العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ

البحرين وبلاد الرافدين... صدى الماضي القريب

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

تمثل العلاقة العراقية البحرينية التي ترجع جذورها إلى الحضارة السومرية، واحدةً من مجالات البحث الأكثر جدارة بالاهتمام في تاريخ منطقتنا، وهذا التاريخ الذي يتضمن موضوعات جد متباينة في الثقافة والفنون والعلوم والتعليم واللغة والفكر والتجارة والإدارة، إنما يؤكد أهمية الروابط التاريخية الراسخة بين الشعبين العربيين. فالعراقيون والبحرينيون يدينون بدين واحد ويتقاسمون تراثاً ثقافياً واحداً، وأخذا على عاتقهما أدواراً مركزية في الحضارة الاسلامية وكان لهما إسهاماتهما الواضحة في صياغة القيم الإنسانية المشتركة.

ما بين العراق والبحرين أكثر من آصرة، قديماً الحضارة السُّومرية المتمثلة بآثار دلمون، وامتداد القرامطة إليها من سواد الكوفة، وقد تكرست هذه العلاقة عبر أخذ علماء البحرين علوم اللغة والدين في مدينة النجف الأشرف، وعبر زوارها غير المنقطعين إلى عتبات العراق المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء.

في البحرين قبائل تعرف بانتسابها القبلي الأم دون موطن سكناها كـ «آل الكعبي» المنتشرين في المنامة والقرى المجاورة، وهم بحارنة ينتمون إلى قبيلة كعب الشهيرة. وهناك كعبيون آخرون وفدوا من جزيرة العرب خلال القرنين الماضيين يخالفونهم في الانتماء المذهبي. كما عاد إلى البحرين في السنين الأخيرة جماعات وأفراد من الأسر البحرينية المهاجرة في العصور السابقة مثل «آل الربيعي» و «آل قاروني» وغيرهم.

ومن المعروف أن البحرين استعانت بالجاليات المقيمة على أراضيها في تأسيس جهاز الأمن الداخلي؛ إذ لم تقتصر عناصر الشرطة النظامية في البحرين على البحرينيين بل ضمت في صفوفها عدداً من اليمنيين والعراقيين والسودانيين والسواحليين والصوماليين في ثلاثينات القرن الماضي.

كما استفادت البحرين في العشرينات من الخبرات العراقية في بداية تطورها الإداري، إذ تذكر الوثائق البريطانية أن هارولد ديكسن المعتمد البريطاني في البحرين سنة (1919- 1920) هو الذي أسس أول بلدية في البحرين نقلاً لتجربة النظام البلدي في البصرة، وفتح مجالس له، يساعده في ذلك شخص عراقي اسمه فرحان الرحمن.

وقد ارتبطت نشأة التعليم النظامي في البحرين بالعراق وبإسهام الجالية العراقية، فالعراق كان من أبكر الدول العربية اتصالاً بأسباب النهضة الفكرية، فقد كان رعايا الامبراطورية العثمانية من الديانات المسيحية واليهودية في العراق على صلة بالغربيين، عبر التعليم والرحلات والتجارة. كما شمل مشروع تحديث التعليم في الامبراطورية العثمانية الدارسين العراقيين في الآستانة، فأرسلت بعضهم إلى الغرب لاستكمال دراستهم كما أنها كانت في سنواتها الأخيرة أضعف من أن تمنع تغلغل النفوذ الغربي في العراق.

وقد هاجر الشيخ عبدالحسين الحلي (ت 1956)، أحد أبرز العقول الفقهية في النجف، إلى البحرين لاستلام منصبه القضائي الجديد، فلقد كان القضاء الشرعي الجعفري عام 1935 سبباً لصداع حكومي مزمن، لذا عمد مستشار الحكومة تشارلز بلغريف إلى استقدام قاضٍ شرعي من النجف لتمييز الأحكام الشرعية قبل نفاذها، وقد جاء الحلي وملأ هذا المنصب بجدارة وبكفاءة عالية. وفي غمرة انشغاله بالتمييز والقضاء لم ينسَ الشيخ أن ينشئ مدرسة دينية وفقهية تخرّج منها عدد من علماء الدين في البحرين، هذا إلى جانب تشجيع الأدب والثقافة والممارسات الفكرية.

