العدد 3606 - السبت 21 يوليو 2012م الموافق 02 رمضان 1433هـ

خيانة البرلماني والنقابي لمن انتخبهما

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

«البرلماني» هو عضو البرلمان المُنتخب من قِبَل الأمة أي من قِبَل الشعب... و «النقابي» هو عضو النقابة العمالية المُنتخب من قِبَل العمال، وهذان الاثنان يحملان عهداً كما سنرى تباعاً.

والعهد في حقيقته تجسيدٌ للأمانة، ذلك لأن هناك ارتبطاً وثيقاً بين الأمانة والعهد وكأنهما لُحمة واحدة استناداً لقوله سبحانه وتعالى: «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون» (المؤمنون: 8). اللهم أن الفارق بين العهد والأمانة هو أن العهد في الغالب يجمع الأمانة والوعد والقسم، وهذا يعني أن العهد أعظم وأرفع مكانة من الأمانة ويشملها، ولذا يُطلق عليه بالميثاق.

ودليل عظمة العهد ورفعته؛ أنه عندما يخون المُؤمَّن الأمانة يوصف بـ «خائن أمانة» أما من ينقض العهد فإنه يوصف بوصفين «خائن أمانة وناقض عهد»، وهذان الوصفان هما غاية الخيانة ومنتهاها.

وعليه عندما نقول إن البرلماني والنقابي يحملان عهداً ذلك لأنهما (أولاً) يحملان أمانة وهي واجب الخدمة لمن انتخبهما. ولأنهما (ثانياً) قد وثَّقا عهداً في ضميرهما لهؤلاء الناخبين وأقسما لهم أن يخلصا لهم في هذا الواجب ويدافعا عن حقوقهم والذود عنهم، ولهذا يصح القول: «إن البرلماني والنقابي يحملان عهداً»، ولا يصح أن نكتفي بالقول إنهما يحملان أمانة فقط.

ويرى بعض علماء الاجتماع أن المُعاهِد عندما يجحد بعهده ويخون من تعاهد معه يوصف بعدة أوصاف منها الخائن والماكر والغدار، أما من يخون الأمانة يطلق عليه صفة «الخائن» وحسب.

ومن المعروف أن المكر أو الغدر أكبر درجة من «الخيانة» ويستغرقها وليس العكس، وهذا ما يؤكد مجدداً أن العهد أعظم درجة من الأمانة، وخاصة إذا اقترن المكر بخيانة عهد مع أُمة أو جماعة من الناس، وكان صادراً من شخص قد وكلته هذه الأمة أو الجماعة رعايتها والذود عنها. ولهذا يقول الأمام علي (ع): «إن أعظم خيانة هي خيانة الأمة». (شرح نهج البلاغة - رقم 31). ويقول (ع): «إن غاية الخيانة نقض العهود».

أما «العهد» المرتبط بالقسم (أي باليمين، وجمعها الأَيمان) فإن درجته تعلو أضعافاً على درجة «الأمانة» لكونه يعتبر عهداً إلهياً، إذ إنه بمثابة تعاهد مع الله سبحانه طبقاً لما جاء في القرآن الكريم: «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون» (النحل: 91)،

ومن ثم عندما يعاهد البرلماني أفراد الأمة ويقسم لهم على أن يكون مخلصاً لهم ويذود عنهم ويدافع عن حقوقهم ثم يجحد بما تعهد لهم به يكون قد بلغ منتهى درجة الخيانة والمكر والغدر ويكون بذلك قد ارتكب إثماً كبيراً.

وما ينطبق على البرلماني في هذا الشأن، وبهذه الصفة، ينطبق تماماً على عضو النقابة العمالية المنتخب من قبل العمال سواء بسواء.

وفي مقال لنا بعنوان «حمل الواجب أمانة وحمل الأمانة عهد» نُشر في صحيفة «الوسط» في العدد 2931 وقفنا فيه حينذاك على واقع أليم غير مسبوق وهو تسابق بعض أعضاء البرلمان المنتخبين للنيل من فئة من الشعب بقسوة وصلف وغلو من السلوك الفج المحمول على الكراهية والحقد والافتراء، حتى رأينا أن قسوتهم زادت على قسوة الجلادين وعتاة السلاطين.

وما يزيد من هذا الواقع بشاعة وألماً هو جهل هؤلاء البرلمانيين لدورهم، إذ وضعوا أنفسهم وكأنهم أشخاص تابعون للضبطية القضائية أو وكلاء في النيابة العامة، بل وهناك من صرح بأن دخوله قبة البرلمان ليس باسم الشعب كافة إنما بأسماء فئة من الشعب، وهذا هو الابتلاء العظيم. وللأسف لانزال نعيش حتى الساعة هذا الواقع المر وهذا الابتلاء العظيم وكأنه يتجدد.

وليت هذا الواقع قد تجدد وحسب إنما نجده قد تمدد، وهذا التمدد جاء بشكل أفقي بدخول النقابيين العماليين في دائرة هذا الواقع المر، ذلك ما حدث أخيراً حيث رأينا بعضاً من رؤساء نقابات عمالية والتابعين لهم في شركات محلية كبرى قد وقفوا حجر عثرة في طريق إعادة بعض العمال من نقاباتهم إلى أعمالهم بعد القرار السيادي القاضي بإعادتهم.

ولم يكفهم هذا وحسب إنما ذهبوا إلى أبعد من ذلك، بأن شاركوا في لجان التحقيق وقرارات الفصل، وقدموا التوصيات بحرمان العمال من الامتيازات والخدمات والمنافع المقدمة لهم كالخدمات الإسكانية، والبونس، والزيادات السنوية، وغير ذلك من التصرفات المُهينة بحق العمال التي لا يسع المجال لذكرها في هذا المقال. وهذا ما يذكرنا بما قام به بعض البرلمانيين بالنحو المشار إليه في مقدمة هذا المقال... متناسين أن المنظمة النقابية تنظيم نشأ لرعاية مصالح العمال والدفاع عنهم طبقاً لما نصت عليه المادة الأولى من قانون النقابات العمالية رقم (33) لسنة 2002 وليس للدفاع عن الشركات وأصحاب الأعمال. ومتناسين أيضاً أن هؤلاء العمال هم من أوصلوهم إلى مجلس إدارة النقابة ومن رشحوهم لرئاستها، وأنهم ليسوا سوى وكلاء عنهم.

ولعل هؤلاء النقابيين نسوا أيضاً أن الوكيل يحمل واجباً شرعياً هو الدفاع عن موكله والعمل وفق إرادة هذا الموكل ومصلحته، فإن لم يتمكن لزمه التنحي عن الوكالة، ذلك لأن الوكالة قائمة على العهد، وهو الالتزام والإخلاص فيما وُكِّل به الوكيل.

وإذا كان التقصير في أداء الالتزام محل الوكالة يعد خيانة، فما بالك بمن يطعن موكله... إن ذلك بحق هو وجه من وجوه البغي الذي يفوق حد الظلم.

بعض العمال أفصحوا لنا أن البغي الذي حاق بهم من قبل هؤلاء النقابيين شبهوه لشدته وكأنه ثأر صادر عن منتقم، إلاّ أنهم لا يعرفون بعد أسباب هذا الثأر وهذا الانتقام.

ولكن حتى وإن سلمنا جدلاً أن هناك ثأراً حقيقياً، فالثأر في قاموس مروءة العرب لا يصل إلى حد قطع الأرزاق وإن وصلت درجته إلى حد إراقة الدماء، لأن العربي المسلم يؤمن أن قطع الأرزاق رذيلة ليست من الشيم والمروءة بمكان. ولهذا قيل: «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق».

فلا ندري إذاً ما أسباب هذه الرذيلة الذي ارتكبها هؤلاء النقابيون، ولما هذا الطمس والمسخ لدور النقابة؟ ولا نعلم بحق لما وكيف وصلت إليه هكذا ثقافة النقابيين!؟

إنما نتمنى ألا يكون هؤلاء النقابيون هم من عجينة أولئك البرلمانيين السابق ذكرهم، فإن كانوا هم كذلك فلنقيم صلاة الجنازة على المجالس المنتخبة البرلمانية والنقابية.

وليس أمامنا بعد ذلك إلاّ أن نختم بالقول: «إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم» (الشورى: 42).

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3606 - السبت 21 يوليو 2012م الموافق 02 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:35 ص

      شكرا لك يا استاد

      نعم هم البرلمانيون الحاقدون وجماعاتهم من قطع ارزاق العباد لكن ويلهم من عذاب رب العالمين هل يظنون انهم سيدومون للابد لابد من قاهر يقهرهم اما بقطع ارزاق اعز مالديهم ام بقهرهم بالموت والفناء كما قال امير المؤمنين علي وقهر عباده بالموت والفناء

    • زائر 3 | 11:42 م

      حقائق نذكرها

      ما نعانيه سببه الغدر والخيانه
      والناس فى هذا البلد تصوت ولا تنتخب
      تخدع الناس مره ولكن من غير الممكن خداع كل الناس كل مره
      وأخيرا يفترض ان لا يلدغ الانسان من حجر مرتين

    • زائر 1 | 11:28 م

      ليس فقط هؤلاء حتى الوزراء عندما يقسمون

      القسم بالله شيء عظيم ولكنه اصبح الآن لقلقة لسان لضعف الايمان بالله والا فكل السمؤولون يقسمون بالله وفي النهاية ترى العمل عكس القسم وهذا امر كبير وعظيم سوف يحاسبوا عليه حسابا عسيرا

اقرأ ايضاً