العدد 3599 - السبت 14 يوليو 2012م الموافق 24 شعبان 1433هـ

الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين... ضعفٌ بعد قوة

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

اهتمت الأمم المتحدة عبر منظمة العمل الدولية بالحركات والحريات النقابية. فكانت الاتفاقية رقم 87 للعام 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم، والاتفاقية رقم 98 للعام 1949 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية هما من نتائج الاهتمام العالمي بالحريات النقابية. وكان الإعلان العالمي لحقوق الانسان للعام 1948 باكورة الجهود الفاعلة من أجل تحرير العمال من قبضة الاستبداد والهيمنة الإقطاعية.

والمتتبع للحركة النقابية في البحرين يجد أن البحرين كانت من الدول الخليجية السبَّاقة التي اهتمت بالحركة النقابية العمالية وبالاتفاقيات الجماعية، إذ كان قانون العمل الصادر العام 1957 الذي ظل نافذاً حتى صدور قانون العمل في القطاع الأهلي للعام 1976 قد خصص قسماً خاصاً (القسم الثالث) باسم «نقابات العمال» تضمن القواعد والأسس التي تقوم عليها نقابات العمال والاتفاقيات الجماعية.

بيد أن قانون العمل في القطاع الأهلي سالف الذكر (الذي ألغى قانون العمل للعام 1957) كان رغم اعتدال أحكامه من حيث إنه وازن بين مصالح العمال ومصالح أرباب العمل في الكثير من نصوصه إلاَّ أنه عَدَلَ عن منظومة النقابة (أو النقابات) العمالية واستبدلها باللجنة أو اللجان والمجالس العمالية المشتركة، فضلاً عن أنه لم يكن واضحاً كل الوضوح في إبراز حق العمال في الإضراب.

وفي العام 2002 صدر قانون النقابات العمالية رقم (33)، الذي رأيناه آنذاك يمثل بداية مرحلة التصحيح رغم أنه كان قاصر الأهلية من حيث إنه (أولاً) لم يبلُغ المعايير الجوهرية التي قامت عليها الاتفاقيتان الدوليتان المشار إليهما آنفاً، ولأنه (ثانياً) لم يُجسِّد البنيان النقابي بالشكل الذي يتماشى مع عصر الحرية النقابية الحديثة والنهضة الثقافية العمالية.

وكنا حينذاك نأمل أن يأتي يومٌ يستكمل فيه هذا القانون قصوره ويبلُغ هدفه ببناء اتحاد عمالي قوي تتوافر له جميع الضمانات المعنوية والمادية بحيث يكون قادراً على لعب دور فعال في التشريع العمالي والاشتراك في بناء وتطوير ورسم السياسة العمالية، وإذا بنا نفاجأ بعد تسع سنوات تقريباً من ولادة هذا القانون أن الاتحاد العام المعوَّل عليه أصبح اتحادات متفرقة، وذلك بعد تعديل القانون المذكور بالمرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2011 الذي نص على أنه «يجوز لكل نقابتين أو أكثر من النقابات العمالية المتشابهة أن تنشئ فيما بينها اتحاداً نقابياً...».

إننا بداية لا نعترض على مبدأ تعدد النقابات المتشابهة (أو الممثلة للمهنة الواحدة) تيمماً بالفكر الليبرالي الذي ساد بعد انهيار النظام الاشتراكي الذي فرض الوحدة النقابية فرضاً، ونبني عدم اعتراضنا على ذلك استناداً إلى حق العمال في اختيار النقابة التي يرونها الأصلح لهم، وحقهم في التعددية النقابية حسبما أقرته الاتفاقية الدولية رقم 87 للعام 1948 سالفة الذكر، على رغم أن تعدد النقابات على هذا النحو له سلبياته ومضاره وأهمها تفتيت الجهود وفك التآزر ما يجعل النقابات عاجزة عن الدفاع عن مصالح أعضائها على وجه الخصوص ومصالح الطبقة العاملة بوجه عام في مواجهة تعسف أصحاب الأعمال أو في مواجهة سياسة الحكومة.

إنما غير المقبول، أو غير المستحسن، هو تعدد الاتحادات النقابية الممثلة للمهنة الواحدة الذي شُرِّع بمقتضى القانون رقم (35) لسنة 2011 سابق الذكر.

ولنا ان نَعزِي عدم استحساننا لتعدد الاتحادات لأسباب متعددة أهمها ما يلي:

أولاً: انحسار المنظمة الأكثر تمثيلاً للعمال: إذ إنه لما كانت بيئة العمل في البحرين لا تحتضن إلاّ اتحاداً عاماً واحداً لنقابات العمال فكان من المسلّم به أن هذا الاتحاد هو الممثل الوحيد للعمال، بمعنى أنه كان يحمل وصف «الأكثر تمثيلاً للعمال» وهو امتياز تحرص النقابات العمالية في الكثير من الدول - كدول الشرق الأوسط مثلاً - على استثماره كقوة قادرة على الدفاع عن مصالحها ونيل مطالبها باعتباره وحدة مركزية ذات ثقل مؤثر في المفاوضات الجماعية على الأقل يصعب استبعاده أو تهميشه. وعليه متى وُجدت اتحادات عمالية مماثلة غير هذا الاتحاد فلن يبقى هذا الاتحاد قائماً بوصفه الأكثر تمثيلاً للعمال، ولن يبقى محتفظاً بقوته. وفي المقابل أيضاً سوف لن يحمل أي اتحاد مماثل هذا الوصف أو تكون له القوة المؤثرة، وهو ما سيؤدي قطعاً إلى نتائج وآثار سيئة تصيب العمال من الصعب حصرها أو التكهن بها.

ولا نماري من أنه ليس هناك من يُقدِّر مساوئ هذا التحوَّل وأثره تقديراً جيداً إلاّ السادة ذوو الاختصاص، إنما نستطيع وصف هذا التحوُّل كما نراه؛ على أنه ذو طابع سياسي تمخّض عن الأحداث السياسية الأخيرة، لندرك أن للسياسة ذراعاً قوياً مؤثراً في المؤسسات التشريعية.

ثانياً: إضعاف التضامن النقابي الوطني: فالتضامن النقابي الوطني هدف أساسي من أهداف الحركات النقابية الوطنية، فإذا ما تعددت الاتحادات النقابية الممثلة للمهنة الواحدة أو المتشابهة فإن هذا التعدد سيكون بلا شك عاملاً على تفتيت الوحدة النقابية وإضعاف تضامنها، وهذا الضعف نستخلصه من المبدأ القائل «إن في التجمع (أو التكتل) قوة وفي التفرقة ضعف»، ومن يقول بغير هذا إنما يجانب الحق والحقيقة، وإن من يعارض هذا المبدأ أو يحاربه ليس إلاّ ذا مصلحة يسعى إلى إضعاف موقف العمال ومنعهم من حماية مصالحهم وتحقيق مطالبهم.

ثالثاً: قيام تكتلات سياسية ومذهبية متصارعة أو متضاربة بين طبقة العمال فيما بينهم: وهذا ما بدت لنا تظهر معالمه وآثاره قبل قيام الاتحادات المماثلة المزمع قيامها، الأمر الذي سيؤدي بلا ريب إلى نقل الصراع السياسي والمذهبي إلى بيئات العمل وهو ما سيؤدي حتماً إلى تزايد هوة الانقسام والتشرذم بين العمال ليصبحوا من ثم أداة مرنة طيعة لا حول لها ولا قوة بحيث لا تقوى على الصمود والتحدي في مواجهة أطماع الشركات والسياسات المغايرة لمصالحهم. وعليه نستخلص مما تقدم أن تطبيق القانون رقم (35) للعام 2011 الذي أجاز لكل نقابتين أو أكثر من النقابات العمالية المتشابهة أن تنشئ فيما بينها اتحاداً نقابياً قد وكز الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين فأصبح ضعفاً بعد قوة، وستصبح بعده النقابات العمالية شيعاً وأحزاباً.

وبالتأكيد أن من يصطلي بنار هذا الوكز أو هذا الضعف والتشرذم هم العمال وحدهم لحساب أصحاب الأعمال ولمآرب سياسية قد لا يعمهُ عنها ذوو الألباب.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3599 - السبت 14 يوليو 2012م الموافق 24 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:28 ص

      قراءة قانونية لمشكلة سياسية مختلقة

      شكرا على هذه القراءة القانونية لهذه المشكلة التي خلقتها السياسة في بلادنا.

اقرأ ايضاً