العدد 3650 - الإثنين 03 سبتمبر 2012م الموافق 16 شوال 1433هـ

أوقفوا هذا الإنهاك السياسي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

في التراث الكلاسيكي الهندي تروى قصة تقول إن النسور والغربان اتفقت يوماً فيما بينها على تقاسم كل شيء يتم الحصول عليه من الغابات مناصفة، وذات يوم شاهدوا ثعلباً جرحه الصيادون مضطجعاً بلا حول ولا قوة تحت الشجرة، فتجمهروا حوله، فقالت الغربان: «سنأخذ النصف العلوي من الثعلب»، فقالت النسور: «سنأخذ النصف السفلي»، وعندئذ ضحك الثعلب وقال: «كنت أظن دائماً أن النسور متفوقون في الخلقة على الغربان، وعلى ذلك فيجب أن يحصلوا على الجزء العلوي من بدني، الذي يشكل رأسي جزءاً منه، بما فيه المخ وغيره، فقالت النسور «نعم، هذا صحيح، سنأخذ ذلك الجزء من الثعلب»، فقالت الغربان: «كلا، أبداً، بل يجب أن نحصل عليه نحن كما اتفقنا للتو».

وهكذا نشبت حرب بين الطرفين المتنافسين ونجا القلائل الباقون بصعوبة، وبقي الثعلب هناك أياماً يقتات على مهل من النسور والغربان الميتة. ثم غادر المكان وهو مرح وبصحة جيدة، وقال «يستفيد الضعيف من مشاجرات الأقواء».

بشيء من الإسقاط البريء على أرض الواقع، فإن ما يجري في البلد يعكس روح تلك الخرافة الهندية عدا أن أبطالها من بني آدم، وطريدتهم من المغانم ليس ثعلباً جريحاً، وإنما أشياء أكبر من ذلك بكثير. والمستفيد الأول والأخير من استمرار هذا المسلسل الدامي والمؤسف هو من لا يريد خيراً بالبلاد.

تصنف المجتمعات الإنسانية من حيث درجة تنوعها وانسجامها إلى عدة أنماط:

فهي إما مجتمعات متجانسة تجانساً نسبياً وليس مطلقاً، والمجتمع المتجانس يتكون من جماعة واحدة منصهرة اجتماعياً وثقافياً فتتوحد الهوية الخاصة والهوية العامة في هوية واحدة جامعة، وتسود فيه حالة الانصهار وينشأ نظام سياسي مركزي مهيمن، ويسهل الوصول فيه إلى الإجماع حول القضايا الأساسية، ومن أمثلته العربية مجتمع مصر وتونس وليبيا ومن حسن حظها أن هذا التجانس ساعد كثيراً في تسهيل عملية التحول الديمقراطي لها عقب الهبة المباركة للربيع العربي.

أما نمط المجتمع الفسيفسائي فهو في الطرف الآخر النقيض للمجتمع المتجانس فهو يتألف من عدة جماعات تغلب عليها هوياتها الخاصة على الهويات العامة وتتصف العلاقات فيما بينها بالتراوح بين عمليتي التعايش والنزاع وعدم القدرة على الاتفاق حول الأسس، ما يرسخ الانقسامات المؤدية إلى المنازعات، وبالتالي تحصل فروقات في الحقوق السياسية والاقتصادية وفي المكانة الاجتماعية بالطبع، ويمكن عدّ لبنان المنقسم الطائفي نموذجاً لهذا النمط من المجتمعات.

أما النمط الثالث والوسط، هو المجتمع التعددي، ويتكون من عدة جماعات بهوياتها الخاصة ولكنها تمكنت من إيجاد صيغة تؤالف الهوية الخاصة والهوية العامة، ومن إقامة دولة مركزية، ومن التفاهم حول بعض الأسس، ويمثل هذا النمط عدد من البلدان العربية: البحرين وسورية والعراق والجزائر والمغرب، وغيرها من البلدان التي «توفر لديها تاريخ وطني كفاحي وتشكل لها وعي قومي عام وتأسس فيها نظام سياسي مركزي، فتمكنت نسبياً من احتواء أزماتها، غير أن هذه المجتمعات التعددية قد تعاني بين فترة وأخرى من أزمات داخلية بسبب تدخلات من الخارج أو بسبب تسلط الأكثرية أو إحدى الأقليات على مراكز القوة والجاه والثراء، وبسبب غياب الديمقراطية وإقرار التنوع»، كما يشير حليم بركات في كتابة «المجتمع العربي المعاصر».

