحثين.

الثانية: حظي المؤتمر باهتمام ورعاية من الجانبين الإسلامي والصيني حيث اهتم رئيس الوزراء الصيني بالمؤتمر، وأعطى تعليمات للمسئولين بالإعداد الجيد له، ولذلك شارك في الافتتاح نائب وزير الخارجية الصيني، فضلاً عن كبار المسئولين في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية. كما اهتم بالجانب الإسلامي حيث شارك في الافتتاح أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، ورئيس مركز الأبحاث التابع للمنظمة، وأساتذة متخصصون في الدراسات الصينية من تركيا ومصر والبحرين والجزائر وقطر وباكستان والسعودية وماليزيا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة.

الثالثة: تم الاتفاق بين الجانب الإسلامي والجانب الصيني على مواصلة هذا النوع من المؤتمرات المتخصصة كل عامين، ويعقد بالتناوب بين الصين واسطنبول مقر مركز الأبحاث التابع لمنظمة التعاون الإسلامي.

الرابعة: كان مدير مركز الأبحاث في اسطنبول خالد إرن والفريق المعاون له حريصين بالغ الحرص على إنجاح المؤتمر، وتجلى ذلك في دقة الإعداد والمتابعة للباحثين وأوراقهم، وكذلك مواصلة العمل أثناء انعقاد المؤتمر، والاهتمام بكل مشارك كما لو كان مسئولاً كبيراً في منصب رسمي، كذلك فعل الجانب الصيني الذي أظهر كرم الضيافة المعروف عن الصينيين ورعايتهم الشاملة للضيوف.

الخامسة: فريق الباحثين المشاركين من الصين كانوا من جامعات بكين، وشنغهاي، ومراكز الأبحاث الإسلامية، والجمعية الإسلامية، ومن إقليم ننشيا ذي الحكم الذاتي لقومية خوى Hui وهي أكبر القوميات الإسلامية في الصين ويزيد تعدادها عن 12 مليون نسمة.

السادسة: المشاركون من الدول الإسلامية واليابان وبريطانيا أظهروا عمق التحليلات التي قدموها حول ارتباط الحضارتين الإسلامية والصينية، كذلك فعل المشاركون الصينيون، وشملت الدراسات كل جوانب الثقافة الإسلامية مثل تطور الحركة السلفية، الطرق الصوفية العديدة ودورها في نشر الإسلام في الصين، كذلك تأثيرها السياسي وخاصة في مصر بعد انخراط السلفيين والصوفية في الانتخابات إثر سقوط نظام حسني مبارك، وقدم الباحثون الصينيون بوجه خاص عدة تحليلات حول هذه الحركات الدينية السياسية، أما الباحثون من الدول الإسلامية فركزوا على المبادئ والقيم الإسلامية، والدور السياسي للحركة الإسلامية في السنوات الأخيرة، كذلك المدارس الإسلامية في علوم الفلك والرياضيات والطب والسياسة ودور العلماء والمفكرين الصينيين أيضاً، بل وشمل ذلك إرسال الدولة الإسلامية مبعوثين وسفراء لبلاد الإمبراطور الصيني، وما ارتبط بذلك من بعض مشاكل خاصة بقواعد البروتوكول، حيث إن أول سفير مسلم للصين لم يلتزم بقواعد البروتوكول الصيني في الانحناء أمام الإمبراطور، بما يقرب من السجود، وأثار ذلك دهشة الإمبراطور، ولكن معاونيه ذكروا له أن ذلك ليس من عادات المسلمين، لأن سجودهم لله وحده، وهنا بدأ التعرف على تقاليد وثقافة وسلوكيات المسلمين وقواعد الإسلام في الصين فمنذ عهد أسرة تانج TANG.

السابعة: أكد الباحثون أهمية عقد مثل هذه المؤتمرات العلمية بالنظر للمتغيرات والمستجدات في علاقات الطرفين، وعلى الساحة الدولية، وخاصة أن الأجيال الجديدة لدى الجانبين، لا تعرف بالقدر الكافي أهمية هذه العلاقات، والدور الذي لعبه كل طرف في التفاعل مع الطرف الآخر، فكرياً وعلمياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً.

الثامنة: لقد اضطلع مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط في المملكة العربية السعودية أنور ماجد عشقي بدور مهم في الرد على بعض الأطروحات غير الدقيقة عن الفكر الإسلامي وخاصة مفهوم الجهاد والسلفية والإمام ابن تيمية. كما ساهم كاتب هذه السطور بدراسة ثقافية سياسية تبحث مفهوم التناغم والوئام في كل من الحضارات الغربية والصينية والإسلامية، وقدم رؤية مستقبلية حول مبادئ التطور السياسي تبرز أهمية الحوار والتفاعل على المستوى الحضاري، بما يعمق الفهم المشترك لدى كل طرف تجاه حضارة الآخر، ويغذي مفهوم الوئام، بدلاً من مفهوم الصراع، الذي عبر عنه باحثون من بعض الدول الغربية وخاصة صمويل هنتنجتون.

التاسعة: وهي ترتبط بأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية التي فضلاً عن أنها تضم خبراء وباحثين في شتى فروع المعرفة، ومقسمة إلى مراكز أبحاث وفقاً للتقسيم الجغرافي، فضلاً عن التقسيم الموضوعي مثل معهد الأديان العالمية، أضف لما سبق إصداراته العلمية، وإن كان معظمها باللغة الصينية وتتناول مختلف جوانب المذاهب والاتجاهات الدينية في الحضارة الإسلامية.

إن العلاقات الإسلامية الصينية بالغة الأهمية لتوضيح بعض القضايا ذات الصلة بالإسلام ودوره العالمي ومكانته السياسية والعلمية والثقافية، وكذلك توضيح موقف الإسلام من قضايا قديمة ومعاصرة في آن واحد، مثل قضايا المرأة، الجهاد، الردة، الإرهاب، السلفية والتطرف، وهي موضوعات تم تشويهها عبر العصور وتزداد خطورة هذا التشويه في المرحلة الراهنة من تطور العلاقات الدولية حيث وسائل الاتصال الحديثة السريعة وأدوات التواصل الاجتماعي تنشر الأفكار والمعلومات بسرعة بغض النظر عن مدى صدقيتها وهذا يعمق التفاهم من ناحية ويعمق الصورة المشوهة عن الإسلام من ناحية أخرى وإنني أقول دائماً إن الدبلوماسية المعاصرة ليست دبلوماسية رسمية فحسب بل هي دبلوماسية ثقافية حضارية وإن اختيار الدبلوماسي يجب أن يخضع لمعايير جديدة تساير العصر وأوضحت ذلك في كتابي عن «الدبلوماسية والاستراتيجية والبروتوكول»، إنه للأسف مازال بعض الدبلوماسيين العرب والمسلمين يتم اختيارهم وتثقيفهم بمعايير تقليدية، ولذلك لا يستطيعون مواكبة العصر بفكرة ومتغيراته الكثيرة والملاحقة، من هنا فإن مبادرة أمين عام منظمة التعاون الإسلامي جاءت لتملأ فراغاً دبلوماسياً وثقافياً في التعامل مع الصينيين، فله ولمركز أبحاث التاريخ والفن والثقافة التابع للمنظمة كل التقدير على ذلك ولقد وجهت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية دعوة لسفراء الدول الإسلامية في بكين لحضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ولكن للأسف لم يحضر منهم سوى قلة محدودة لا تزيد على خمسة عشر سفيراً من الـ 57 سفيراً الممثلين لأعضاء منظمة التعاون الإسلامي ومعظمهم معتمدون في بكين.

وختاماً فإنني أتمنى لهذه المبادرة العلمية المتميزة الاستمرار والتعمق في موضوعات ذات بعد مستقبلي بعد أول مؤتمر بأبعاده التاريخية والفلسفية التي غطتها أعمال هذه الدورة الأولى للمؤتمر.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3597 - الخميس 12 يوليو 2012م الموافق 22 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً