العدد 3619 - الجمعة 03 أغسطس 2012م الموافق 15 رمضان 1433هـ

شكراً للإقصاء

ياسر حارب comments [at] alwasatnews.com

نشرتُ الأسبوع الماضي مقالاً بعنوان «الانتماء الإماراتي» وكان مقالاً موجهاً للداخل الإماراتي، ولو أنه وُجّه لمجتمع آخر لكُتب بطريقة وأفكار أخرى؛ فالمجتمعات تتباين وتختلف وتحدد حاجاتها حسب ما يلائمها لا ما يلائم الآخرين. تحدثتُ في المقال عن بعض منجزات الإمارات ودعوتُ فيه إلى أمرين مهمين. الأول هو التلاحم وجمع الكلمة وتعزيز الوطنية ونبذ الاصطفاف بكل أشكاله، الديني والسياسي والاجتماعي. والثاني هو عدم توجيه التهم إلى أي شخص أو أي فئة طالما أننا نؤمن بالقانون والعدالة التي تعد مبدأً رئيساً من مبادئنا الدستورية، وقيمة إنسانية عظمى لا يمكن لكاتب أو مثقف إلا أن يطالب بها للجميع، بمختلف طوائفهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم. ومن ربط توقيت مقالي بقضية الموقوفين في الإمارات أخيراً، واستغل الفرصة لاستثارة مشاعر الجمهور فإنه قد أخطأ الظن والتفسير، ولقد كان بإمكاني إدانتهم واتهامهم، ولكنني لستُ قاضياً لأفعل ذلك، وليس من حقي أو من مبادئي إدانة أحد.

ولكنني أعترف بأنني قد خانني التعبير حين قلتُ إنني أرفض الانتماءات الإيديولوجية، وكان الأحرى بي أن أقف عند رفض الانتماءات الحزبية السياسية الخارجية. وأنا هنا لا أتحدث عن الإمارات فقط، بل عن المنطقة بشكل عام، فكما أن بعضنا يعتب على بعض الشيعة انتماءاتهم السياسية لإيران، والعابرة للحدود، وما يترتب على ذلك من أخطار ومشكلات، فلابد أن نجعل من هذا الرفض مبدأً عاماً نطبقه على كل الانتماءات الحزبية السياسية الخارجية الأخرى. أما الانتماءات الإيديولوجية فإنها تسافر عبر الزمن، وتنتشر رغم الجغرافيا، ورغم تباين اللغات والأديان، ومن حق كل إنسان أن ينتمي لأي فكر يشاء طالما أن انتماءه لوطنه يسبق كل انتماء آخر.

ولا أُخفي القارئ أنني استئتُ ولكنني لم أستغرب من الحملة الشعواء التي شنّها البعض ضدي وقاموا بتحوير ما قلتُ، وزوّروا كلاماً على لساني ونشروه في الفضاء الإلكتروني، كمقولة: «قال ياسر حارب ماذا تريد فالحكومة وفرت لك الأكل والشرب والسكن والأمان» وهو كلام لم أقله ولم أشِر إليه، بل إنني أشرت إلى بعض ما تحقق في الإمارات بسواعد أبنائها من الجنسين الذين يشكلون في مجملهم نسيج الحكومة. ولكن ذلك لا يعني أنني لا أنتقد تردي مخرجات التعليم، وترهل كثير من المؤسسات الصحية، وسأظل أطالب برفع سقف الحريات الإعلامية، وتوسيع مشاركة المواطنين في المجلس الوطني الاتحادي ومنحه صلاحيات أوسع. وطالبتُ، ومازلتُ أطالب بوضع قوانين تضبط التركيبة السكانية التي أعتقد أن حلها لن يكون بالتخلص من الأجانب ولكن بضمان حقوق المواطن وتعزيز الهوية الوطنية. كما أننا ما زلنا في حاجة لمزيد من التنمية المعرفية.

ولكنني أيضاً سأظل أفاخر وأتحدث عن منجزاتنا الحضارية وأطالب بالحفاظ عليها وتنميتها أكثر، كإنجاز إحدى أفضل البنى التحتية في العالم، وإحدى أفضل شبكات النقل الجوي والبحري والبري. وكتنويع مصادر الدخل، وكإيجاد مشاريع عملاقة لتوليد الطاقة البديلة. وكارتفاع أداء المؤسسات الحكومية وتميز موظفيها المواطنين عربياً ودولياً.

ونعم، يجب أن أتحدث عن مستوى الرفاه الاقتصادي والخدمات المقدمة، لأنها إحدى الغايات التي تسعى الحكومات لتحقيقها.

إلا أن هناك من يحب ممارسة الإقصاء الفكري لأنه أسهل شيء يمكن لأحد ممارسته، والناظر إلى مجتمعاتنا الخليجية على وجه الخصوص يجد احتقاناً عالياً وجاهزية قصوى للفهم الخاطئ والهجوم المباغت تجاه من أخطأ، أو مَن صُوّر للناس بأنه أخطأ. وكما قال أحدهم: «اخترعنا نحن العرب علماً جديداً هو علم النوايا» حيث أقرأ كثيراً بأن فلاناً كان يقصد كذا وكذا، وعندما أرجع لكلامه أجده بعيداً جداً عما قيل. ولكنني أشكر الإقصاء لأنه زادني إصراراً لتحييد الإرهاب والتخويف الفكري ومحاربته. وسأبقى متفائلاً، رغم كل هذا العنف، بأن التسامح والعقلانية سينتصران في النهاية، حيث ستدفع النتائج السلبية لهذا النوع من الإرهاب بالجيل القادم إلى نبذه وتجريمه.

لا أرفض النقد والنصح بل أستفيد منهما لتطوير نفسي، إلا أنني أرفض التزوير والتشهير. وأنا هنا لا أتحدث عن نفسي فقط، فمازلتُ كاتباً في طور التعلم، ولكنني أتحدث عن ظاهرة عامة استشرت في المجتمع الخليجي بصورة خاصة. تذكّروا الآن كم عالم جليل، وكم كاتب قدير، أهينوا وانتقصت كرامتهم، واتهموا في صدقهم وفي أعراضهم زوراً وبهتاناً، في مشاهد تراجيدية تذكرنا بعصور الظلام الأوروبية عندما أهين جاليليو وأجبر على ثني ركبتيه أمام الكنيسة والاعتذار وهو على حق، أو كما أهين ابن رشد وأحرقت كتبه. إن المنصف يناقشك، أما الإقصائي فإنه يحكم عليك ثم يشهر بك. ولقد علمتني الحياة أن من يشتم لا يمكن أن يكون على حق، ومَن يكون على حق لا يمكنه أن يشتم.

شكراً لكل إقصائي لأنه دفعني للثبات على مبادئي والتمسك بثوابتي أكثر، وعلمني أن لذة التسامح والتجاوز عن شتائمه هي نعمة معجلة في الدنيا. يقول الفُضَيْل بن عِياض: «المؤمن يَستر ويَعظ ويَنصح، والفاجر يَهتك ويُعيّر ويُفْشي».

إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"

العدد 3619 - الجمعة 03 أغسطس 2012م الموافق 15 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً