العدد 3615 - الإثنين 30 يوليو 2012م الموافق 11 رمضان 1433هـ

أنا أكره الطائفية

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

التقيت ذات نهار بالمؤرخ البحريني الراحل مبارك الخاطر (ت 2001) ودار بيننا حديث عابر تحدث فيه بزهو ملفت عن مواسم عاشوراء في البحرين القديمة، وكيف كانوا منذ طفولتهم يقضون أيام عشرة المحرم يجوبون مآتم جزيرة المحرق التي عرفت بتسامحها الديني العجيب بحكم التركيبة الكوزموبوليتية للمدينة، ويشاركون إخوتهم الشيعة في طقوس وشعائر العزاء الحسينية التي كانت تمثل فرصة ومحطة تلاقي جميل وعفوي بين أبناء البحرين بصرف النظر عن مذاهبهم. يومها قال «كنا يا ولدي لا نكاد نرجع بيوتنا إلا في آخر النهار بعدما ننتهي من التطواف على بيوت ومآتم إخوتنا الشيعة، مالئين بطوننا من عيش الحسين».

ولا أخفي القارئ سرّاً أن كلمات الخاطر تلك لم تفاجئني، وكان ردي هو ابتسامة رضا عن واقعٍ كنا نعيشه كبحرينيين، إلى الدرجة التي لم يكن يستدعي منا كل هذا التأمل. وكان الشعور بالتماسك الاجتماعي في مجتمع بسيط كالبحرين يعد لازمة من لوازم هذا المجتمع يصعب تصوره وقد غادره الحب وجفته دفء الروابط الأخوية الرحيمة.

لا شيء يتردد اليوم أكثر من مفردة الطائفية من حيز التداول السياسي والإعلامي والاجتماعي، ومنذ أن حلّ لبنان المطأفن نموذجاً بغيضاً ضمن تجارب العرب في السياسة والحكم بعد أن رسم شكلها وأسس تقاليدها الانتداب الفرنسي العام 1920 ثم توالى التكريس الأبلغ في الميثاق الوطني العام 1943 حين تحولت لبنان دويلات للطوائف: رئيس الجمهورية ماروني، رئيس الوزراء سني، رئيس البرلمان شيعي.

ثم جاء النموذج العراقي الذي كان بمثابة صخرة ضخمة ألقيت في بحيرة العرب الراكدة، وقد أحدثت هزة أبريل/ نيسان 2003 في العراق من التداعيات المذهبية ما يفوق أي تجربة أخرى بما لها من إزعاج مذهبي مزمن، خصوصاً لدول حوض الخليج التي يقلقها الواقع الشيعي الذي تمثله إيران والعراق مجتمعتين.

كتبت تغريدة في «تويتر» قبل يومين أن «المشكلة الطائفية عبر التاريخ هي وليدة واقع سياسي مشوّه وليست معضلة انتماء عقائدي؛ فإذا تساوى المواطنون أمام القانون انصلحت علاقاتهم»، وكتب لي أحد الإخوة «أتفق معك، لكن فسر لي إقصاء السنة في العراق وذبحهم على أيدي عصابة المالكي والصدر. ماذا تسمي ذلك؟»! لست في وارد الرد على تعليق الأخ الكريم، لكن ما يعنيني هو إيضاح حجم تأثير صراعات الإقليم كوقود لحروب الطوائف الدائرة رحاها على الأرض وحجم اختراقها للبنية النفسية والعقلية لأبناء البحرين في ظل واقع سياسي رخو وأفق غير واضح المعالم.

يخشى الكثيرون من الأصدقاء من المستقبل، وأشاطرهم هذه الخشية والقلق، لكنني على يقين أن الطائفية هي مجرد عرض لمرض، والمرض الأساسي هو غياب التمثيل السياسي الحقيقي أو ما يسمى بـ «الشرعية السياسية» عبر شراكة الشعوب في عملية صنع القرار.

إن تاريخ الطائفية في أي بلد هو تاريخ العطب السياسي ذاته، فالناس تتغلب على نوازع الطائفية حيناً، لكنها تطفح عند كل منعطف سياسي حاد، وهذا أمرٌ طبيعي لأن الأسباب الحقيقية لبقاء هذا الورم الخبيث موجودة في جسد الأمة، والحل يكمن في استئصاله لا في تجاهله.

يقول علي الوردي: «مررت في صيف 1950 بالإسكندرية، ميناء مصر العظيمة، فوجدت فيها من التفاوت الطبقي ما بعث في نفسي التقزز الشديد، فهناك على ساحل البحر وجدت الغنى المفرط صارخاً يثير الشهوات ويحفز على الكفر. وعلى خطوات من ذلك فيما يسمونه بالحي البلدي، وجدت الفقر في أبشع صوره. عند ذلك أدركت ان انفجار القنبلة في مصر آتٍ لا ريب فيه». وبالفعل، جاءت ثورة جمال عبدالناصر في يوليو 1952 بعد سنتين تماماً. وعزّزها المصريون بثانية في يناير 2011 عندما قال ميدان التحرير كلمته الفصل في ثلاثة عقود من الاستبداد والاستعباد.

