العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

مساحة حرة - اختلافنا... والطريق إلى روما

محمد عون آدم
محمد عون آدم

كيف يبدأ المرء الكلام؟ ومتى يبقى صامتاً؟ حقيقة لا يصيب الرأي من لا يتقن فن مجالسة الآخرين بمختلف توجهاتهم، ومرارةٌ هي الاستبداد بالرأي، وعدم تقبل رأي الطرف الآخر، وعلقمٌ ذلك المتحدث في غير مجال اختصاصه وإنه المصيب وهم المخطئون، وجميلةٌ اختلافاتنا حينما لا تتحول لصراعاتٍ ساذجةٍ، وتُقبل إذا توفرت أدوات الإقناع.

الاختلاف صفةٌ بشريةٌ طبيعيةٌ ومن البديهي جداً أن نختلفَ، فكلُّ شخصٍ تعود أفكارُه إلى بيئتهِ والنمط المعيشي، وتتفاوت القدرات وتتعدد الاتجاهات وتتداخل الأهداف باختلاف مناهج التفكير، فلا بد من الاختلاف لتتضحَ الصورةُ، ويتبين الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود بشرط أن نتقن فنَّ التعامل معه، ونلتزم بآدابه وأخلاقياته، ولا ندخل في وحل التنازع، ونسقط فريسةً سهلةً له.

الاختلاف سببٌ داعم للتطور والرقي، ولا نتصور العالم وهو متفق بأفراده وجماعاته، بأفكاره وآرائه بكل هدوء ودون موجات شد وجذب مكونين وقتها نسخـًا كربونيةً عن بعضهم، فما معنى الحياة عندها؛ بالتالي الاختلاف ضروري من أجل النهوض بالحياة البشرية، وذلك بالطريقة الفعالة لتصريف المواقف المتباينة في الحوار الهادئ البناء، ولابد أن يسودَ الاحترام المتبادل بين الأطراف المتناقشة في طرح الأفكار، وتكون لكل كفةٍ قاعدةٌ وميزان كي تقاسَ الأفكارُ وتتبين المفارقات ويكون الاختلاف سببـًا في التقارب لا التفرق ما دام سعيهم رضا الرب وإيصال كلمة الحق.

في مختلف ظروف الحياة نحتاج لحل الخلافات بالحوار الجاد اسماً ومضموناً، ليس من أجل المراوغة والالتفاف أو امتلاك القرار للزعامة والمنصب؛ فكما حدث في المؤتمر الأول للتقارب بين المذاهب في النجف الأشرف في العهد العثماني العام 1743 بدعوة من نادر شاه، شاه إيران آنذاك حيث دُعي فريقان من علماء الدين من الطائفتين السنية والشيعية المتمرسين في الخطابة والبلاغة والسجال في المذاهب الإسلامية وتاريخها، فكان هدفُ كل منهم إلحاق الهزيمة بالآخر، وتوظيف المناسبة كمباراة نهائية لابد فيها من غالب ومغلوب، فراح كلُّ فريقٍ يبادرُ بالهجوم على خصمه، ويرجع للدفاع عن نفسه؛ ليثبت قوته وصحة مذهبه، وأنّ الآخر على ضلالٍ مبين بعيداً عن الروح الرياضية، هذا ما جعل تحقيق الغاية في حالة عقد مؤتمرات التقارب بين المذاهب والأديان أكثر صعوبةً ومسبوقـًا بالفشل، ونتائجه فرقةٌ أشد وغيظٌ أكثر، وبعيداً عن الهدف المنشود إلى يومنا هذا؛ فالعصبية لبلدٍ أو إقليمٍ، لحزبٍ أو جماعة، لأيِّ دين أو مذهبٍ لا يمكنُ أن تنتجَ ما هو مطلوب، فالشجرة لا تؤتي ثمارها الشهيةَ إلا في تربةٍ خصبةٍ أو أرضيةٍ معدّةٍ للزراعة، وإلا لن تصلح حتى كشجرة زينة لتجميل منظر.

تختلف زوايا الرؤية لكلِّ بناء، وتتفاوت المصالح والمفاسد المترتبة على الرأي، وتقدير النتائج ليست إلا تخميناتٌ وليست بالضرورة حتمية، ولكن كلها تصب في خانة التغيير والإصلاح، و حقيقة أنّ الإمبراطورية الرومانية أرادت أن تبنيَ دولةً قويةً وتترأسَ زعامتها؛ فقامت بفتح البلاد المجاورة لها، ولكن واجهتها صعوبة المواصلات، ووعورة الطريق فعمدت إلى ربط كل مدينة تفتحها بطريق مرصوف يصل في نهايته إلى روما حتى تبقيَ هذه المدن المفتوحة تحت سيطرتها، فاختلاف الطرق وتعددها ووضعها ليست مشكلة مادامت غاية الوصول واحدة، وكلُّ الطرقِ تؤدي إلى روما، إذا أردنا رأيا قويًّا يواجه كل الصعوبات علينا ألا ننظر للطريق أو المدخل بل للهدف، وجهات النظر تكون رائعة لو تمّ إبداؤها بأدبٍ واحترامٍ مع مراعاة الضوابط والقواعد، فبسبب الإختلاف ظهرت فنون الحديث والتفاوض، وكما قيل اختلاف الرأي لا يفسدُ للودِّ قضية.

محمد عون آدم

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:43 ص

      الله يفرج عنك يا محمد

      محمد عون من الطاقات الشبابية الواعدة الذين يملكون فكراً متسامحاً راقياً وهو متفوق دراسياً تم تكريمه هذا العام في أمريكا بعد تخرجه بتفوق من جامعة NYIT ولكن للأسف ما إن عاد إلى أرض الوطن حتى تم إعتقاله في إحدى ليالي شهر رمضان المظلمة. الطاقات الوطنية في طريقها للإندثار . فرج الله عنك يا محمد.

    • زائر 1 | 3:38 م

      الله يفرج عنه

      كاتب المقال محمد عون آدم مسجون الآن في سجون البحرين وهو أكاديمي وحاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة أمريكية .. فرج الله عنه وعن جميع المظلومين

اقرأ ايضاً