لقد ارتبط التواجد الديني للأقليات الدينية المسيحية واليهودية والصابئة في البحرين بالعراق الذي كان المنحدر والمنبع البشري لهذه الأقليات النازحة؛ فقد قدم يهود العراق من الموصل تجاراً وصيارفة، وكان العراقي صالح الياهو يادكار من أوائل اليهود الذين استوطنوا البلاد عندما جاء من البصرة نهاية عقد الثمانينات من القرن التاسع عشر. بدأ حياته كبائع تبغ ومن ثم كصاحب محل لبيع الدقيق، ثم بدأ التعامل في بيع الألبسة المستعملة، وبعدها امتهن تجارة البز حيث كان يستورد الأقمشة من الخارج وتخصص في بيع العبايات النسائية.

وكان إسحاق سويري (ت 1938) قدم إلى البحرين من العراق في بداية العقد الأول من القرن العشرين مع جميع البغداديين. وبدأ عمله التجاري من خلال محل لبيع التبغ والعطور. وكان إسحاق سويري ومئير روبين وإبراهيم نونو أعضاء في بلدية المنامة، وكانوا على تناغم فريد مع زملائهم المسلمين في عضوية المجلس.

وقد مثلت حكاية المسيحية في البحرين وجهاً من أوجه التأثر ذي الأوجه المتعددة بالجوار العراقي، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1892 يغادر المبشر الأميركي صموئيل زويمر البصرة في زيارة لموانئ الخليج في إطار بحثه وتجواله حتى يناير/ كانون الثاني العام 1893. وكان نصيب البحرين بقاؤه فيها من السابع من ديسمبر حتى مطلع يناير 1894، وبعد تلك الزيارة كان زويمر على يقين بأن البحرين هي الموقع الأفضل للبداية، فقد كانت هذه الجزيرة حسب قوله ترحب بالأجانب، كما أنها بلد عربي بعيد عن سلطة الأتراك. وهذه المزية الأخيرة ترشحها لتكون مركزاً مناسباً، خصوصاً بعد تجربتهم مع السلطة العثمانية في البصرة، ومن هنا انطلقت قافلة النشاط التبشيري في البحرين.

ويسجل تواجد صابئي في البحرين بدءاً على الأقل من العام 1939 أشار له الباحث رشيد الخيون بقوله: «زرت الصابئي المندائي عبدالرزاق رومي، وهو مازال يمارس مهنة الأجداد الصياغة والمينا بالفضة بسوق المنامة القديم. ظهر أنه ابن أخي الباحث المندائي غضبان رومي، وصل مع عمه على ظهر قارب من البصرة قبل 66 عاماً، وكانوا يشكلون جماعة مندائية عراقية بالسوق والمجتمع، فالمحل الذي أمامه كان لزهرون الصائغ. رحل الكل بعد التقدم بالعمر، وتفضيل طقوس الموت والدفن مع أهل ملّتهم بالعراق. ولم يبقَ من هذه الجماعة سوى عبدالرزاق الذي أسلم ليأتلف مع المحيط».