إن أجواء الاحترام والتسامح المذهبي في أي شعب لا تتكرس إلا عبر سلطة سياسية تؤمن بها وتعمل على ترسيخها كواقع ملموس وحقيقي وليس مجرد شعارات تردد على الألسن أو عبر خطابات رسمية يدرك قطاع واسع من الناس أنها «أماني» وليست «خطة عمل لتغيير الواقع».

عندما تصمت السلطة السياسية عن التجاوزات الطائفية التي تنخر في جسد المجتمع كسوسة ضارة دون أن تتحرك لمنعه باعتباره سلوكاً مناقضاً لأبسط مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين فإنها تكون بذلك ضليعة فيه.

إن الشعور الذي يستبد بمكوّن مذهبي يبلغ نسبة 66 في المئة من المواطنين حسب التقديرات الرسمية البريطانية، و55 في المئة حسب مصادر بحرينية، بأنهم مبعدون على أساس مذهبي، ويشتد لديهم يوماً بعد يوم الشعور بعدم المساواة بالمواطنة، ما يسبب الاغتراب عن الدولة وضعف الشعور بالانتماء للوطن، فماذا سيكون تأثير ذلك على بلد صغير محدود المساحة يعيش فيه شعب منقسم؟

إن أبشع أنواع الاستبعاد الطائفي هو ما لم يكتبه قانون أو الدستور، إنما يجري مجرى العرف الرديء. ستنحسر هذه الغمامة السوداء ساعة يتحقق إصلاح سياسي ذو مغزى يتساوى فيه الجميع وتخرس فيه هذه الألسن والأقلام الرخيصة، فعندما يكون هناك مجتمع مستقر سياسياً واجتماعياً لن يكون هناك أي طرف مستفيد من تأجيج مشاعر العداء بين المكونات الاجتماعية، وعندما يكون المجتمع مستقراً سياسياً واجتماعياً، ستنتهي ظاهرة الاسترزاق من الشتيمة والسباب والكتابة في الصحف الصفراء. وحين يكون هناك مجتمع مستقر سياسياً واجتماعياً ستتجه كل الجهود والطاقات لبناء وتنمية المجتمع وليس للمناكفات المذهبية. نعم «أنقذوا سنة البحرين بإنصاف شيعتها». أنقذوا هذا الوطن. ?

العم مبارك الخاطر... كم كان كلامك جميلاً، لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر ولم نعد كما كنا.

*****

علي عزت بيغوفيتش: «الذكي يعرف كيف يتحدث، والحكيم يعرف كيف يصمت».

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3615 - الإثنين 30 يوليو 2012م الموافق 11 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:16 ص

      الطائفية بقيضة مقيتة لانومن بها

      الطائفية مصطلح شائع احتل عالمنا العربي وقبع بمناطقه
      وان كان لهذه التفرقة أهداف ومخططات فلابد القول هنا شعب البحرين,,,,,, شعب متماسك,,,,,,,,,, شعب ابي انتصر وسحق الطائفية منذ خمسينات القرن العشرين وافشل مراهنات بريطانيا العظمى في تلك الفترة .
      لهذا لابد للسلطة والتشكيلة السياسية ان تعي حاجة هذا الشعب ومطالبه المشروعة ومن دون ذكر مسمى (الشيعة ) كنوع من أنواع الوصف الطائفي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 6 | 5:40 ص

      كلام صحيح

      إن أجواء الاحترام والتسامح المذهبي في أي شعب لا تتكرس إلا عبر سلطة سياسية تؤمن بها وتعمل على ترسيخها كواقع ملموس وحقيقي وليس مجرد شعارات تردد على الألسن أو عبر خطابات رسمية يدرك قطاع واسع من الناس أنها «أماني» وليست «خطة عمل لتغيير الواقع».. كلام صحيح 100%

    • زائر 5 | 4:55 ص

      انا ايضا اكره الطائفية

      و اتمنى ان ترد البحرين كما كانت بعض الناس تخلط المشاكل السياسية بامذهب و هاي المشكله العودة.

    • زائر 4 | 4:42 ص

      للأسف الشديد أحداث 2011 في البحرين أظهرت أنفاسا طائفية بغيضة كل همها محاربة الطائفة الأخرى

      وهذا بالفعل ماحدث وأنتج اعتقالات وفصل للموظفين من فئة واحدة ومكون واحد نتيجة ظهور الأصوات الطائفية المقيتة
      أعاذنا الله من الفتنة الطائفية وعواقبها الوخيمة

    • زائر 2 | 2:39 ص

      ذروها فانها نتنه

      تاريخ الحركه الوطنيه قائم على نبذ الطائغيه وكذلك المجتمع، الطائفيه نعرف من يحركها في واقعنا ولاي هدف

    • زائر 1 | 9:47 م

      أنا أكره الطائفية كلام جميل

      شكرا ً للأخ وسام على هذا الكلام الجميل الذي يشخص فيه علتنا الحقيقية في مجتمعنا البحريني ، اتفق معاك مائه بالمائه و شكرا َ مرة أخرى .

اقرأ ايضاً