احتواء الأزمات في كل مجتمع يحتاج إلى حكمة وقدر عالٍ من المسئولية، وحتى المهاتما غاندي الذي حوّل اللاعنف إلى سلاح عظيم لتحقيق التغيير الاجتماعي كان لديه هدف واحد بسيط في حياته: أن يخلص الهند من السيطرة البريطانية التي رزحت فيها الهند لقرون عديدة، كان البريطانيون حكاماً أذكياء. وقد فهم غاندي أنه إذا كان يريد إنجاح المنهج اللاعنفي، فعليه أن يعتمد استراتيجية بالغة التعقيد، وقد ذهب غاندي إلى حد أن يسمي اللاعنف «طريقة جديدة لشن الحرب».

الكثير من علماء النفس والاجتماع يرى أنه عبر الصراع يتم غالباً حل المشكلات والتوفيق بين الاختلافات الحقيقية، إن نجاحنا وإخفاقنا في الحياة يمكن إرجاعها إلى مدى سوء أو حسن تعاملنا مع الصراعات المحتومة التي تواجه المجتمع. الطريقة الشائعة التي يتعامل بها الناس مع هذه الصراعات تتمثل في محاولة تجنبها أو التعاطي معها بعنف مفرط وهي محاولات غير مفيدة على المدى الطويل لأنها ليست تحت السيطرة الواعية أو العقلانية، وغالباً ما تزيد الأوضاع سوءاً «والمقاتلون الاستراتيجيون يعملون بطريقة مختلفة، يفكرون مسبقاً بأهدافهم بعيدة المدى، ويقررون أي المعارك عليهم تجنب خوضها، وأي منها محتوم عليهم خوضها». كما يقول روبرت غرين في كتابه «33 استراتيجية للحرب».

ورغم أن كلمة استراتيجية مشتقة من الكلمة الإغريقية «ستراتيجوس» التي تعني حرفياً «قائد الجيش» وهي بهذا المعنى كانت فن قيادة المجهود الحربي برمته، والتقرير أي تشكيلات عسكرية ينبغي تعبئتها للحرب، وأي أرض يقاتل عليها، وأي مناورات يمكن استعمالها لكسب تقدم العدو، إلا أن ما نحتاجه كمجتمع تعددي مبتلى بالأزمات استراتيجية جديدة تنتشل البحرين من هذه الوهدة والمستنقع الخطير التي خلفتها أحداث فبراير/ شباط 2011 وصرنا كجواميس النواعير، ندور وندور بلا نهاية وبلا أفق للحل في مسلسل لن ينتهي بغير تغيير حقيقي يرتضيه الناس. هذه مسئولية الدولة قبل أي طرف آخر، خصوصاً بعد أن ثبت للعالم أجمع أن قوى المعارضة راغبة وقادرة ومستعدة لحوار سياسي جدّي يخرج بنتائج كفيلة بتحقيق التوازن السياسي واستعادة الأمن المستلب والعدالة الغائبة والإصلاح السياسي وإلا فإن الأزمة مرشحة لمزيد من التعقيد والتفاقم وبالتالي مزيد من الإنهاك السياسي والنفسي لكل أطراف النزاع بلا استثناء.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3650 - الإثنين 03 سبتمبر 2012م الموافق 16 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:28 ص

      مقال جميل

      مقال بديع ويوصّف واقع الحال بمختصر مفيد

    • زائر 1 | 12:02 ص

      قوى المعارضة راغبة لحوارسياسي

      لو كانت قوى المعارضة راغبة في حوار فعلا شان وقفت التخريب والحرق في الشوارع وتخريب اقتصاد الدولة بالتعامل مع الدول الاخري لضرب اقتصاد الدولة باكذب و التدليس و الفبركة . . اتقوا الله في الي تسونة في بلدكم والله انكم سوف تسئلون عن كل عمل او كلمة قلتوها كذب وافتراء على بلدكم

اقرأ ايضاً