لقد أدى الامتزاج الاجتماعي الذي وفرته الصلة المفتوحة للبحرينيين بالعراق إلى مصاهرات، وانتقلت الكثير من العادات والتقاليد بل وحتى المفردات اللغوية السائدة في اللهجة العراقية إلى البحرين، فقلما تجد عائلة دينية في البحرين لم ترتبط بعلاقات مصاهرة وزواج من العراق، فالهجرة والزيارة المنتظمة للعراق سواءً للسياحة الدينية أو بقصد الإقامة للتحصيل بنوعيه الديني والأكاديمي الذي يمتد في الأغلب لسنوات طويلة، يولّد حاجة ملحّة لدى المقيم بضرورة الاقتران بزوجة عراقية تشاطره حياته في المهجر وتعينه على التكيف في ظروف الغربة. وفي حدود اطلاعي فإن الكثير من العائلات والأسر الدينية اقترن فيها رب العائلة بزوجة عراقية أبرزها الملا عطية الجمري الذي تزوج قرينة إحدى الأسر البصراوية، والسيدعلي بن السيد إبراهيم كمال الدين الذي تزوج من عائلة الساعدي النجفية، والوجيه محمد بن مكي البحارنة الذي اقترن بامرأة علوية من عائلة الطباطبائي النجفية، كما عرف عن عائلة فخرو والزياني مصاهراتهم بأهل العراق نتيجة اتصالهم التجاري بالبصرة وبغداد.

ولاتزال اللهجة العراقية بإيقاعها الشجي والمحبب تسم لغة المنبر الحسيني حتى غدت هذه اللهجة بمثابة اللغة الخطابية الكلاسيكية القادرة على استدعاء العبرات، وربما يعود هذا التقليد الضارب في القدم إلى تأثر خطباء البحرين بنظرائهم العراقيين ممن أصابوا نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة في مضمار الخطابة الدينية سواءً في العراق أو ممن قدّر لهم أن يرقوا المنابر الحسينية في البحرين وهم كثر من أمثال عبدالزهراء الكعبي (ت 1974)، أحمد الوائلي (ت 2003)، باقر المقدسي، السيدعدنان البكاء، مرتضى الشاهرودي، عبدالحميد المهاجر.

ولقد تركت الأشعار والأهازيج العراقية تأثيرها البالغ على النساء والرجال في البحرين، لاسيما تلك التي تنشد في المناسبات الدينية الحزينة، ومن يعرف قيمة الشعر لدى العراقيين سابقاً وحديثاً، وسطوة البلاغة على العقول، يمكنه أن يقدّر حجم الأثر الذي كانت تلك الأهازيج تتركه في النفوس، وخصوصاً أنها تُقرأ باللهجة الدارجة التي يفهمها الجميع، ولم يقتصر تأثير هذه الأهازيج والأشعار على الترديد والتداول، بل لقد انبرا البحرينيون والبحرينيات بكتابة بعض الأبوذيات والأشعار التي تحاكي النموذج العراقي.

هذه حلقة صغيرة من سلسلة حكاية طويلة قد تسنح الفرص مستقبلاً لبسط الحديث في تفاصيلها بشكل أكثر توسعاً.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:35 م

      عراقي من الموصل

      سبق وان زرت البحرين قبل اكثر من عام وقد اعجبت بالاخلاق العالية لابنائة باختلاف مذاهبهم وكذلك لفت انتباهي التشابة الكبير بين اللهجة البحرينية والبغدادية. ومن الاشياء الجميلة ايضا هوابتسامة الترحيب على وجوه البحرينيون عندما يعلمون اني من العراق. استاذ وسام اشكرك على هذا المقال واعلم ان هناك الكثير من المشتركات بين الشعبين التي لمستها اثناء وجودي في البحرين.

    • زائر 1 | 11:32 م

      لماذا هذا الموضوع !!؟

      صراحة الإرتباط البحريني - العراقي ليس بهذا الأهمية لشعب البحرين لتفرد له مقالا. نعم عندنا بعض العائلات اليهودية والمسيحية التي تنحدر من هناك ولكن بخلاف ذلك فالإرتباط هو مذهبي بحت . للشيعة مزارات في العراق يقصدونها وكذلك المنبر الحسيني كما قلت بالإضافة إن الكثير منهم ينحدرون من أصول عراقية هاجرت إلى البحرين في الأربعينات والخمسينات . وربما اللهجة البحرانية تأخذ الكثير من اللهجة العراقية ولكن ما يأتينا من العراق الآن هو إرهاب فقط .

اقرأ ايضاً